رفض الإفراج عن رئيس نقابة قوات الأمن الداخلي وتأجيل محاكمته إلى جويلية المقبل    اليوم الإثنين موعد انطلاق الحملة الانتخابية الخاصة بالانتخابات التشريعية الجزئية بدائرة بنزرت الشمالية    189 حريق خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية….    سنية الدهماني تمثل مجدّدا أمام الدائرة الجناحية بابتدائية تونس    صاروخ إيراني يصيب مبنى السفارة الأمريكية في تل أبيب..    الإتحاد المنستيري: الإدارة تزف بشرى سارة للجماهير    كأس العالم للأندية: برنامج مواجهات اليوم الإثنين 16 جوان    وفد من وزارة التربية العُمانية في تونس لانتداب مدرسين ومشرفين    اليوم..انطلاق مناظرة الدخول إلى المدارس الإعدادية النموذجية "السيزيام"    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    كأس المغرب 2023-2024: معين الشعباني يقود نهضة بركان الى الدور نصف النهائي    تصنيف لاعبات التنس المحترفات : انس جابر تتراجع الى المركز 61 عالميا    باريس سان جيرمان يقسو على أتليتيكو مدريد برباعية في كأس العالم للأندية    النادي الصفاقسي: الهيئة التسييرية تواصل المشوار .. والإدارة تعول على الجماهير    عاجل :الكشف عن حكم مباراة الترجي وفلامنغو في كأس العالم للأندية    قتلى وجرحى بعد هجمات صاروخية إيرانية ضربت تل أبيب وحيفا..#خبر_عاجل    مصدر أمني إسرائيلي: إيران بدأت باستخدام صواريخ دقيقة يصعب التصدي لها    عاجل/ "قافلة الصمود": تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين توجه هذا النداء للتونسيين..    تراجع طفيف في نسبة امتلاء السدود، إلى ما دون 40%    طقس اليوم..الحرارة تصل الى 42..    باكستان تتعهد بالوقوف خلف مع إيران وتدعو إلى وحدة المسلمين ضد "إسرائيل"    النفط يرتفع مع تصاعد المواجهة في الشرق الأوسط.. ومخاوف من إغلاق مضيق هرمز    إيران تعلن إعدام "جاسوس الموساد" الإسرائيلي إسماعيل فكري شنقا    الاحتلال يستهدف مقرا للحرس الثوري في طهران    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    بوادر مشجعة وسياح قادمون من وجهات جديدة .. تونس تراهن على استقبال 11 مليون سائح    بعد ترميمه فيلم "كاميرا عربية" لفريد بوغدير يُعرض عالميا لأوّل مرّة في مهرجان "السينما المستعادة" ببولونيا    مديرو المهرجانات الصيفية يواجهون صعوبات .. بين مطرقة ارتفاع كلفة الفنانين وسندان أذواق المتفرجين    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    إجراءات لدعم التشغيل    اليوم انطلاق مناظرة «السيزيام»    تونس: حوالي 25 ألف جمعية 20 بالمائة منها تنشط في المجال الثقافي والفني    إطلاق خارطة السياسات العمومية للكتاب في العالم العربي يوم 24 جوان 2025 في تونس بمشاركة 30 دار نشر    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    هكذا سيكون طقس الليلة    حملات الشرطة البلدية تسفر عن مئات المخالفات في مجالي الأمن والصحة    المبادلات التجارية بين تونس والجزائر لا تزال دون المأموال (دراسة)    فيلم "عصفور جنة" يشارك ضمن تظاهرة "شاشات إيطالية" من 17 إلى 22 جوان بالمرسى    زفاف الحلم: إطلالات شيرين بيوتي تخطف الأنظار وتثير الجدل    مطار النفيضة يستقبل أول رحلة مباشرة من مولدافيا    لماذا تستهلك بعض السيارات الزيت أكثر من غيرها؟    مواعيد مباريات اليوم فى كأس العالم للأندية 2025    الإعلامية ريهام بن علية عبر ستوري على إنستغرام:''خوفي من الموت موش على خاطري على خاطر ولدي''    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    باجة: سفرة تجارية ثانية تربط تونس بباجة بداية من الاثنين القادم    هل يمكن أكل المثلجات والملونات الصناعية يوميًا؟    موسم واعد في الشمال الغربي: مؤشرات إيجابية ونمو ملحوظ في عدد الزوار    العثور على شقيق الفنانة لطيفة العرفاوي متوف داخل منزله    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    المدير العام لمنظمة الصحة العالمية يؤكد دعم المنظمة لمقاربة الصحة الواحدة    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    خطبة الجمعة .. رأس الحكمة مخافة الله    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    موعدنا هذا الأربعاء 11 جوان مع "قمر الفراولة"…    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خاص : «الشروق في مراكز اللاجئين بعين دراهم» - عندما تنهار الأكواخ... وتتحول المدارس .. الى مساكن
نشر في الشروق يوم 21 - 02 - 2012

... اختلفت قصصهم... أحلامهم... طموحهم لكن المأساة عنوانها واحد، «مواطن برتبة لاجئ...» عنوان اختزل معاناة عشرات العائلات ومئات المواطنين الذين انهارت في غفلة منهم كل أحلامهم الصغيرة
البرد شديد... السماء تمطر... قطراتها تتساقط على الثلوج التي غطت الواجهات كما الأسقف... جلسن كل واحدة الى فراشها... في صمت... إلا من بعض الأطفال يمرحون هنا وهناك... غرفة كبيرة للنساء والصغار وغرفة ثانية للرجال... تجانبت بداخلها الأسرّة الى طوابق ثلاثة...أغلب المقيمين والمقيمات عجائز وشيوخ بلغوا من العمر عقودا...وقلة من الأطفال الذكور... أما الفتيات... فهن شبه غائبات...
معهد خمير شأنه شأن عدد من المعاهد المخصصة بنظام المبيت... تحولت الى ملاجئ للسكن... ففي غمرة العواصف الثلجية... تشققت الجدران... وانهارت الأسقف القصديرية والأكواخ... في مناطق شبه معزولة إذ لم تكن معزولة أصلا والطريق إليها مستحيل الا جوّا...وأحيانا حين تصبح الرؤية منعدمة بفعل السحب والضباب قد يتعذر حتى تحديد مكان هاته العائلات.
إخلاء المنازل
سبعون في المائة من متساكني عين دراهم يسكنون متفرقين الى مساحات شاسعة جدا عبر الجبال والوديان.أكواخ... أقرب الى غرف قصديرية... بنيت من الطين... لا يمكنك أن تلمحها جيّدا الا جوّا... تم اخلاء عدد من سكانها اما بسبب العزلة أو تخوفا من انهيار مفاجئ للأكواخ.
... الوحدات العسكرية تراقب الأمكنة تحسبا لكل الطوارئ من «وادي الزان» الى «عين سلام»... مرورا ب «الخمائرية» و«الرويعي» و«سلول» و«أولاد سدرة» و«القباينية» تغيرت الأسماء والمكان واحد... عين دراهم... أهم المواقع السياحية بولاية جندوبة جمالها في منازلها المعلقة الى قمم جبال الكرومي ذات الغابات الكثيفة بأشجار الصنوبر والبلوط والفلّين والزان...
لكنها لم تحتفل بثلوجها التي طمرت أجزاء منها... فحوّلتها من حلم سياحي الى منطقة اختاروا لها من الأسماء «منكوبة».
لاجئ
مصطفى السالمي... أصيل المناورية «ببوش» منحته الثلوج وبرودة الطقس صفة لاجئ شأنه شأن زوجته وأطفاله... فهو يعاني من الاعاقة منذ سنوات... وبيته عفوا غرفته القصديرية انهارت فجأة فلم يكن له من خيار الا اتباع اجراءات الطوارئ وهي نقل المتساكنين واجلاؤهم الى المعاهد...حكايات... ولكن!
لكل واحد حكاية... ولكل واحدة قصص لا تنتهي لكنها لا تختلف عن بعضها فالهادي بن عياد القادم من ريف «فج الريح» عاطل عن العمل بمفعول الزمن، وحسين غريب أصيل «المريج»... لاجئ مع زوجته وأطفاله الأربعة... يعترف أن ما سقط لم يكن بيتا بل عشّة صغيرة من القشّ وأن الأيام الثمانية للحضيرة لا تكفي في شيء إذ كان العمل بالحضائر سابقا يصل الى حدود 20 يوما... لكن الخلاص بعد شهرين، وبالتالي فإن الوضعية لا يحسد عليها.
الدوّار قبر الحياة
في حين أن الخالة حدّة... متعبة من السفر جلوسا الى الفراش وهي تريد العودة الى ما تبقى من غرفتها...فذاك «الدوّار» مكانها الذي لا يمكن التنازل عنه... وهو قبر الحياة في نظرها.
بين الايواء والمستشفى
مبروكة... أم لثلاث بنات كلهن معوقات وعاجزات عن الكلام... احداهن وهي في العقد الثاني تم الاحتفاظ بها في المستشفى لحالتها الصحية (مصابة بداء السكري) والبقية يشاطرنها المكان... كلهن هنا... قدمن يحملن معهن البعض مما يمتلكن... في انتظار فرج قد يطول أو يقصر... فقط المهم انهن سلّمن أمرهن... فلا الغرفة اليتيمة عادت لتأويهم... ولا مكان للجوء إليه...
تهدم الكوخ على رأسها
«مقصباي»... هكذا رددت اسمها بصعوبة أصيلة منطقة «سيدي سعيد»... قصرها الافتراضي هو تلك «العشة»... وهي بالكاد تحدد البصر الى الأشياء... أشعلت كومة الحطب للتدفئة لكن اشتعلت النيران في القش الذي كان هو الجدران والسقف...والتهمت النيران المكان لتسقط «العشة» وتحت الردم كانت «مقصباي»...من ألطاف اللّه أن الوحدات العسكرية كانت تجوب كل الأمكنة برّا وجوّا لمراقبة الأوضاع...حين تم التفطن للحريق...سارعت سيارات الهامر إلى المنطقة ومنها ركضا على الأقدام...ومن تحت الركام تم انتشال «مقصباي»...ونقلها إلى مركز الإيواء بمعهد خمير... كانت كتلة سوداء مغطاة بالدخان اغتسلت العجوز بالماء الساخن...غيروا ملابسها...أجلسوها إلى الفراش تجاور جهاز التدفئة لكن «مقصباي» تحتج... لا تريد بيتا ولا مأوى تريد فقط العودة إلى «العشة».
...لم يكن ممكنا السيطرة على طموح «مقصباي» سوى من خلال النسوة اللاتي يحاورنها بالإيواء...إذ تتوالد الحكايات من الماضي إلى الحاضر إلى البحث عن سبيل لغد مشرق...
جنود الخفاء لهم كل المهمات
مطبخ المعهد تحول هو الآخر إلى مطبخ للعائلات المنكوبة والتي وقع اجلاؤها...وككل مراكز الايواء...تقوم الوحدات العسكرية بالحماية والاشراف على المكان...جلب الخبز حراسة المؤونة... العناية بالمرضى ونقلهم للمستشفى وإعادتهم منها...فجنود الخفاء هم الصلة وجسر التواصل مع كل الاحتياجات الضرورية...
بعد الثلوج...ولكن؟
...أي مصير لهؤلاء...تقول الاحصائيات إن عمليات الإجلاء والانقاذ شملت العشرات من العائلات ومعهد خمير طاقة استيعابه 140 سريرا واعدادية حمام بورقيبة 150 سريرا واعدادية «عين البية» احتضنت أكثر من 100 شخص بين شيوخ وأطفال وعجائز... لكن الثلاثية الثانية الدراسية أشرفت على النهاية ولا بد للتلاميذ من عودة إلى مدارسهم ...انتقلنا إلى جندوبة حيث تم إعداد مراكز لتجميع الإعانات تفاديا للفوضى...وكانت المهمة للوحدات العسكرية...البحث عن مكان لإيواء العائلات إلى حين تحسن الحالة الجوية...
مسؤول على عين المكان...تحدث ل «الشروق» عن مقر للصناعات التقليدية وقد تم الشروع في الاجراءات بصفة حثيثة لتجهيزه ليصبح قابلا للسكن...ومنه تنطلق عملية نقل العائلات عبر سيارات الجيب العسكرية...يقول محدثنا : «جلب العائلات مرفوق باعداد كامل للاعتناء بهم....توفير الوجبات الساخنة وفطور الصباح والأهم العناية الصحية...لكل الحالات فإعدادية «عين البيّة» ستفتح أبوابها للتلاميذ من جديد...وليس لنا من خيار عاجل إلا هذا الحلّ.
المواد الغذائية والمؤونة متوفرة للجميع لكن العناية الصحية يجب أن تبقى مستمرة طيلة ساعات الليل والنهار... فأغلب من تم اجلاؤهم هم من كبار السن وهي خصوصية المنطقة... التي هجرها شبابها إلى العاصمة بحثا عن عمل...هكذا كان دور جنود الخفاء...دور وقائي وحمائي واجتماعي بالأساس.
قصص متشابهة
محمد وذهبي... أسماء لقصص متشابهة...داخل مركز الإيواء...وأطفال حالمون ضاحكون عابثون بالزمن... فلا شيء أجمل من الطفولة... حتى وإن كنت لاجئا في وطنك... تجلس إليهم...فيحدثونك عن المستقبل...الدراسة....والحلم.
...فمشكلتهم كما يرونها... توفير سكن لكن بنفس المكان على سفح الجبل أو وسط الغابة...حتى إن كانت غرفة يتيمة المهم أن المكان يبقى...حتى وإن تطلب إيصال الخبز إليهم طائرة عمودية...
من بين الأكواخ البعيدة... حيث يغادرها ما تبقى من متساكينها إلى بعض الطرقات...للحصول على المزيد من المؤونة...بامكانك أن تلمح «القصر» قصر الرئيس السابق الذي قيل إنه عرض للبيع ...قدرت قيمته المالية بحوالي 300 مليار من المليمات... رأى فيه البعض أنه دليل على منظومة فساد مرت من هنا...في حين يرى آخرون... أن السنوات التي مرت...كانت حافلة فقط بالانجازات المرتبطة بالاعانات المسترسلة وهي السبب الرئيسي فيما آل إليه الوضع ...حيث كان الأجدر العمل بالمثل الشعبي الصيني...«لا تعطني سمكة...بل علمني كيف اصطادها».
غدا: حمام بورقيبة...مركز للإجلاء...ورغم قساوة الظروف... أبناؤها جامعيون
الشمال الغربي الشروق: ريبورتاج سميرة الخياري كشوالبرد شديد... السماء تمطر... قطراتها تتساقط على الثلوج التي غطت الواجهات كما الأسقف... جلسن كل واحدة الى فراشها... في صمت... إلا من بعض الأطفال يمرحون هنا وهناك... غرفة كبيرة للنساء والصغار وغرفة ثانية للرجال... تجانبت بداخلها الأسرّة الى طوابق ثلاثة...أغلب المقيمين والمقيمات عجائز وشيوخ بلغوا من العمر عقودا...وقلة من الأطفال الذكور... أما الفتيات... فهن شبه غائبات...معهد خمير شأنه شأن عدد من المعاهد المخصصة بنظام المبيت... تحولت الى ملاجئ للسكن... ففي غمرة العواصف الثلجية... تشققت الجدران... وانهارت الأسقف القصديرية والأكواخ... في مناطق شبه معزولة إذ لم تكن معزولة أصلا والطريق إليها مستحيل الا جوّا...وأحيانا حين تصبح الرؤية منعدمة بفعل السحب والضباب قد يتعذر حتى تحديد مكان هاته العائلات.إخلاء المنازلسبعون في المائة من متساكني عين دراهم يسكنون متفرقين الى مساحات شاسعة جدا عبر الجبال والوديان.أكواخ... أقرب الى غرف قصديرية... بنيت من الطين... لا يمكنك أن تلمحها جيّدا الا جوّا... تم اخلاء عدد من سكانها اما بسبب العزلة أو تخوفا من انهيار مفاجئ للأكواخ.... الوحدات العسكرية تراقب الأمكنة تحسبا لكل الطوارئ من «وادي الزان» الى «عين سلام»... مرورا ب «الخمائرية» و«الرويعي» و«سلول» و«أولاد سدرة» و«القباينية» تغيرت الأسماء والمكان واحد... عين دراهم... أهم المواقع السياحية بولاية جندوبة جمالها في منازلها المعلقة الى قمم جبال الكرومي ذات الغابات الكثيفة بأشجار الصنوبر والبلوط والفلّين والزان...لكنها لم تحتفل بثلوجها التي طمرت أجزاء منها... فحوّلتها من حلم سياحي الى منطقة اختاروا لها من الأسماء «منكوبة».لاجئمصطفى السالمي... أصيل المناورية «ببوش» منحته الثلوج وبرودة الطقس صفة لاجئ شأنه شأن زوجته وأطفاله... فهو يعاني من الاعاقة منذ سنوات... وبيته عفوا غرفته القصديرية انهارت فجأة فلم يكن له من خيار الا اتباع اجراءات الطوارئ وهي نقل المتساكنين واجلاؤهم الى المعاهد...حكايات... ولكن!لكل واحد حكاية... ولكل واحدة قصص لا تنتهي لكنها لا تختلف عن بعضها فالهادي بن عياد القادم من ريف «فج الريح» عاطل عن العمل بمفعول الزمن، وحسين غريب أصيل «المريج»... لاجئ مع زوجته وأطفاله الأربعة... يعترف أن ما سقط لم يكن بيتا بل عشّة صغيرة من القشّ وأن الأيام الثمانية للحضيرة لا تكفي في شيء إذ كان العمل بالحضائر سابقا يصل الى حدود 20 يوما... لكن الخلاص بعد شهرين، وبالتالي فإن الوضعية لا يحسد عليها.الدوّار قبر الحياةفي حين أن الخالة حدّة... متعبة من السفر جلوسا الى الفراش وهي تريد العودة الى ما تبقى من غرفتها...فذاك «الدوّار» مكانها الذي لا يمكن التنازل عنه... وهو قبر الحياة في نظرها.بين الايواء والمستشفىمبروكة... أم لثلاث بنات كلهن معوقات وعاجزات عن الكلام... احداهن وهي في العقد الثاني تم الاحتفاظ بها في المستشفى لحالتها الصحية (مصابة بداء السكري) والبقية يشاطرنها المكان... كلهن هنا... قدمن يحملن معهن البعض مما يمتلكن... في انتظار فرج قد يطول أو يقصر... فقط المهم انهن سلّمن أمرهن... فلا الغرفة اليتيمة عادت لتأويهم... ولا مكان للجوء إليه...تهدم الكوخ على رأسها«مقصباي»... هكذا رددت اسمها بصعوبة أصيلة منطقة «سيدي سعيد»... قصرها الافتراضي هو تلك «العشة»... وهي بالكاد تحدد البصر الى الأشياء... أشعلت كومة الحطب للتدفئة لكن اشتعلت النيران في القش الذي كان هو الجدران والسقف...والتهمت النيران المكان لتسقط «العشة» وتحت الردم كانت «مقصباي»...من ألطاف اللّه أن الوحدات العسكرية كانت تجوب كل الأمكنة برّا وجوّا لمراقبة الأوضاع...حين تم التفطن للحريق...سارعت سيارات الهامر إلى المنطقة ومنها ركضا على الأقدام...ومن تحت الركام تم انتشال «مقصباي»...ونقلها إلى مركز الإيواء بمعهد خمير... كانت كتلة سوداء مغطاة بالدخان اغتسلت العجوز بالماء الساخن...غيروا ملابسها...أجلسوها إلى الفراش تجاور جهاز التدفئة لكن «مقصباي» تحتج... لا تريد بيتا ولا مأوى تريد فقط العودة إلى «العشة». ...لم يكن ممكنا السيطرة على طموح «مقصباي» سوى من خلال النسوة اللاتي يحاورنها بالإيواء...إذ تتوالد الحكايات من الماضي إلى الحاضر إلى البحث عن سبيل لغد مشرق... جنود الخفاء لهم كل المهمات مطبخ المعهد تحول هو الآخر إلى مطبخ للعائلات المنكوبة والتي وقع اجلاؤها...وككل مراكز الايواء...تقوم الوحدات العسكرية بالحماية والاشراف على المكان...جلب الخبز حراسة المؤونة... العناية بالمرضى ونقلهم للمستشفى وإعادتهم منها...فجنود الخفاء هم الصلة وجسر التواصل مع كل الاحتياجات الضرورية... بعد الثلوج...ولكن؟ ...أي مصير لهؤلاء...تقول الاحصائيات إن عمليات الإجلاء والانقاذ شملت العشرات من العائلات ومعهد خمير طاقة استيعابه 140 سريرا واعدادية حمام بورقيبة 150 سريرا واعدادية «عين البية» احتضنت أكثر من 100 شخص بين شيوخ وأطفال وعجائز... لكن الثلاثية الثانية الدراسية أشرفت على النهاية ولا بد للتلاميذ من عودة إلى مدارسهم ...انتقلنا إلى جندوبة حيث تم إعداد مراكز لتجميع الإعانات تفاديا للفوضى...وكانت المهمة للوحدات العسكرية...البحث عن مكان لإيواء العائلات إلى حين تحسن الحالة الجوية... مسؤول على عين المكان...تحدث ل «الشروق» عن مقر للصناعات التقليدية وقد تم الشروع في الاجراءات بصفة حثيثة لتجهيزه ليصبح قابلا للسكن...ومنه تنطلق عملية نقل العائلات عبر سيارات الجيب العسكرية...يقول محدثنا : «جلب العائلات مرفوق باعداد كامل للاعتناء بهم....توفير الوجبات الساخنة وفطور الصباح والأهم العناية الصحية...لكل الحالات فإعدادية «عين البيّة» ستفتح أبوابها للتلاميذ من جديد...وليس لنا من خيار عاجل إلا هذا الحلّ. المواد الغذائية والمؤونة متوفرة للجميع لكن العناية الصحية يجب أن تبقى مستمرة طيلة ساعات الليل والنهار... فأغلب من تم اجلاؤهم هم من كبار السن وهي خصوصية المنطقة... التي هجرها شبابها إلى العاصمة بحثا عن عمل...هكذا كان دور جنود الخفاء...دور وقائي وحمائي واجتماعي بالأساس. قصص متشابهة محمد وذهبي... أسماء لقصص متشابهة...داخل مركز الإيواء...وأطفال حالمون ضاحكون عابثون بالزمن... فلا شيء أجمل من الطفولة... حتى وإن كنت لاجئا في وطنك... تجلس إليهم...فيحدثونك عن المستقبل...الدراسة....والحلم. ...فمشكلتهم كما يرونها... توفير سكن لكن بنفس المكان على سفح الجبل أو وسط الغابة...حتى إن كانت غرفة يتيمة المهم أن المكان يبقى...حتى وإن تطلب إيصال الخبز إليهم طائرة عمودية... من بين الأكواخ البعيدة... حيث يغادرها ما تبقى من متساكينها إلى بعض الطرقات...للحصول على المزيد من المؤونة...بامكانك أن تلمح «القصر» قصر الرئيس السابق الذي قيل إنه عرض للبيع ...قدرت قيمته المالية بحوالي 300 مليار من المليمات... رأى فيه البعض أنه دليل على منظومة فساد مرت من هنا...في حين يرى آخرون... أن السنوات التي مرت...كانت حافلة فقط بالانجازات المرتبطة بالاعانات المسترسلة وهي السبب الرئيسي فيما آل إليه الوضع ...حيث كان الأجدر العمل بالمثل الشعبي الصيني...«لا تعطني سمكة...بل علمني كيف اصطادها».غدا: حمام بورقيبة...مركز للإجلاء...ورغم قساوة الظروف... أبناؤها جامعيون


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.