وزير الخارجية يواصل سلسلة لقاءاته مع مسؤولين بالكامرون    عمار يدعو في ختام اشغال اللجنة المشتركة التونسية الكاميرونية الى اهمية متابعة مخرجات هذه الدورة وتفعيل القرارات المنبثقة عنها    رئيس البرلمان يحذّر من مخاطر الاستعمال المفرط وغير السليم للذكاء الاصطناعي    سجنان: للمطالبة بتسوية وضعية النواب خارج الاتفاقية ... نقابة الأساسي تحتجّ وتهدّد بمقاطعة الامتحانات والعمل    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية للمنتجات الغذائية    زيادة ب 4.5 ٪ في إيرادات الخطوط التونسية    وزارة السياحة أعطت إشارة انطلاق اعداد دراسة استراتيجية لتأهيل المحطة السياحية المندمجة بمرسى القنطاوي -بلحسين-    الرابطة 2: نتائج الدفعة الأولى من مباريات الجولة 20    الترجي الرياضي يفوز على الزمالك المصري. 30-25 ويتوج باللقب القاري للمرة الرابعة    بطولة مدريد للماسترز: أنس جابر تتأهل الى الدور ثمن النهائي    إمضاء اتفاقية توأمة في مجال التراث بين تونس وإيطاليا    وزير الثقافة الإيطالي: "نريد بناء علاقات مثمرة مع تونس في مجال الثقافة والتراث    توزر: الندوة الفكرية آليات حماية التراث من خلال النصوص والمواثيق الدولية تخلص الى وجود فراغ تشريعي وضرورة مراجعة مجلة حماية التراث    تعاون مشترك مع بريطانيا    دعوة الى تظاهرات تساند الشعب الفلسطيني    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    ياسمين دغفوس تحجز مقعدا في أولمبياد باريس 2024    تامر حسني يعتذر من فنانة    ملكة جمال ألمانيا تتعرض للتنمر لهذا السبب    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية    جيش الاحتلال يرتكب 4 مجازر جديدة في غزة    الرابطة الثانية : نتائج الدفعة الأولى لمباريات الجولة السابعة إياب    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    اعتماد خطة عمل مشتركة تونسية بريطانية في مجال التعليم العالي    رئيس الجمهورية يستقبل وزير الثقافة الإيطالي    رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببوعرقوب يوجه نداء عاجل بسبب الحشرة القرمزية..    خط تمويل ب10 مليون دينار من البنك التونسي للتضامن لديوان الأعلاف    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    صادم/ العثور على جثة كهل متحللة باحدى الضيعات الفلاحية..وهذه التفاصيل..    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    سيدي حسين : قدم له يد المساعدة فاستل سكينا وسلبه !!    عاجل/ حماس تكشف آخر مستجدات محادثات وقف اطلاق النار في غزة..    خبير تركي يتوقع زلازل مدمرة في إسطنبول    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    هوغربيتس يحذر من زلزال قوي خلال 48 ساعة.. ويكشف عن مكانه    عاجل/ الحوثيون يطلقون صواريخ على سفينتين في البحر الأحمر..    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    كيف نتعامل مع الضغوطات النفسية التي تظهر في فترة الامتحانات؟    مانشستر سيتي الانقليزي يهنّئ الترجي والأهلي    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    وزير الفلاحة: "القطيع متاعنا تعب" [فيديو]    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    قفصة: ضبط الاستعدادات لحماية المحاصيل الزراعية من الحرائق خلال الصّيف    تونس : أنس جابر تتعرّف على منافستها في الدّور السادس عشر لبطولة مدريد للتنس    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    عميرة يؤكّد تواصل نقص الأدوية في الصيدليات    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    انطلاق أشغال بعثة اقتصادية تقودها كونكت في معرض "اكسبو نواكشوط للبناء والأشغال العامة"    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خاص : «الشروق في مراكز اللاجئين بعين دراهم» - عندما تنهار الأكواخ... وتتحول المدارس .. الى مساكن
نشر في الشروق يوم 21 - 02 - 2012

... اختلفت قصصهم... أحلامهم... طموحهم لكن المأساة عنوانها واحد، «مواطن برتبة لاجئ...» عنوان اختزل معاناة عشرات العائلات ومئات المواطنين الذين انهارت في غفلة منهم كل أحلامهم الصغيرة
البرد شديد... السماء تمطر... قطراتها تتساقط على الثلوج التي غطت الواجهات كما الأسقف... جلسن كل واحدة الى فراشها... في صمت... إلا من بعض الأطفال يمرحون هنا وهناك... غرفة كبيرة للنساء والصغار وغرفة ثانية للرجال... تجانبت بداخلها الأسرّة الى طوابق ثلاثة...أغلب المقيمين والمقيمات عجائز وشيوخ بلغوا من العمر عقودا...وقلة من الأطفال الذكور... أما الفتيات... فهن شبه غائبات...
معهد خمير شأنه شأن عدد من المعاهد المخصصة بنظام المبيت... تحولت الى ملاجئ للسكن... ففي غمرة العواصف الثلجية... تشققت الجدران... وانهارت الأسقف القصديرية والأكواخ... في مناطق شبه معزولة إذ لم تكن معزولة أصلا والطريق إليها مستحيل الا جوّا...وأحيانا حين تصبح الرؤية منعدمة بفعل السحب والضباب قد يتعذر حتى تحديد مكان هاته العائلات.
إخلاء المنازل
سبعون في المائة من متساكني عين دراهم يسكنون متفرقين الى مساحات شاسعة جدا عبر الجبال والوديان.أكواخ... أقرب الى غرف قصديرية... بنيت من الطين... لا يمكنك أن تلمحها جيّدا الا جوّا... تم اخلاء عدد من سكانها اما بسبب العزلة أو تخوفا من انهيار مفاجئ للأكواخ.
... الوحدات العسكرية تراقب الأمكنة تحسبا لكل الطوارئ من «وادي الزان» الى «عين سلام»... مرورا ب «الخمائرية» و«الرويعي» و«سلول» و«أولاد سدرة» و«القباينية» تغيرت الأسماء والمكان واحد... عين دراهم... أهم المواقع السياحية بولاية جندوبة جمالها في منازلها المعلقة الى قمم جبال الكرومي ذات الغابات الكثيفة بأشجار الصنوبر والبلوط والفلّين والزان...
لكنها لم تحتفل بثلوجها التي طمرت أجزاء منها... فحوّلتها من حلم سياحي الى منطقة اختاروا لها من الأسماء «منكوبة».
لاجئ
مصطفى السالمي... أصيل المناورية «ببوش» منحته الثلوج وبرودة الطقس صفة لاجئ شأنه شأن زوجته وأطفاله... فهو يعاني من الاعاقة منذ سنوات... وبيته عفوا غرفته القصديرية انهارت فجأة فلم يكن له من خيار الا اتباع اجراءات الطوارئ وهي نقل المتساكنين واجلاؤهم الى المعاهد...حكايات... ولكن!
لكل واحد حكاية... ولكل واحدة قصص لا تنتهي لكنها لا تختلف عن بعضها فالهادي بن عياد القادم من ريف «فج الريح» عاطل عن العمل بمفعول الزمن، وحسين غريب أصيل «المريج»... لاجئ مع زوجته وأطفاله الأربعة... يعترف أن ما سقط لم يكن بيتا بل عشّة صغيرة من القشّ وأن الأيام الثمانية للحضيرة لا تكفي في شيء إذ كان العمل بالحضائر سابقا يصل الى حدود 20 يوما... لكن الخلاص بعد شهرين، وبالتالي فإن الوضعية لا يحسد عليها.
الدوّار قبر الحياة
في حين أن الخالة حدّة... متعبة من السفر جلوسا الى الفراش وهي تريد العودة الى ما تبقى من غرفتها...فذاك «الدوّار» مكانها الذي لا يمكن التنازل عنه... وهو قبر الحياة في نظرها.
بين الايواء والمستشفى
مبروكة... أم لثلاث بنات كلهن معوقات وعاجزات عن الكلام... احداهن وهي في العقد الثاني تم الاحتفاظ بها في المستشفى لحالتها الصحية (مصابة بداء السكري) والبقية يشاطرنها المكان... كلهن هنا... قدمن يحملن معهن البعض مما يمتلكن... في انتظار فرج قد يطول أو يقصر... فقط المهم انهن سلّمن أمرهن... فلا الغرفة اليتيمة عادت لتأويهم... ولا مكان للجوء إليه...
تهدم الكوخ على رأسها
«مقصباي»... هكذا رددت اسمها بصعوبة أصيلة منطقة «سيدي سعيد»... قصرها الافتراضي هو تلك «العشة»... وهي بالكاد تحدد البصر الى الأشياء... أشعلت كومة الحطب للتدفئة لكن اشتعلت النيران في القش الذي كان هو الجدران والسقف...والتهمت النيران المكان لتسقط «العشة» وتحت الردم كانت «مقصباي»...من ألطاف اللّه أن الوحدات العسكرية كانت تجوب كل الأمكنة برّا وجوّا لمراقبة الأوضاع...حين تم التفطن للحريق...سارعت سيارات الهامر إلى المنطقة ومنها ركضا على الأقدام...ومن تحت الركام تم انتشال «مقصباي»...ونقلها إلى مركز الإيواء بمعهد خمير... كانت كتلة سوداء مغطاة بالدخان اغتسلت العجوز بالماء الساخن...غيروا ملابسها...أجلسوها إلى الفراش تجاور جهاز التدفئة لكن «مقصباي» تحتج... لا تريد بيتا ولا مأوى تريد فقط العودة إلى «العشة».
...لم يكن ممكنا السيطرة على طموح «مقصباي» سوى من خلال النسوة اللاتي يحاورنها بالإيواء...إذ تتوالد الحكايات من الماضي إلى الحاضر إلى البحث عن سبيل لغد مشرق...
جنود الخفاء لهم كل المهمات
مطبخ المعهد تحول هو الآخر إلى مطبخ للعائلات المنكوبة والتي وقع اجلاؤها...وككل مراكز الايواء...تقوم الوحدات العسكرية بالحماية والاشراف على المكان...جلب الخبز حراسة المؤونة... العناية بالمرضى ونقلهم للمستشفى وإعادتهم منها...فجنود الخفاء هم الصلة وجسر التواصل مع كل الاحتياجات الضرورية...
بعد الثلوج...ولكن؟
...أي مصير لهؤلاء...تقول الاحصائيات إن عمليات الإجلاء والانقاذ شملت العشرات من العائلات ومعهد خمير طاقة استيعابه 140 سريرا واعدادية حمام بورقيبة 150 سريرا واعدادية «عين البية» احتضنت أكثر من 100 شخص بين شيوخ وأطفال وعجائز... لكن الثلاثية الثانية الدراسية أشرفت على النهاية ولا بد للتلاميذ من عودة إلى مدارسهم ...انتقلنا إلى جندوبة حيث تم إعداد مراكز لتجميع الإعانات تفاديا للفوضى...وكانت المهمة للوحدات العسكرية...البحث عن مكان لإيواء العائلات إلى حين تحسن الحالة الجوية...
مسؤول على عين المكان...تحدث ل «الشروق» عن مقر للصناعات التقليدية وقد تم الشروع في الاجراءات بصفة حثيثة لتجهيزه ليصبح قابلا للسكن...ومنه تنطلق عملية نقل العائلات عبر سيارات الجيب العسكرية...يقول محدثنا : «جلب العائلات مرفوق باعداد كامل للاعتناء بهم....توفير الوجبات الساخنة وفطور الصباح والأهم العناية الصحية...لكل الحالات فإعدادية «عين البيّة» ستفتح أبوابها للتلاميذ من جديد...وليس لنا من خيار عاجل إلا هذا الحلّ.
المواد الغذائية والمؤونة متوفرة للجميع لكن العناية الصحية يجب أن تبقى مستمرة طيلة ساعات الليل والنهار... فأغلب من تم اجلاؤهم هم من كبار السن وهي خصوصية المنطقة... التي هجرها شبابها إلى العاصمة بحثا عن عمل...هكذا كان دور جنود الخفاء...دور وقائي وحمائي واجتماعي بالأساس.
قصص متشابهة
محمد وذهبي... أسماء لقصص متشابهة...داخل مركز الإيواء...وأطفال حالمون ضاحكون عابثون بالزمن... فلا شيء أجمل من الطفولة... حتى وإن كنت لاجئا في وطنك... تجلس إليهم...فيحدثونك عن المستقبل...الدراسة....والحلم.
...فمشكلتهم كما يرونها... توفير سكن لكن بنفس المكان على سفح الجبل أو وسط الغابة...حتى إن كانت غرفة يتيمة المهم أن المكان يبقى...حتى وإن تطلب إيصال الخبز إليهم طائرة عمودية...
من بين الأكواخ البعيدة... حيث يغادرها ما تبقى من متساكينها إلى بعض الطرقات...للحصول على المزيد من المؤونة...بامكانك أن تلمح «القصر» قصر الرئيس السابق الذي قيل إنه عرض للبيع ...قدرت قيمته المالية بحوالي 300 مليار من المليمات... رأى فيه البعض أنه دليل على منظومة فساد مرت من هنا...في حين يرى آخرون... أن السنوات التي مرت...كانت حافلة فقط بالانجازات المرتبطة بالاعانات المسترسلة وهي السبب الرئيسي فيما آل إليه الوضع ...حيث كان الأجدر العمل بالمثل الشعبي الصيني...«لا تعطني سمكة...بل علمني كيف اصطادها».
غدا: حمام بورقيبة...مركز للإجلاء...ورغم قساوة الظروف... أبناؤها جامعيون
الشمال الغربي الشروق: ريبورتاج سميرة الخياري كشوالبرد شديد... السماء تمطر... قطراتها تتساقط على الثلوج التي غطت الواجهات كما الأسقف... جلسن كل واحدة الى فراشها... في صمت... إلا من بعض الأطفال يمرحون هنا وهناك... غرفة كبيرة للنساء والصغار وغرفة ثانية للرجال... تجانبت بداخلها الأسرّة الى طوابق ثلاثة...أغلب المقيمين والمقيمات عجائز وشيوخ بلغوا من العمر عقودا...وقلة من الأطفال الذكور... أما الفتيات... فهن شبه غائبات...معهد خمير شأنه شأن عدد من المعاهد المخصصة بنظام المبيت... تحولت الى ملاجئ للسكن... ففي غمرة العواصف الثلجية... تشققت الجدران... وانهارت الأسقف القصديرية والأكواخ... في مناطق شبه معزولة إذ لم تكن معزولة أصلا والطريق إليها مستحيل الا جوّا...وأحيانا حين تصبح الرؤية منعدمة بفعل السحب والضباب قد يتعذر حتى تحديد مكان هاته العائلات.إخلاء المنازلسبعون في المائة من متساكني عين دراهم يسكنون متفرقين الى مساحات شاسعة جدا عبر الجبال والوديان.أكواخ... أقرب الى غرف قصديرية... بنيت من الطين... لا يمكنك أن تلمحها جيّدا الا جوّا... تم اخلاء عدد من سكانها اما بسبب العزلة أو تخوفا من انهيار مفاجئ للأكواخ.... الوحدات العسكرية تراقب الأمكنة تحسبا لكل الطوارئ من «وادي الزان» الى «عين سلام»... مرورا ب «الخمائرية» و«الرويعي» و«سلول» و«أولاد سدرة» و«القباينية» تغيرت الأسماء والمكان واحد... عين دراهم... أهم المواقع السياحية بولاية جندوبة جمالها في منازلها المعلقة الى قمم جبال الكرومي ذات الغابات الكثيفة بأشجار الصنوبر والبلوط والفلّين والزان...لكنها لم تحتفل بثلوجها التي طمرت أجزاء منها... فحوّلتها من حلم سياحي الى منطقة اختاروا لها من الأسماء «منكوبة».لاجئمصطفى السالمي... أصيل المناورية «ببوش» منحته الثلوج وبرودة الطقس صفة لاجئ شأنه شأن زوجته وأطفاله... فهو يعاني من الاعاقة منذ سنوات... وبيته عفوا غرفته القصديرية انهارت فجأة فلم يكن له من خيار الا اتباع اجراءات الطوارئ وهي نقل المتساكنين واجلاؤهم الى المعاهد...حكايات... ولكن!لكل واحد حكاية... ولكل واحدة قصص لا تنتهي لكنها لا تختلف عن بعضها فالهادي بن عياد القادم من ريف «فج الريح» عاطل عن العمل بمفعول الزمن، وحسين غريب أصيل «المريج»... لاجئ مع زوجته وأطفاله الأربعة... يعترف أن ما سقط لم يكن بيتا بل عشّة صغيرة من القشّ وأن الأيام الثمانية للحضيرة لا تكفي في شيء إذ كان العمل بالحضائر سابقا يصل الى حدود 20 يوما... لكن الخلاص بعد شهرين، وبالتالي فإن الوضعية لا يحسد عليها.الدوّار قبر الحياةفي حين أن الخالة حدّة... متعبة من السفر جلوسا الى الفراش وهي تريد العودة الى ما تبقى من غرفتها...فذاك «الدوّار» مكانها الذي لا يمكن التنازل عنه... وهو قبر الحياة في نظرها.بين الايواء والمستشفىمبروكة... أم لثلاث بنات كلهن معوقات وعاجزات عن الكلام... احداهن وهي في العقد الثاني تم الاحتفاظ بها في المستشفى لحالتها الصحية (مصابة بداء السكري) والبقية يشاطرنها المكان... كلهن هنا... قدمن يحملن معهن البعض مما يمتلكن... في انتظار فرج قد يطول أو يقصر... فقط المهم انهن سلّمن أمرهن... فلا الغرفة اليتيمة عادت لتأويهم... ولا مكان للجوء إليه...تهدم الكوخ على رأسها«مقصباي»... هكذا رددت اسمها بصعوبة أصيلة منطقة «سيدي سعيد»... قصرها الافتراضي هو تلك «العشة»... وهي بالكاد تحدد البصر الى الأشياء... أشعلت كومة الحطب للتدفئة لكن اشتعلت النيران في القش الذي كان هو الجدران والسقف...والتهمت النيران المكان لتسقط «العشة» وتحت الردم كانت «مقصباي»...من ألطاف اللّه أن الوحدات العسكرية كانت تجوب كل الأمكنة برّا وجوّا لمراقبة الأوضاع...حين تم التفطن للحريق...سارعت سيارات الهامر إلى المنطقة ومنها ركضا على الأقدام...ومن تحت الركام تم انتشال «مقصباي»...ونقلها إلى مركز الإيواء بمعهد خمير... كانت كتلة سوداء مغطاة بالدخان اغتسلت العجوز بالماء الساخن...غيروا ملابسها...أجلسوها إلى الفراش تجاور جهاز التدفئة لكن «مقصباي» تحتج... لا تريد بيتا ولا مأوى تريد فقط العودة إلى «العشة». ...لم يكن ممكنا السيطرة على طموح «مقصباي» سوى من خلال النسوة اللاتي يحاورنها بالإيواء...إذ تتوالد الحكايات من الماضي إلى الحاضر إلى البحث عن سبيل لغد مشرق... جنود الخفاء لهم كل المهمات مطبخ المعهد تحول هو الآخر إلى مطبخ للعائلات المنكوبة والتي وقع اجلاؤها...وككل مراكز الايواء...تقوم الوحدات العسكرية بالحماية والاشراف على المكان...جلب الخبز حراسة المؤونة... العناية بالمرضى ونقلهم للمستشفى وإعادتهم منها...فجنود الخفاء هم الصلة وجسر التواصل مع كل الاحتياجات الضرورية... بعد الثلوج...ولكن؟ ...أي مصير لهؤلاء...تقول الاحصائيات إن عمليات الإجلاء والانقاذ شملت العشرات من العائلات ومعهد خمير طاقة استيعابه 140 سريرا واعدادية حمام بورقيبة 150 سريرا واعدادية «عين البية» احتضنت أكثر من 100 شخص بين شيوخ وأطفال وعجائز... لكن الثلاثية الثانية الدراسية أشرفت على النهاية ولا بد للتلاميذ من عودة إلى مدارسهم ...انتقلنا إلى جندوبة حيث تم إعداد مراكز لتجميع الإعانات تفاديا للفوضى...وكانت المهمة للوحدات العسكرية...البحث عن مكان لإيواء العائلات إلى حين تحسن الحالة الجوية... مسؤول على عين المكان...تحدث ل «الشروق» عن مقر للصناعات التقليدية وقد تم الشروع في الاجراءات بصفة حثيثة لتجهيزه ليصبح قابلا للسكن...ومنه تنطلق عملية نقل العائلات عبر سيارات الجيب العسكرية...يقول محدثنا : «جلب العائلات مرفوق باعداد كامل للاعتناء بهم....توفير الوجبات الساخنة وفطور الصباح والأهم العناية الصحية...لكل الحالات فإعدادية «عين البيّة» ستفتح أبوابها للتلاميذ من جديد...وليس لنا من خيار عاجل إلا هذا الحلّ. المواد الغذائية والمؤونة متوفرة للجميع لكن العناية الصحية يجب أن تبقى مستمرة طيلة ساعات الليل والنهار... فأغلب من تم اجلاؤهم هم من كبار السن وهي خصوصية المنطقة... التي هجرها شبابها إلى العاصمة بحثا عن عمل...هكذا كان دور جنود الخفاء...دور وقائي وحمائي واجتماعي بالأساس. قصص متشابهة محمد وذهبي... أسماء لقصص متشابهة...داخل مركز الإيواء...وأطفال حالمون ضاحكون عابثون بالزمن... فلا شيء أجمل من الطفولة... حتى وإن كنت لاجئا في وطنك... تجلس إليهم...فيحدثونك عن المستقبل...الدراسة....والحلم. ...فمشكلتهم كما يرونها... توفير سكن لكن بنفس المكان على سفح الجبل أو وسط الغابة...حتى إن كانت غرفة يتيمة المهم أن المكان يبقى...حتى وإن تطلب إيصال الخبز إليهم طائرة عمودية... من بين الأكواخ البعيدة... حيث يغادرها ما تبقى من متساكينها إلى بعض الطرقات...للحصول على المزيد من المؤونة...بامكانك أن تلمح «القصر» قصر الرئيس السابق الذي قيل إنه عرض للبيع ...قدرت قيمته المالية بحوالي 300 مليار من المليمات... رأى فيه البعض أنه دليل على منظومة فساد مرت من هنا...في حين يرى آخرون... أن السنوات التي مرت...كانت حافلة فقط بالانجازات المرتبطة بالاعانات المسترسلة وهي السبب الرئيسي فيما آل إليه الوضع ...حيث كان الأجدر العمل بالمثل الشعبي الصيني...«لا تعطني سمكة...بل علمني كيف اصطادها».غدا: حمام بورقيبة...مركز للإجلاء...ورغم قساوة الظروف... أبناؤها جامعيون


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.