عاجل/ تحول أميركي في مفاوضات غزة..وهذه التفاصيل..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    وزارة الصحة تُوضح بخصوص التعهد بحالة طبية أثارت تفاعلات وتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي..#خبر_عاجل    829 كم في 7 ثوان!.. صاعقة برق خارقة تحطم الأرقام القياسية    خطر تيك توك؟ البرلمان المصري يهدد بالحظر!    عاجل: قرار قضائي يوقف ترحيل آلاف المهاجرين من أمريكا    عارف بلخيرية رئيسا للجامعة التونسية للرقبي لفترة نيابية جديدة    عاجل: ما تشربوش من''عين أحمد'' و''عين أم ثعلب'' في تالة!    الوحدات الأردني يفسخ عقد قيس اليعقوبي    ضيوف تونس: رشيد بارادي (الجزائر): حبّ تونس لا يحصى ولا يعد    كلمة ورواية: كلمة «مرتي» ما معناها ؟ وماذا يُقصد بها ؟    في نابل والحمامات... مؤشرات إيجابية والسياحة تنتعش    تململ وغضب ودعوات للمقاطعة.. 70 دينارا لحم «العلوش» والمواطن «ضحيّة»!    مونديال الاصاغر للكرة الطائرة : ثلاثة لصفر جديدة أمام مصر والمرتبة 22 عالميا    معاينة فنية لهضبة سيدي بوسعيد    درجات حرارة تفوق المعدلات    اليوم الدخول مجاني الى المتاحف    جامع الزيتونة ضمن السجل المعماري والعمراني للتراث العربي    غازي العيادي ضمن فعاليات مهرجان الحمامات الدولي: ولادة جديدة بعد مسيرة حافلة    حماس تكذّب المبعوث الأمريكي: لن نتنازل عن السلاح    أستراليا تمنع يوتيوب للأطفال: وداعًا للخوارزميات الخطرة؟    لرصد الجوي يُصدر تحييناً لخريطة اليقظة: 12 ولاية في الخانة الصفراء بسبب تقلبات الطقس    الكاف: شبهات اختراق بطاقات التوجيه الجامعي ل 12 طالبا بالجهة ووزارة التعليم العالي تتعهد بفتح تحقيق في الغرض (نائب بالبرلمان)    إيقاف ياسين تشيوكو الحارس الشخصي لميسي ومنعه من دخول الملاعب    مع الشروق :الاعتراف... نصر أكتوبر الجديد    مباريات ودية: انتصارات لكل من النادي الصفاقسي، النجم الساحلي والاتحاد المنستيري    العواصف الرعدية والبَرَدْ جايين الليلة في المناطق هذي، حضّر روحك!    شائعات ''الكسوف الكلي'' اليوم.. الحقيقة اللي لازم تعرفها    قبلي: يوم تكويني بعنوان "أمراض الكبد والجهاز الهضمي ...الوقاية والعلاج"    بورصة تونس تحتل المرتبة الرابعة ضمن قائمة اداء الاسواق العربية خلال الربع الثاني من 2025    قرطاج يشتعل الليلة بصوت نانسي: 7 سنوات من الغياب تنتهي    عاجل: سوبر الأحد..الترجي بغيابات مؤثرة والملعب التونسي يسترجع عناصره    عاجل/ شبهات اختراق وتلاعب بمعطيات شخصية لناجحين في البكالوريا..نقابة المستشارين في الإعلام والتوجيه الجامعي تتدخل..    عاجل/ الحماية المدنية تُحذر من اضطراب البحر حتى وإن كان الطقس مشمساً..    زلزال بقوة 6.2 درجة يضرب هذه المنطقة..#خبر_عاجل    بالأرقام: كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية في عدد من الولايات..    الإدارة العامة للأداءات تنشر الأجندة الجبائية لشهر أوت 2025..    تنبيه هام: تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق..#خبر_عاجل    شراو تذاكر ومالقاوش بلايصهم! شنوّة صار في باب عليوة؟    عاجل/ وزارة الفلاحة توجه نداء هام لمُجمّعي الحبوب وتقدّم جُملة من التوصيات للفلاحين..    نقابة الصحفيين : مقاطع الفيديو المتعلقة بجماهير المهرجانات والمتداولة ليست لصحفيين محترفين ويجب احترام أخلاقيات المهنة    تحذير: استعمال ماء الجافيل على الأبيض يدمّرو... والحل؟ بسيط وموجود في دارك    اتحاد الشغل يؤكد على ضرورة استئناف التفاوض مع سلطات الإشراف حول الزيادة في القطاع الخاص    "تاف تونس " تعلن عن تركيب عدة اجهزة كومولوس لانتاج المياه الصالحة للشرب داخل مطار النفيضة- الحمامات الدولي    أحمد الجوادي في نهائي 1500 متر: سباحة تونس تواصل التألق في بطولة العالم    وفاة جيني سيلي: صوت الكانتري الأميركي يخفت عن عمر 85 عامًا    كيفاش أظافرك تنبهك لمشاكل في القلب والدورة الدموية؟    الفنان "الشامي" يحقق نجاحا جماهريا باهرا ضمن فعاليات الدورة 45 لمهرجان صفاقس الدولي.    جثمان متحلل بالشقة.. الشرطة تكشف لغز اختفاء عم الفنانة أنغام    شنية حكاية ''زكرة بريك'' اللي خوّفت جدودنا؟    الرضاعة الطبيعية: 82% من الرضّع في تونس محرومون منها، يحذّر وزارة الصحة    بطاطا ولا طماطم؟ الحقيقة إلّي حيّرت العلماء    سهرة قائدي الأوركسترا لشادي القرفي على ركح قرطاج: لقاء عالمي في حضرة الموسيقى    تحذير للتونسيين : برشا عمليات قرصنة ... ردّ بالك من التصاور والروابط المشبوهة    القصرين: منع مؤقت لاستعمال مياه عين أحمد وأم الثعالب بسبب تغيّر في الجودة    تاريخ الخيانات السياسية (33) هدم قبر الحسين وحرثه    هل يمكن لمن قام بالحج أن يؤدي عمرة في نفس السنة؟    شنوّة جايك اليوم؟ أبراجك تكشف أسرار 1 أوت!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خاص : «الشروق في مراكز اللاجئين بعين دراهم» - عندما تنهار الأكواخ... وتتحول المدارس .. الى مساكن
نشر في الشروق يوم 21 - 02 - 2012

... اختلفت قصصهم... أحلامهم... طموحهم لكن المأساة عنوانها واحد، «مواطن برتبة لاجئ...» عنوان اختزل معاناة عشرات العائلات ومئات المواطنين الذين انهارت في غفلة منهم كل أحلامهم الصغيرة
البرد شديد... السماء تمطر... قطراتها تتساقط على الثلوج التي غطت الواجهات كما الأسقف... جلسن كل واحدة الى فراشها... في صمت... إلا من بعض الأطفال يمرحون هنا وهناك... غرفة كبيرة للنساء والصغار وغرفة ثانية للرجال... تجانبت بداخلها الأسرّة الى طوابق ثلاثة...أغلب المقيمين والمقيمات عجائز وشيوخ بلغوا من العمر عقودا...وقلة من الأطفال الذكور... أما الفتيات... فهن شبه غائبات...
معهد خمير شأنه شأن عدد من المعاهد المخصصة بنظام المبيت... تحولت الى ملاجئ للسكن... ففي غمرة العواصف الثلجية... تشققت الجدران... وانهارت الأسقف القصديرية والأكواخ... في مناطق شبه معزولة إذ لم تكن معزولة أصلا والطريق إليها مستحيل الا جوّا...وأحيانا حين تصبح الرؤية منعدمة بفعل السحب والضباب قد يتعذر حتى تحديد مكان هاته العائلات.
إخلاء المنازل
سبعون في المائة من متساكني عين دراهم يسكنون متفرقين الى مساحات شاسعة جدا عبر الجبال والوديان.أكواخ... أقرب الى غرف قصديرية... بنيت من الطين... لا يمكنك أن تلمحها جيّدا الا جوّا... تم اخلاء عدد من سكانها اما بسبب العزلة أو تخوفا من انهيار مفاجئ للأكواخ.
... الوحدات العسكرية تراقب الأمكنة تحسبا لكل الطوارئ من «وادي الزان» الى «عين سلام»... مرورا ب «الخمائرية» و«الرويعي» و«سلول» و«أولاد سدرة» و«القباينية» تغيرت الأسماء والمكان واحد... عين دراهم... أهم المواقع السياحية بولاية جندوبة جمالها في منازلها المعلقة الى قمم جبال الكرومي ذات الغابات الكثيفة بأشجار الصنوبر والبلوط والفلّين والزان...
لكنها لم تحتفل بثلوجها التي طمرت أجزاء منها... فحوّلتها من حلم سياحي الى منطقة اختاروا لها من الأسماء «منكوبة».
لاجئ
مصطفى السالمي... أصيل المناورية «ببوش» منحته الثلوج وبرودة الطقس صفة لاجئ شأنه شأن زوجته وأطفاله... فهو يعاني من الاعاقة منذ سنوات... وبيته عفوا غرفته القصديرية انهارت فجأة فلم يكن له من خيار الا اتباع اجراءات الطوارئ وهي نقل المتساكنين واجلاؤهم الى المعاهد...حكايات... ولكن!
لكل واحد حكاية... ولكل واحدة قصص لا تنتهي لكنها لا تختلف عن بعضها فالهادي بن عياد القادم من ريف «فج الريح» عاطل عن العمل بمفعول الزمن، وحسين غريب أصيل «المريج»... لاجئ مع زوجته وأطفاله الأربعة... يعترف أن ما سقط لم يكن بيتا بل عشّة صغيرة من القشّ وأن الأيام الثمانية للحضيرة لا تكفي في شيء إذ كان العمل بالحضائر سابقا يصل الى حدود 20 يوما... لكن الخلاص بعد شهرين، وبالتالي فإن الوضعية لا يحسد عليها.
الدوّار قبر الحياة
في حين أن الخالة حدّة... متعبة من السفر جلوسا الى الفراش وهي تريد العودة الى ما تبقى من غرفتها...فذاك «الدوّار» مكانها الذي لا يمكن التنازل عنه... وهو قبر الحياة في نظرها.
بين الايواء والمستشفى
مبروكة... أم لثلاث بنات كلهن معوقات وعاجزات عن الكلام... احداهن وهي في العقد الثاني تم الاحتفاظ بها في المستشفى لحالتها الصحية (مصابة بداء السكري) والبقية يشاطرنها المكان... كلهن هنا... قدمن يحملن معهن البعض مما يمتلكن... في انتظار فرج قد يطول أو يقصر... فقط المهم انهن سلّمن أمرهن... فلا الغرفة اليتيمة عادت لتأويهم... ولا مكان للجوء إليه...
تهدم الكوخ على رأسها
«مقصباي»... هكذا رددت اسمها بصعوبة أصيلة منطقة «سيدي سعيد»... قصرها الافتراضي هو تلك «العشة»... وهي بالكاد تحدد البصر الى الأشياء... أشعلت كومة الحطب للتدفئة لكن اشتعلت النيران في القش الذي كان هو الجدران والسقف...والتهمت النيران المكان لتسقط «العشة» وتحت الردم كانت «مقصباي»...من ألطاف اللّه أن الوحدات العسكرية كانت تجوب كل الأمكنة برّا وجوّا لمراقبة الأوضاع...حين تم التفطن للحريق...سارعت سيارات الهامر إلى المنطقة ومنها ركضا على الأقدام...ومن تحت الركام تم انتشال «مقصباي»...ونقلها إلى مركز الإيواء بمعهد خمير... كانت كتلة سوداء مغطاة بالدخان اغتسلت العجوز بالماء الساخن...غيروا ملابسها...أجلسوها إلى الفراش تجاور جهاز التدفئة لكن «مقصباي» تحتج... لا تريد بيتا ولا مأوى تريد فقط العودة إلى «العشة».
...لم يكن ممكنا السيطرة على طموح «مقصباي» سوى من خلال النسوة اللاتي يحاورنها بالإيواء...إذ تتوالد الحكايات من الماضي إلى الحاضر إلى البحث عن سبيل لغد مشرق...
جنود الخفاء لهم كل المهمات
مطبخ المعهد تحول هو الآخر إلى مطبخ للعائلات المنكوبة والتي وقع اجلاؤها...وككل مراكز الايواء...تقوم الوحدات العسكرية بالحماية والاشراف على المكان...جلب الخبز حراسة المؤونة... العناية بالمرضى ونقلهم للمستشفى وإعادتهم منها...فجنود الخفاء هم الصلة وجسر التواصل مع كل الاحتياجات الضرورية...
بعد الثلوج...ولكن؟
...أي مصير لهؤلاء...تقول الاحصائيات إن عمليات الإجلاء والانقاذ شملت العشرات من العائلات ومعهد خمير طاقة استيعابه 140 سريرا واعدادية حمام بورقيبة 150 سريرا واعدادية «عين البية» احتضنت أكثر من 100 شخص بين شيوخ وأطفال وعجائز... لكن الثلاثية الثانية الدراسية أشرفت على النهاية ولا بد للتلاميذ من عودة إلى مدارسهم ...انتقلنا إلى جندوبة حيث تم إعداد مراكز لتجميع الإعانات تفاديا للفوضى...وكانت المهمة للوحدات العسكرية...البحث عن مكان لإيواء العائلات إلى حين تحسن الحالة الجوية...
مسؤول على عين المكان...تحدث ل «الشروق» عن مقر للصناعات التقليدية وقد تم الشروع في الاجراءات بصفة حثيثة لتجهيزه ليصبح قابلا للسكن...ومنه تنطلق عملية نقل العائلات عبر سيارات الجيب العسكرية...يقول محدثنا : «جلب العائلات مرفوق باعداد كامل للاعتناء بهم....توفير الوجبات الساخنة وفطور الصباح والأهم العناية الصحية...لكل الحالات فإعدادية «عين البيّة» ستفتح أبوابها للتلاميذ من جديد...وليس لنا من خيار عاجل إلا هذا الحلّ.
المواد الغذائية والمؤونة متوفرة للجميع لكن العناية الصحية يجب أن تبقى مستمرة طيلة ساعات الليل والنهار... فأغلب من تم اجلاؤهم هم من كبار السن وهي خصوصية المنطقة... التي هجرها شبابها إلى العاصمة بحثا عن عمل...هكذا كان دور جنود الخفاء...دور وقائي وحمائي واجتماعي بالأساس.
قصص متشابهة
محمد وذهبي... أسماء لقصص متشابهة...داخل مركز الإيواء...وأطفال حالمون ضاحكون عابثون بالزمن... فلا شيء أجمل من الطفولة... حتى وإن كنت لاجئا في وطنك... تجلس إليهم...فيحدثونك عن المستقبل...الدراسة....والحلم.
...فمشكلتهم كما يرونها... توفير سكن لكن بنفس المكان على سفح الجبل أو وسط الغابة...حتى إن كانت غرفة يتيمة المهم أن المكان يبقى...حتى وإن تطلب إيصال الخبز إليهم طائرة عمودية...
من بين الأكواخ البعيدة... حيث يغادرها ما تبقى من متساكينها إلى بعض الطرقات...للحصول على المزيد من المؤونة...بامكانك أن تلمح «القصر» قصر الرئيس السابق الذي قيل إنه عرض للبيع ...قدرت قيمته المالية بحوالي 300 مليار من المليمات... رأى فيه البعض أنه دليل على منظومة فساد مرت من هنا...في حين يرى آخرون... أن السنوات التي مرت...كانت حافلة فقط بالانجازات المرتبطة بالاعانات المسترسلة وهي السبب الرئيسي فيما آل إليه الوضع ...حيث كان الأجدر العمل بالمثل الشعبي الصيني...«لا تعطني سمكة...بل علمني كيف اصطادها».
غدا: حمام بورقيبة...مركز للإجلاء...ورغم قساوة الظروف... أبناؤها جامعيون
الشمال الغربي الشروق: ريبورتاج سميرة الخياري كشوالبرد شديد... السماء تمطر... قطراتها تتساقط على الثلوج التي غطت الواجهات كما الأسقف... جلسن كل واحدة الى فراشها... في صمت... إلا من بعض الأطفال يمرحون هنا وهناك... غرفة كبيرة للنساء والصغار وغرفة ثانية للرجال... تجانبت بداخلها الأسرّة الى طوابق ثلاثة...أغلب المقيمين والمقيمات عجائز وشيوخ بلغوا من العمر عقودا...وقلة من الأطفال الذكور... أما الفتيات... فهن شبه غائبات...معهد خمير شأنه شأن عدد من المعاهد المخصصة بنظام المبيت... تحولت الى ملاجئ للسكن... ففي غمرة العواصف الثلجية... تشققت الجدران... وانهارت الأسقف القصديرية والأكواخ... في مناطق شبه معزولة إذ لم تكن معزولة أصلا والطريق إليها مستحيل الا جوّا...وأحيانا حين تصبح الرؤية منعدمة بفعل السحب والضباب قد يتعذر حتى تحديد مكان هاته العائلات.إخلاء المنازلسبعون في المائة من متساكني عين دراهم يسكنون متفرقين الى مساحات شاسعة جدا عبر الجبال والوديان.أكواخ... أقرب الى غرف قصديرية... بنيت من الطين... لا يمكنك أن تلمحها جيّدا الا جوّا... تم اخلاء عدد من سكانها اما بسبب العزلة أو تخوفا من انهيار مفاجئ للأكواخ.... الوحدات العسكرية تراقب الأمكنة تحسبا لكل الطوارئ من «وادي الزان» الى «عين سلام»... مرورا ب «الخمائرية» و«الرويعي» و«سلول» و«أولاد سدرة» و«القباينية» تغيرت الأسماء والمكان واحد... عين دراهم... أهم المواقع السياحية بولاية جندوبة جمالها في منازلها المعلقة الى قمم جبال الكرومي ذات الغابات الكثيفة بأشجار الصنوبر والبلوط والفلّين والزان...لكنها لم تحتفل بثلوجها التي طمرت أجزاء منها... فحوّلتها من حلم سياحي الى منطقة اختاروا لها من الأسماء «منكوبة».لاجئمصطفى السالمي... أصيل المناورية «ببوش» منحته الثلوج وبرودة الطقس صفة لاجئ شأنه شأن زوجته وأطفاله... فهو يعاني من الاعاقة منذ سنوات... وبيته عفوا غرفته القصديرية انهارت فجأة فلم يكن له من خيار الا اتباع اجراءات الطوارئ وهي نقل المتساكنين واجلاؤهم الى المعاهد...حكايات... ولكن!لكل واحد حكاية... ولكل واحدة قصص لا تنتهي لكنها لا تختلف عن بعضها فالهادي بن عياد القادم من ريف «فج الريح» عاطل عن العمل بمفعول الزمن، وحسين غريب أصيل «المريج»... لاجئ مع زوجته وأطفاله الأربعة... يعترف أن ما سقط لم يكن بيتا بل عشّة صغيرة من القشّ وأن الأيام الثمانية للحضيرة لا تكفي في شيء إذ كان العمل بالحضائر سابقا يصل الى حدود 20 يوما... لكن الخلاص بعد شهرين، وبالتالي فإن الوضعية لا يحسد عليها.الدوّار قبر الحياةفي حين أن الخالة حدّة... متعبة من السفر جلوسا الى الفراش وهي تريد العودة الى ما تبقى من غرفتها...فذاك «الدوّار» مكانها الذي لا يمكن التنازل عنه... وهو قبر الحياة في نظرها.بين الايواء والمستشفىمبروكة... أم لثلاث بنات كلهن معوقات وعاجزات عن الكلام... احداهن وهي في العقد الثاني تم الاحتفاظ بها في المستشفى لحالتها الصحية (مصابة بداء السكري) والبقية يشاطرنها المكان... كلهن هنا... قدمن يحملن معهن البعض مما يمتلكن... في انتظار فرج قد يطول أو يقصر... فقط المهم انهن سلّمن أمرهن... فلا الغرفة اليتيمة عادت لتأويهم... ولا مكان للجوء إليه...تهدم الكوخ على رأسها«مقصباي»... هكذا رددت اسمها بصعوبة أصيلة منطقة «سيدي سعيد»... قصرها الافتراضي هو تلك «العشة»... وهي بالكاد تحدد البصر الى الأشياء... أشعلت كومة الحطب للتدفئة لكن اشتعلت النيران في القش الذي كان هو الجدران والسقف...والتهمت النيران المكان لتسقط «العشة» وتحت الردم كانت «مقصباي»...من ألطاف اللّه أن الوحدات العسكرية كانت تجوب كل الأمكنة برّا وجوّا لمراقبة الأوضاع...حين تم التفطن للحريق...سارعت سيارات الهامر إلى المنطقة ومنها ركضا على الأقدام...ومن تحت الركام تم انتشال «مقصباي»...ونقلها إلى مركز الإيواء بمعهد خمير... كانت كتلة سوداء مغطاة بالدخان اغتسلت العجوز بالماء الساخن...غيروا ملابسها...أجلسوها إلى الفراش تجاور جهاز التدفئة لكن «مقصباي» تحتج... لا تريد بيتا ولا مأوى تريد فقط العودة إلى «العشة». ...لم يكن ممكنا السيطرة على طموح «مقصباي» سوى من خلال النسوة اللاتي يحاورنها بالإيواء...إذ تتوالد الحكايات من الماضي إلى الحاضر إلى البحث عن سبيل لغد مشرق... جنود الخفاء لهم كل المهمات مطبخ المعهد تحول هو الآخر إلى مطبخ للعائلات المنكوبة والتي وقع اجلاؤها...وككل مراكز الايواء...تقوم الوحدات العسكرية بالحماية والاشراف على المكان...جلب الخبز حراسة المؤونة... العناية بالمرضى ونقلهم للمستشفى وإعادتهم منها...فجنود الخفاء هم الصلة وجسر التواصل مع كل الاحتياجات الضرورية... بعد الثلوج...ولكن؟ ...أي مصير لهؤلاء...تقول الاحصائيات إن عمليات الإجلاء والانقاذ شملت العشرات من العائلات ومعهد خمير طاقة استيعابه 140 سريرا واعدادية حمام بورقيبة 150 سريرا واعدادية «عين البية» احتضنت أكثر من 100 شخص بين شيوخ وأطفال وعجائز... لكن الثلاثية الثانية الدراسية أشرفت على النهاية ولا بد للتلاميذ من عودة إلى مدارسهم ...انتقلنا إلى جندوبة حيث تم إعداد مراكز لتجميع الإعانات تفاديا للفوضى...وكانت المهمة للوحدات العسكرية...البحث عن مكان لإيواء العائلات إلى حين تحسن الحالة الجوية... مسؤول على عين المكان...تحدث ل «الشروق» عن مقر للصناعات التقليدية وقد تم الشروع في الاجراءات بصفة حثيثة لتجهيزه ليصبح قابلا للسكن...ومنه تنطلق عملية نقل العائلات عبر سيارات الجيب العسكرية...يقول محدثنا : «جلب العائلات مرفوق باعداد كامل للاعتناء بهم....توفير الوجبات الساخنة وفطور الصباح والأهم العناية الصحية...لكل الحالات فإعدادية «عين البيّة» ستفتح أبوابها للتلاميذ من جديد...وليس لنا من خيار عاجل إلا هذا الحلّ. المواد الغذائية والمؤونة متوفرة للجميع لكن العناية الصحية يجب أن تبقى مستمرة طيلة ساعات الليل والنهار... فأغلب من تم اجلاؤهم هم من كبار السن وهي خصوصية المنطقة... التي هجرها شبابها إلى العاصمة بحثا عن عمل...هكذا كان دور جنود الخفاء...دور وقائي وحمائي واجتماعي بالأساس. قصص متشابهة محمد وذهبي... أسماء لقصص متشابهة...داخل مركز الإيواء...وأطفال حالمون ضاحكون عابثون بالزمن... فلا شيء أجمل من الطفولة... حتى وإن كنت لاجئا في وطنك... تجلس إليهم...فيحدثونك عن المستقبل...الدراسة....والحلم. ...فمشكلتهم كما يرونها... توفير سكن لكن بنفس المكان على سفح الجبل أو وسط الغابة...حتى إن كانت غرفة يتيمة المهم أن المكان يبقى...حتى وإن تطلب إيصال الخبز إليهم طائرة عمودية... من بين الأكواخ البعيدة... حيث يغادرها ما تبقى من متساكينها إلى بعض الطرقات...للحصول على المزيد من المؤونة...بامكانك أن تلمح «القصر» قصر الرئيس السابق الذي قيل إنه عرض للبيع ...قدرت قيمته المالية بحوالي 300 مليار من المليمات... رأى فيه البعض أنه دليل على منظومة فساد مرت من هنا...في حين يرى آخرون... أن السنوات التي مرت...كانت حافلة فقط بالانجازات المرتبطة بالاعانات المسترسلة وهي السبب الرئيسي فيما آل إليه الوضع ...حيث كان الأجدر العمل بالمثل الشعبي الصيني...«لا تعطني سمكة...بل علمني كيف اصطادها».غدا: حمام بورقيبة...مركز للإجلاء...ورغم قساوة الظروف... أبناؤها جامعيون


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.