كثير من اللغط سمعنا البعض منه، يتوجه به بعض ممّن نصّبوا أنفسهم دعاة للإسلام في تونس. وكثير من اللغو وصلنا عبر تصريحات و«محاضرات» فيها تجنّي على تونس الشعب وتونس التاريخ.. وبقطع النظر عن هؤلاء الدعاة، الذين لا يبدون غرباء عن مجتمعنا فقط، بل عن روح الإسلام السمحة.. فإن الإسلام في هذه الربوع، محطة ومنارة وزيتونة لا شرقية ولا غربية هي ديدن التونسي. وسطيون وعلماء وباحثون.. هكذا بدا التونسيون عبر التاريخ، ولما دخل الإسلام هذه الديار منذ 14 قرنا، كان رسالة متصاعدة، أمّنها التونسيون والمغاربة بصفة عامة، ثماني مائة سنة حضارة إنسانية استثنائية، من حيث غنى علومها واكتشافات باحثيها.. الأندلس منارة الشرق والغرب، ومؤسسة البحث العلمي والعمارة، سمت بالحضارة الإنسانية من خلال العقل الخلاّق والعقل النقدي، فأفرزت «ابن رشد». في تونس، إسلام وسطيّ، إسلام حمّال رسالة حضارية إنسانية.. إن التونسيين، الذين عبروا عن فزعهم وانزعاجهم من بعض «الزائرين» لبلادنا، ممّن يعتقدون أنهم «فاتحين» جدد لهذه البلاد، يعلنون بكل فخر أنهم ليسوا بحاجة إلى «وعّاظ».. ما نراه اليوم قد توضّح في المشهد العربي ومنه التونسي، ما بعد الثورة ينبئ بأن هناك مخططا قد يكون حِيك خارج حدود الوطن العربي، قوامه، لغو ولغط، يدخل المجتمعات العربي، في موجة من مهاترات ونزاعات بيزنطية، بلا هدف ولا معنى.. ولا تعني أهداف الثورة في شيء.. ما لا يعمله أصحاب هذه المخططات، أن هناك ثورة حدثت في تونس، قام بها الشعب التونسي بكل ألوان الطيف السياسي الذي يحويه، ولا يمكن أن تمرّر المخططات التي تريدأن تُلهي مجتمعنا التونسي، في تفاصيل ثانوية. إن الثورة، هي لحظة تاريخية فارقة، مآلها وهدفها أن تتقدم بالبلاد وبالمشهد المجتمعي والمشهد السياسي، إلى الأمام. لذلك فإن مهامها الأساسية والاستراتيجية، تتّصل بإعادة النظر جذريا، في كل ما كان يعيش عليه التونسيون عصر الاستبداد. لذلك، فإن مراجعة التونسيين لكل قوانين البلاد من خلال اختيار إعادة النظر في كامل المنظومة القانونية والتشريعية، أتت من باب الحاجة الوطنية، من أجل إعادة المنظومة ثوريا، حتى يحصل الاستقلال الوطني ويُستعاد القرار الوطني، وأن هذه المراجعة وهذا الهدف السامي والثوري، لا يعني هؤلاء الذين يتهمون الشعب التونسي بأنه مَرَق عن الاسلام أو غيره، وهو اتهام مردود على من صاغه. لقد ولّى عهد الاستبداد، وعهد الانبهار من شدّة الاقصاء والغبن الذي رافقه، نظرا للفقر الروحي والفلسفي الذي مسّ العقل الخلاّق، حتى يظنّ بعض «الوعّاظ» الوافدين، بآرائهم التي لا يمكن أن توائم الوضع في تونس النّهم له فاتحون. التونسيون سيقتربون بعضهم من بعض، بمجرّد أن تحقّق الثورة أهدافها، ويسمح للعقل الخلاّق بأن يبدع.