رئيس فرع كرة القدم بالنادي الإفريقي يعلن انسحاب المدرب فوزي البنزرتي    مدير "بي بي سي" يقدم استقالته على خلفية فضيحة تزوير خطاب ترامب    سيدي بوزيد: وفاة شاب وإصابة آخرين جراء حريق في ورشة لتصليح الدراجات بجلمة    حجز أكثر من 14 طنًا من المواد الغذائية الفاسدة خلال الأسبوع الأول من نوفمبر    توزر: العمل الفلاحي في الواحات.. مخاطر بالجملة في ظلّ غياب وسائل الحماية ومواصلة الاعتماد على العمل اليدوي    بنزرت ...مؤثرون وناشطون وروّاد أعمال .. وفد سياحي متعدّد الجنسيات... في بنزرت    صفاقس : نحو منع مرور الشاحنات الثقيلة بالمنطقة البلدية    نبض الصحافة العربية والدولية ... مخطّط خبيث لاستهداف الجزائر    تونس تُحرز بطولة إفريقيا للبيسبول 5    "التكوين في ميكانيك السيارات الكهربائية والهجينة، التحديات والآفاق" موضوع ندوة إقليمية بمركز التكوين والتدريب المهني بالوردانين    ساحة العملة بالعاصمة .. بؤرة للإهمال والتلوث ... وملاذ للمهمشين    بساحة برشلونة بالعاصمة...يوم مفتوح للتقصّي عن مرض السكري    الليلة: أمطار متفرقة ورعود بأقصى الشمال الغربي والسواحل الشمالية    العاب التضامن الاسلامي (الرياض 2025): التونسية اريج عقاب تحرز برونزية منافسات الجيدو    أيام قرطاج المسرحية 2025: تنظيم منتدى مسرحي دولي لمناقشة "الفنان المسرحي: زمنه وأعماله"    أندا تمويل توفر قروضا فلاحية بقيمة 40 مليون دينار لتمويل مشاريع فلاحية    بنزرت: ماراطون "تحدي الرمال" بمنزل جميل يكسب الرهان بمشاركة حوالي من 3000 رياضي ورياضية    كاس العالم لاقل من 17 سنة:المنتخب المغربي يحقق أكبر انتصار في تاريخ المسابقة    الانتدابات فى قطاع الصحة لن تمكن من تجاوز اشكالية نقص مهنيي الصحة بتونس ويجب توفر استراتيجية واضحة للقطاع (امين عام التنسيقية الوطنية لاطارات واعوان الصحة)    نهاية دربي العاصمة بالتعادل السلبي    الجولة 14 من الرابطة الأولى: الترجي يحافظ على الصدارة والهزيمة الأولى للبقلاوة    شنيا يصير كان توقفت عن ''الترميش'' لدقيقة؟    عاجل: دولة أوروبية تعلن حظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال دون 15 عامًا    احباط تهريب مبلغ من العملة الاجنبية يعادل 3 ملايين دينار..#خبر_عاجل    عاجل : فرنسا تُعلّق منصة ''شي إن''    هذا هو المهندس على بن حمود الذي كلّفه الرئيس بالموضوع البيئي بقابس    جندوبة: الحماية المدنية تصدر بلاغا تحذيريا بسبب التقلّبات المناخية    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    حريق بحافلة تقل مشجعي النادي الإفريقي قبل الدربي    تونس ستطلق مشروع''الحزام الأخضر..شنيا هو؟''    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    أعلاها 60 مم: كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    الديربي التونسي اليوم: البث المباشر على هذه القنوات    عاجل: النادي الافريقي يصدر هذا البلاغ قبل الدربي بسويعات    أول تعليق من القاهرة بعد اختطاف 3 مصريين في مالي    ظافر العابدين في الشارقة للكتاب: يجب أن نحس بالآخرين وأن نكتب حكايات قادرة على تجاوز المحلية والظرفية لتحلق عاليا في أقصى بلدان العالم    خطير: النوم بعد الحادية عشرة ليلاََ يزيد خطر النوبات القلبية بنسبة 60٪    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    هام: مرض خطير يصيب القطط...ما يجب معرفته للحفاظ على صحة صغار القطط    تحذير من تسونامي في اليابان بعد زلزال بقوة 6.7 درجة    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    الدورة 44 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب: 10أجنحة تمثل قطاع النشر التونسي    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    الطقس اليوم..أمطار مؤقتا رعدية بهذه المناطق..#خبر_عاجل    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خاص : «الشروق في مراكز اللاجئين بعين دراهم» - عندما تنهار الأكواخ... وتتحول المدارس .. الى مساكن
نشر في الشروق يوم 21 - 02 - 2012

... اختلفت قصصهم... أحلامهم... طموحهم لكن المأساة عنوانها واحد، «مواطن برتبة لاجئ...» عنوان اختزل معاناة عشرات العائلات ومئات المواطنين الذين انهارت في غفلة منهم كل أحلامهم الصغيرة
البرد شديد... السماء تمطر... قطراتها تتساقط على الثلوج التي غطت الواجهات كما الأسقف... جلسن كل واحدة الى فراشها... في صمت... إلا من بعض الأطفال يمرحون هنا وهناك... غرفة كبيرة للنساء والصغار وغرفة ثانية للرجال... تجانبت بداخلها الأسرّة الى طوابق ثلاثة...أغلب المقيمين والمقيمات عجائز وشيوخ بلغوا من العمر عقودا...وقلة من الأطفال الذكور... أما الفتيات... فهن شبه غائبات...
معهد خمير شأنه شأن عدد من المعاهد المخصصة بنظام المبيت... تحولت الى ملاجئ للسكن... ففي غمرة العواصف الثلجية... تشققت الجدران... وانهارت الأسقف القصديرية والأكواخ... في مناطق شبه معزولة إذ لم تكن معزولة أصلا والطريق إليها مستحيل الا جوّا...وأحيانا حين تصبح الرؤية منعدمة بفعل السحب والضباب قد يتعذر حتى تحديد مكان هاته العائلات.
إخلاء المنازل
سبعون في المائة من متساكني عين دراهم يسكنون متفرقين الى مساحات شاسعة جدا عبر الجبال والوديان.أكواخ... أقرب الى غرف قصديرية... بنيت من الطين... لا يمكنك أن تلمحها جيّدا الا جوّا... تم اخلاء عدد من سكانها اما بسبب العزلة أو تخوفا من انهيار مفاجئ للأكواخ.
... الوحدات العسكرية تراقب الأمكنة تحسبا لكل الطوارئ من «وادي الزان» الى «عين سلام»... مرورا ب «الخمائرية» و«الرويعي» و«سلول» و«أولاد سدرة» و«القباينية» تغيرت الأسماء والمكان واحد... عين دراهم... أهم المواقع السياحية بولاية جندوبة جمالها في منازلها المعلقة الى قمم جبال الكرومي ذات الغابات الكثيفة بأشجار الصنوبر والبلوط والفلّين والزان...
لكنها لم تحتفل بثلوجها التي طمرت أجزاء منها... فحوّلتها من حلم سياحي الى منطقة اختاروا لها من الأسماء «منكوبة».
لاجئ
مصطفى السالمي... أصيل المناورية «ببوش» منحته الثلوج وبرودة الطقس صفة لاجئ شأنه شأن زوجته وأطفاله... فهو يعاني من الاعاقة منذ سنوات... وبيته عفوا غرفته القصديرية انهارت فجأة فلم يكن له من خيار الا اتباع اجراءات الطوارئ وهي نقل المتساكنين واجلاؤهم الى المعاهد...حكايات... ولكن!
لكل واحد حكاية... ولكل واحدة قصص لا تنتهي لكنها لا تختلف عن بعضها فالهادي بن عياد القادم من ريف «فج الريح» عاطل عن العمل بمفعول الزمن، وحسين غريب أصيل «المريج»... لاجئ مع زوجته وأطفاله الأربعة... يعترف أن ما سقط لم يكن بيتا بل عشّة صغيرة من القشّ وأن الأيام الثمانية للحضيرة لا تكفي في شيء إذ كان العمل بالحضائر سابقا يصل الى حدود 20 يوما... لكن الخلاص بعد شهرين، وبالتالي فإن الوضعية لا يحسد عليها.
الدوّار قبر الحياة
في حين أن الخالة حدّة... متعبة من السفر جلوسا الى الفراش وهي تريد العودة الى ما تبقى من غرفتها...فذاك «الدوّار» مكانها الذي لا يمكن التنازل عنه... وهو قبر الحياة في نظرها.
بين الايواء والمستشفى
مبروكة... أم لثلاث بنات كلهن معوقات وعاجزات عن الكلام... احداهن وهي في العقد الثاني تم الاحتفاظ بها في المستشفى لحالتها الصحية (مصابة بداء السكري) والبقية يشاطرنها المكان... كلهن هنا... قدمن يحملن معهن البعض مما يمتلكن... في انتظار فرج قد يطول أو يقصر... فقط المهم انهن سلّمن أمرهن... فلا الغرفة اليتيمة عادت لتأويهم... ولا مكان للجوء إليه...
تهدم الكوخ على رأسها
«مقصباي»... هكذا رددت اسمها بصعوبة أصيلة منطقة «سيدي سعيد»... قصرها الافتراضي هو تلك «العشة»... وهي بالكاد تحدد البصر الى الأشياء... أشعلت كومة الحطب للتدفئة لكن اشتعلت النيران في القش الذي كان هو الجدران والسقف...والتهمت النيران المكان لتسقط «العشة» وتحت الردم كانت «مقصباي»...من ألطاف اللّه أن الوحدات العسكرية كانت تجوب كل الأمكنة برّا وجوّا لمراقبة الأوضاع...حين تم التفطن للحريق...سارعت سيارات الهامر إلى المنطقة ومنها ركضا على الأقدام...ومن تحت الركام تم انتشال «مقصباي»...ونقلها إلى مركز الإيواء بمعهد خمير... كانت كتلة سوداء مغطاة بالدخان اغتسلت العجوز بالماء الساخن...غيروا ملابسها...أجلسوها إلى الفراش تجاور جهاز التدفئة لكن «مقصباي» تحتج... لا تريد بيتا ولا مأوى تريد فقط العودة إلى «العشة».
...لم يكن ممكنا السيطرة على طموح «مقصباي» سوى من خلال النسوة اللاتي يحاورنها بالإيواء...إذ تتوالد الحكايات من الماضي إلى الحاضر إلى البحث عن سبيل لغد مشرق...
جنود الخفاء لهم كل المهمات
مطبخ المعهد تحول هو الآخر إلى مطبخ للعائلات المنكوبة والتي وقع اجلاؤها...وككل مراكز الايواء...تقوم الوحدات العسكرية بالحماية والاشراف على المكان...جلب الخبز حراسة المؤونة... العناية بالمرضى ونقلهم للمستشفى وإعادتهم منها...فجنود الخفاء هم الصلة وجسر التواصل مع كل الاحتياجات الضرورية...
بعد الثلوج...ولكن؟
...أي مصير لهؤلاء...تقول الاحصائيات إن عمليات الإجلاء والانقاذ شملت العشرات من العائلات ومعهد خمير طاقة استيعابه 140 سريرا واعدادية حمام بورقيبة 150 سريرا واعدادية «عين البية» احتضنت أكثر من 100 شخص بين شيوخ وأطفال وعجائز... لكن الثلاثية الثانية الدراسية أشرفت على النهاية ولا بد للتلاميذ من عودة إلى مدارسهم ...انتقلنا إلى جندوبة حيث تم إعداد مراكز لتجميع الإعانات تفاديا للفوضى...وكانت المهمة للوحدات العسكرية...البحث عن مكان لإيواء العائلات إلى حين تحسن الحالة الجوية...
مسؤول على عين المكان...تحدث ل «الشروق» عن مقر للصناعات التقليدية وقد تم الشروع في الاجراءات بصفة حثيثة لتجهيزه ليصبح قابلا للسكن...ومنه تنطلق عملية نقل العائلات عبر سيارات الجيب العسكرية...يقول محدثنا : «جلب العائلات مرفوق باعداد كامل للاعتناء بهم....توفير الوجبات الساخنة وفطور الصباح والأهم العناية الصحية...لكل الحالات فإعدادية «عين البيّة» ستفتح أبوابها للتلاميذ من جديد...وليس لنا من خيار عاجل إلا هذا الحلّ.
المواد الغذائية والمؤونة متوفرة للجميع لكن العناية الصحية يجب أن تبقى مستمرة طيلة ساعات الليل والنهار... فأغلب من تم اجلاؤهم هم من كبار السن وهي خصوصية المنطقة... التي هجرها شبابها إلى العاصمة بحثا عن عمل...هكذا كان دور جنود الخفاء...دور وقائي وحمائي واجتماعي بالأساس.
قصص متشابهة
محمد وذهبي... أسماء لقصص متشابهة...داخل مركز الإيواء...وأطفال حالمون ضاحكون عابثون بالزمن... فلا شيء أجمل من الطفولة... حتى وإن كنت لاجئا في وطنك... تجلس إليهم...فيحدثونك عن المستقبل...الدراسة....والحلم.
...فمشكلتهم كما يرونها... توفير سكن لكن بنفس المكان على سفح الجبل أو وسط الغابة...حتى إن كانت غرفة يتيمة المهم أن المكان يبقى...حتى وإن تطلب إيصال الخبز إليهم طائرة عمودية...
من بين الأكواخ البعيدة... حيث يغادرها ما تبقى من متساكينها إلى بعض الطرقات...للحصول على المزيد من المؤونة...بامكانك أن تلمح «القصر» قصر الرئيس السابق الذي قيل إنه عرض للبيع ...قدرت قيمته المالية بحوالي 300 مليار من المليمات... رأى فيه البعض أنه دليل على منظومة فساد مرت من هنا...في حين يرى آخرون... أن السنوات التي مرت...كانت حافلة فقط بالانجازات المرتبطة بالاعانات المسترسلة وهي السبب الرئيسي فيما آل إليه الوضع ...حيث كان الأجدر العمل بالمثل الشعبي الصيني...«لا تعطني سمكة...بل علمني كيف اصطادها».
غدا: حمام بورقيبة...مركز للإجلاء...ورغم قساوة الظروف... أبناؤها جامعيون
الشمال الغربي الشروق: ريبورتاج سميرة الخياري كشوالبرد شديد... السماء تمطر... قطراتها تتساقط على الثلوج التي غطت الواجهات كما الأسقف... جلسن كل واحدة الى فراشها... في صمت... إلا من بعض الأطفال يمرحون هنا وهناك... غرفة كبيرة للنساء والصغار وغرفة ثانية للرجال... تجانبت بداخلها الأسرّة الى طوابق ثلاثة...أغلب المقيمين والمقيمات عجائز وشيوخ بلغوا من العمر عقودا...وقلة من الأطفال الذكور... أما الفتيات... فهن شبه غائبات...معهد خمير شأنه شأن عدد من المعاهد المخصصة بنظام المبيت... تحولت الى ملاجئ للسكن... ففي غمرة العواصف الثلجية... تشققت الجدران... وانهارت الأسقف القصديرية والأكواخ... في مناطق شبه معزولة إذ لم تكن معزولة أصلا والطريق إليها مستحيل الا جوّا...وأحيانا حين تصبح الرؤية منعدمة بفعل السحب والضباب قد يتعذر حتى تحديد مكان هاته العائلات.إخلاء المنازلسبعون في المائة من متساكني عين دراهم يسكنون متفرقين الى مساحات شاسعة جدا عبر الجبال والوديان.أكواخ... أقرب الى غرف قصديرية... بنيت من الطين... لا يمكنك أن تلمحها جيّدا الا جوّا... تم اخلاء عدد من سكانها اما بسبب العزلة أو تخوفا من انهيار مفاجئ للأكواخ.... الوحدات العسكرية تراقب الأمكنة تحسبا لكل الطوارئ من «وادي الزان» الى «عين سلام»... مرورا ب «الخمائرية» و«الرويعي» و«سلول» و«أولاد سدرة» و«القباينية» تغيرت الأسماء والمكان واحد... عين دراهم... أهم المواقع السياحية بولاية جندوبة جمالها في منازلها المعلقة الى قمم جبال الكرومي ذات الغابات الكثيفة بأشجار الصنوبر والبلوط والفلّين والزان...لكنها لم تحتفل بثلوجها التي طمرت أجزاء منها... فحوّلتها من حلم سياحي الى منطقة اختاروا لها من الأسماء «منكوبة».لاجئمصطفى السالمي... أصيل المناورية «ببوش» منحته الثلوج وبرودة الطقس صفة لاجئ شأنه شأن زوجته وأطفاله... فهو يعاني من الاعاقة منذ سنوات... وبيته عفوا غرفته القصديرية انهارت فجأة فلم يكن له من خيار الا اتباع اجراءات الطوارئ وهي نقل المتساكنين واجلاؤهم الى المعاهد...حكايات... ولكن!لكل واحد حكاية... ولكل واحدة قصص لا تنتهي لكنها لا تختلف عن بعضها فالهادي بن عياد القادم من ريف «فج الريح» عاطل عن العمل بمفعول الزمن، وحسين غريب أصيل «المريج»... لاجئ مع زوجته وأطفاله الأربعة... يعترف أن ما سقط لم يكن بيتا بل عشّة صغيرة من القشّ وأن الأيام الثمانية للحضيرة لا تكفي في شيء إذ كان العمل بالحضائر سابقا يصل الى حدود 20 يوما... لكن الخلاص بعد شهرين، وبالتالي فإن الوضعية لا يحسد عليها.الدوّار قبر الحياةفي حين أن الخالة حدّة... متعبة من السفر جلوسا الى الفراش وهي تريد العودة الى ما تبقى من غرفتها...فذاك «الدوّار» مكانها الذي لا يمكن التنازل عنه... وهو قبر الحياة في نظرها.بين الايواء والمستشفىمبروكة... أم لثلاث بنات كلهن معوقات وعاجزات عن الكلام... احداهن وهي في العقد الثاني تم الاحتفاظ بها في المستشفى لحالتها الصحية (مصابة بداء السكري) والبقية يشاطرنها المكان... كلهن هنا... قدمن يحملن معهن البعض مما يمتلكن... في انتظار فرج قد يطول أو يقصر... فقط المهم انهن سلّمن أمرهن... فلا الغرفة اليتيمة عادت لتأويهم... ولا مكان للجوء إليه...تهدم الكوخ على رأسها«مقصباي»... هكذا رددت اسمها بصعوبة أصيلة منطقة «سيدي سعيد»... قصرها الافتراضي هو تلك «العشة»... وهي بالكاد تحدد البصر الى الأشياء... أشعلت كومة الحطب للتدفئة لكن اشتعلت النيران في القش الذي كان هو الجدران والسقف...والتهمت النيران المكان لتسقط «العشة» وتحت الردم كانت «مقصباي»...من ألطاف اللّه أن الوحدات العسكرية كانت تجوب كل الأمكنة برّا وجوّا لمراقبة الأوضاع...حين تم التفطن للحريق...سارعت سيارات الهامر إلى المنطقة ومنها ركضا على الأقدام...ومن تحت الركام تم انتشال «مقصباي»...ونقلها إلى مركز الإيواء بمعهد خمير... كانت كتلة سوداء مغطاة بالدخان اغتسلت العجوز بالماء الساخن...غيروا ملابسها...أجلسوها إلى الفراش تجاور جهاز التدفئة لكن «مقصباي» تحتج... لا تريد بيتا ولا مأوى تريد فقط العودة إلى «العشة». ...لم يكن ممكنا السيطرة على طموح «مقصباي» سوى من خلال النسوة اللاتي يحاورنها بالإيواء...إذ تتوالد الحكايات من الماضي إلى الحاضر إلى البحث عن سبيل لغد مشرق... جنود الخفاء لهم كل المهمات مطبخ المعهد تحول هو الآخر إلى مطبخ للعائلات المنكوبة والتي وقع اجلاؤها...وككل مراكز الايواء...تقوم الوحدات العسكرية بالحماية والاشراف على المكان...جلب الخبز حراسة المؤونة... العناية بالمرضى ونقلهم للمستشفى وإعادتهم منها...فجنود الخفاء هم الصلة وجسر التواصل مع كل الاحتياجات الضرورية... بعد الثلوج...ولكن؟ ...أي مصير لهؤلاء...تقول الاحصائيات إن عمليات الإجلاء والانقاذ شملت العشرات من العائلات ومعهد خمير طاقة استيعابه 140 سريرا واعدادية حمام بورقيبة 150 سريرا واعدادية «عين البية» احتضنت أكثر من 100 شخص بين شيوخ وأطفال وعجائز... لكن الثلاثية الثانية الدراسية أشرفت على النهاية ولا بد للتلاميذ من عودة إلى مدارسهم ...انتقلنا إلى جندوبة حيث تم إعداد مراكز لتجميع الإعانات تفاديا للفوضى...وكانت المهمة للوحدات العسكرية...البحث عن مكان لإيواء العائلات إلى حين تحسن الحالة الجوية... مسؤول على عين المكان...تحدث ل «الشروق» عن مقر للصناعات التقليدية وقد تم الشروع في الاجراءات بصفة حثيثة لتجهيزه ليصبح قابلا للسكن...ومنه تنطلق عملية نقل العائلات عبر سيارات الجيب العسكرية...يقول محدثنا : «جلب العائلات مرفوق باعداد كامل للاعتناء بهم....توفير الوجبات الساخنة وفطور الصباح والأهم العناية الصحية...لكل الحالات فإعدادية «عين البيّة» ستفتح أبوابها للتلاميذ من جديد...وليس لنا من خيار عاجل إلا هذا الحلّ. المواد الغذائية والمؤونة متوفرة للجميع لكن العناية الصحية يجب أن تبقى مستمرة طيلة ساعات الليل والنهار... فأغلب من تم اجلاؤهم هم من كبار السن وهي خصوصية المنطقة... التي هجرها شبابها إلى العاصمة بحثا عن عمل...هكذا كان دور جنود الخفاء...دور وقائي وحمائي واجتماعي بالأساس. قصص متشابهة محمد وذهبي... أسماء لقصص متشابهة...داخل مركز الإيواء...وأطفال حالمون ضاحكون عابثون بالزمن... فلا شيء أجمل من الطفولة... حتى وإن كنت لاجئا في وطنك... تجلس إليهم...فيحدثونك عن المستقبل...الدراسة....والحلم. ...فمشكلتهم كما يرونها... توفير سكن لكن بنفس المكان على سفح الجبل أو وسط الغابة...حتى إن كانت غرفة يتيمة المهم أن المكان يبقى...حتى وإن تطلب إيصال الخبز إليهم طائرة عمودية... من بين الأكواخ البعيدة... حيث يغادرها ما تبقى من متساكينها إلى بعض الطرقات...للحصول على المزيد من المؤونة...بامكانك أن تلمح «القصر» قصر الرئيس السابق الذي قيل إنه عرض للبيع ...قدرت قيمته المالية بحوالي 300 مليار من المليمات... رأى فيه البعض أنه دليل على منظومة فساد مرت من هنا...في حين يرى آخرون... أن السنوات التي مرت...كانت حافلة فقط بالانجازات المرتبطة بالاعانات المسترسلة وهي السبب الرئيسي فيما آل إليه الوضع ...حيث كان الأجدر العمل بالمثل الشعبي الصيني...«لا تعطني سمكة...بل علمني كيف اصطادها».غدا: حمام بورقيبة...مركز للإجلاء...ورغم قساوة الظروف... أبناؤها جامعيون


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.