تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خاص : «الشروق في مراكز اللاجئين بعين دراهم» - عندما تنهار الأكواخ... وتتحول المدارس .. الى مساكن
نشر في الشروق يوم 21 - 02 - 2012

... اختلفت قصصهم... أحلامهم... طموحهم لكن المأساة عنوانها واحد، «مواطن برتبة لاجئ...» عنوان اختزل معاناة عشرات العائلات ومئات المواطنين الذين انهارت في غفلة منهم كل أحلامهم الصغيرة
البرد شديد... السماء تمطر... قطراتها تتساقط على الثلوج التي غطت الواجهات كما الأسقف... جلسن كل واحدة الى فراشها... في صمت... إلا من بعض الأطفال يمرحون هنا وهناك... غرفة كبيرة للنساء والصغار وغرفة ثانية للرجال... تجانبت بداخلها الأسرّة الى طوابق ثلاثة...أغلب المقيمين والمقيمات عجائز وشيوخ بلغوا من العمر عقودا...وقلة من الأطفال الذكور... أما الفتيات... فهن شبه غائبات...
معهد خمير شأنه شأن عدد من المعاهد المخصصة بنظام المبيت... تحولت الى ملاجئ للسكن... ففي غمرة العواصف الثلجية... تشققت الجدران... وانهارت الأسقف القصديرية والأكواخ... في مناطق شبه معزولة إذ لم تكن معزولة أصلا والطريق إليها مستحيل الا جوّا...وأحيانا حين تصبح الرؤية منعدمة بفعل السحب والضباب قد يتعذر حتى تحديد مكان هاته العائلات.
إخلاء المنازل
سبعون في المائة من متساكني عين دراهم يسكنون متفرقين الى مساحات شاسعة جدا عبر الجبال والوديان.أكواخ... أقرب الى غرف قصديرية... بنيت من الطين... لا يمكنك أن تلمحها جيّدا الا جوّا... تم اخلاء عدد من سكانها اما بسبب العزلة أو تخوفا من انهيار مفاجئ للأكواخ.
... الوحدات العسكرية تراقب الأمكنة تحسبا لكل الطوارئ من «وادي الزان» الى «عين سلام»... مرورا ب «الخمائرية» و«الرويعي» و«سلول» و«أولاد سدرة» و«القباينية» تغيرت الأسماء والمكان واحد... عين دراهم... أهم المواقع السياحية بولاية جندوبة جمالها في منازلها المعلقة الى قمم جبال الكرومي ذات الغابات الكثيفة بأشجار الصنوبر والبلوط والفلّين والزان...
لكنها لم تحتفل بثلوجها التي طمرت أجزاء منها... فحوّلتها من حلم سياحي الى منطقة اختاروا لها من الأسماء «منكوبة».
لاجئ
مصطفى السالمي... أصيل المناورية «ببوش» منحته الثلوج وبرودة الطقس صفة لاجئ شأنه شأن زوجته وأطفاله... فهو يعاني من الاعاقة منذ سنوات... وبيته عفوا غرفته القصديرية انهارت فجأة فلم يكن له من خيار الا اتباع اجراءات الطوارئ وهي نقل المتساكنين واجلاؤهم الى المعاهد...حكايات... ولكن!
لكل واحد حكاية... ولكل واحدة قصص لا تنتهي لكنها لا تختلف عن بعضها فالهادي بن عياد القادم من ريف «فج الريح» عاطل عن العمل بمفعول الزمن، وحسين غريب أصيل «المريج»... لاجئ مع زوجته وأطفاله الأربعة... يعترف أن ما سقط لم يكن بيتا بل عشّة صغيرة من القشّ وأن الأيام الثمانية للحضيرة لا تكفي في شيء إذ كان العمل بالحضائر سابقا يصل الى حدود 20 يوما... لكن الخلاص بعد شهرين، وبالتالي فإن الوضعية لا يحسد عليها.
الدوّار قبر الحياة
في حين أن الخالة حدّة... متعبة من السفر جلوسا الى الفراش وهي تريد العودة الى ما تبقى من غرفتها...فذاك «الدوّار» مكانها الذي لا يمكن التنازل عنه... وهو قبر الحياة في نظرها.
بين الايواء والمستشفى
مبروكة... أم لثلاث بنات كلهن معوقات وعاجزات عن الكلام... احداهن وهي في العقد الثاني تم الاحتفاظ بها في المستشفى لحالتها الصحية (مصابة بداء السكري) والبقية يشاطرنها المكان... كلهن هنا... قدمن يحملن معهن البعض مما يمتلكن... في انتظار فرج قد يطول أو يقصر... فقط المهم انهن سلّمن أمرهن... فلا الغرفة اليتيمة عادت لتأويهم... ولا مكان للجوء إليه...
تهدم الكوخ على رأسها
«مقصباي»... هكذا رددت اسمها بصعوبة أصيلة منطقة «سيدي سعيد»... قصرها الافتراضي هو تلك «العشة»... وهي بالكاد تحدد البصر الى الأشياء... أشعلت كومة الحطب للتدفئة لكن اشتعلت النيران في القش الذي كان هو الجدران والسقف...والتهمت النيران المكان لتسقط «العشة» وتحت الردم كانت «مقصباي»...من ألطاف اللّه أن الوحدات العسكرية كانت تجوب كل الأمكنة برّا وجوّا لمراقبة الأوضاع...حين تم التفطن للحريق...سارعت سيارات الهامر إلى المنطقة ومنها ركضا على الأقدام...ومن تحت الركام تم انتشال «مقصباي»...ونقلها إلى مركز الإيواء بمعهد خمير... كانت كتلة سوداء مغطاة بالدخان اغتسلت العجوز بالماء الساخن...غيروا ملابسها...أجلسوها إلى الفراش تجاور جهاز التدفئة لكن «مقصباي» تحتج... لا تريد بيتا ولا مأوى تريد فقط العودة إلى «العشة».
...لم يكن ممكنا السيطرة على طموح «مقصباي» سوى من خلال النسوة اللاتي يحاورنها بالإيواء...إذ تتوالد الحكايات من الماضي إلى الحاضر إلى البحث عن سبيل لغد مشرق...
جنود الخفاء لهم كل المهمات
مطبخ المعهد تحول هو الآخر إلى مطبخ للعائلات المنكوبة والتي وقع اجلاؤها...وككل مراكز الايواء...تقوم الوحدات العسكرية بالحماية والاشراف على المكان...جلب الخبز حراسة المؤونة... العناية بالمرضى ونقلهم للمستشفى وإعادتهم منها...فجنود الخفاء هم الصلة وجسر التواصل مع كل الاحتياجات الضرورية...
بعد الثلوج...ولكن؟
...أي مصير لهؤلاء...تقول الاحصائيات إن عمليات الإجلاء والانقاذ شملت العشرات من العائلات ومعهد خمير طاقة استيعابه 140 سريرا واعدادية حمام بورقيبة 150 سريرا واعدادية «عين البية» احتضنت أكثر من 100 شخص بين شيوخ وأطفال وعجائز... لكن الثلاثية الثانية الدراسية أشرفت على النهاية ولا بد للتلاميذ من عودة إلى مدارسهم ...انتقلنا إلى جندوبة حيث تم إعداد مراكز لتجميع الإعانات تفاديا للفوضى...وكانت المهمة للوحدات العسكرية...البحث عن مكان لإيواء العائلات إلى حين تحسن الحالة الجوية...
مسؤول على عين المكان...تحدث ل «الشروق» عن مقر للصناعات التقليدية وقد تم الشروع في الاجراءات بصفة حثيثة لتجهيزه ليصبح قابلا للسكن...ومنه تنطلق عملية نقل العائلات عبر سيارات الجيب العسكرية...يقول محدثنا : «جلب العائلات مرفوق باعداد كامل للاعتناء بهم....توفير الوجبات الساخنة وفطور الصباح والأهم العناية الصحية...لكل الحالات فإعدادية «عين البيّة» ستفتح أبوابها للتلاميذ من جديد...وليس لنا من خيار عاجل إلا هذا الحلّ.
المواد الغذائية والمؤونة متوفرة للجميع لكن العناية الصحية يجب أن تبقى مستمرة طيلة ساعات الليل والنهار... فأغلب من تم اجلاؤهم هم من كبار السن وهي خصوصية المنطقة... التي هجرها شبابها إلى العاصمة بحثا عن عمل...هكذا كان دور جنود الخفاء...دور وقائي وحمائي واجتماعي بالأساس.
قصص متشابهة
محمد وذهبي... أسماء لقصص متشابهة...داخل مركز الإيواء...وأطفال حالمون ضاحكون عابثون بالزمن... فلا شيء أجمل من الطفولة... حتى وإن كنت لاجئا في وطنك... تجلس إليهم...فيحدثونك عن المستقبل...الدراسة....والحلم.
...فمشكلتهم كما يرونها... توفير سكن لكن بنفس المكان على سفح الجبل أو وسط الغابة...حتى إن كانت غرفة يتيمة المهم أن المكان يبقى...حتى وإن تطلب إيصال الخبز إليهم طائرة عمودية...
من بين الأكواخ البعيدة... حيث يغادرها ما تبقى من متساكينها إلى بعض الطرقات...للحصول على المزيد من المؤونة...بامكانك أن تلمح «القصر» قصر الرئيس السابق الذي قيل إنه عرض للبيع ...قدرت قيمته المالية بحوالي 300 مليار من المليمات... رأى فيه البعض أنه دليل على منظومة فساد مرت من هنا...في حين يرى آخرون... أن السنوات التي مرت...كانت حافلة فقط بالانجازات المرتبطة بالاعانات المسترسلة وهي السبب الرئيسي فيما آل إليه الوضع ...حيث كان الأجدر العمل بالمثل الشعبي الصيني...«لا تعطني سمكة...بل علمني كيف اصطادها».
غدا: حمام بورقيبة...مركز للإجلاء...ورغم قساوة الظروف... أبناؤها جامعيون
الشمال الغربي الشروق: ريبورتاج سميرة الخياري كشوالبرد شديد... السماء تمطر... قطراتها تتساقط على الثلوج التي غطت الواجهات كما الأسقف... جلسن كل واحدة الى فراشها... في صمت... إلا من بعض الأطفال يمرحون هنا وهناك... غرفة كبيرة للنساء والصغار وغرفة ثانية للرجال... تجانبت بداخلها الأسرّة الى طوابق ثلاثة...أغلب المقيمين والمقيمات عجائز وشيوخ بلغوا من العمر عقودا...وقلة من الأطفال الذكور... أما الفتيات... فهن شبه غائبات...معهد خمير شأنه شأن عدد من المعاهد المخصصة بنظام المبيت... تحولت الى ملاجئ للسكن... ففي غمرة العواصف الثلجية... تشققت الجدران... وانهارت الأسقف القصديرية والأكواخ... في مناطق شبه معزولة إذ لم تكن معزولة أصلا والطريق إليها مستحيل الا جوّا...وأحيانا حين تصبح الرؤية منعدمة بفعل السحب والضباب قد يتعذر حتى تحديد مكان هاته العائلات.إخلاء المنازلسبعون في المائة من متساكني عين دراهم يسكنون متفرقين الى مساحات شاسعة جدا عبر الجبال والوديان.أكواخ... أقرب الى غرف قصديرية... بنيت من الطين... لا يمكنك أن تلمحها جيّدا الا جوّا... تم اخلاء عدد من سكانها اما بسبب العزلة أو تخوفا من انهيار مفاجئ للأكواخ.... الوحدات العسكرية تراقب الأمكنة تحسبا لكل الطوارئ من «وادي الزان» الى «عين سلام»... مرورا ب «الخمائرية» و«الرويعي» و«سلول» و«أولاد سدرة» و«القباينية» تغيرت الأسماء والمكان واحد... عين دراهم... أهم المواقع السياحية بولاية جندوبة جمالها في منازلها المعلقة الى قمم جبال الكرومي ذات الغابات الكثيفة بأشجار الصنوبر والبلوط والفلّين والزان...لكنها لم تحتفل بثلوجها التي طمرت أجزاء منها... فحوّلتها من حلم سياحي الى منطقة اختاروا لها من الأسماء «منكوبة».لاجئمصطفى السالمي... أصيل المناورية «ببوش» منحته الثلوج وبرودة الطقس صفة لاجئ شأنه شأن زوجته وأطفاله... فهو يعاني من الاعاقة منذ سنوات... وبيته عفوا غرفته القصديرية انهارت فجأة فلم يكن له من خيار الا اتباع اجراءات الطوارئ وهي نقل المتساكنين واجلاؤهم الى المعاهد...حكايات... ولكن!لكل واحد حكاية... ولكل واحدة قصص لا تنتهي لكنها لا تختلف عن بعضها فالهادي بن عياد القادم من ريف «فج الريح» عاطل عن العمل بمفعول الزمن، وحسين غريب أصيل «المريج»... لاجئ مع زوجته وأطفاله الأربعة... يعترف أن ما سقط لم يكن بيتا بل عشّة صغيرة من القشّ وأن الأيام الثمانية للحضيرة لا تكفي في شيء إذ كان العمل بالحضائر سابقا يصل الى حدود 20 يوما... لكن الخلاص بعد شهرين، وبالتالي فإن الوضعية لا يحسد عليها.الدوّار قبر الحياةفي حين أن الخالة حدّة... متعبة من السفر جلوسا الى الفراش وهي تريد العودة الى ما تبقى من غرفتها...فذاك «الدوّار» مكانها الذي لا يمكن التنازل عنه... وهو قبر الحياة في نظرها.بين الايواء والمستشفىمبروكة... أم لثلاث بنات كلهن معوقات وعاجزات عن الكلام... احداهن وهي في العقد الثاني تم الاحتفاظ بها في المستشفى لحالتها الصحية (مصابة بداء السكري) والبقية يشاطرنها المكان... كلهن هنا... قدمن يحملن معهن البعض مما يمتلكن... في انتظار فرج قد يطول أو يقصر... فقط المهم انهن سلّمن أمرهن... فلا الغرفة اليتيمة عادت لتأويهم... ولا مكان للجوء إليه...تهدم الكوخ على رأسها«مقصباي»... هكذا رددت اسمها بصعوبة أصيلة منطقة «سيدي سعيد»... قصرها الافتراضي هو تلك «العشة»... وهي بالكاد تحدد البصر الى الأشياء... أشعلت كومة الحطب للتدفئة لكن اشتعلت النيران في القش الذي كان هو الجدران والسقف...والتهمت النيران المكان لتسقط «العشة» وتحت الردم كانت «مقصباي»...من ألطاف اللّه أن الوحدات العسكرية كانت تجوب كل الأمكنة برّا وجوّا لمراقبة الأوضاع...حين تم التفطن للحريق...سارعت سيارات الهامر إلى المنطقة ومنها ركضا على الأقدام...ومن تحت الركام تم انتشال «مقصباي»...ونقلها إلى مركز الإيواء بمعهد خمير... كانت كتلة سوداء مغطاة بالدخان اغتسلت العجوز بالماء الساخن...غيروا ملابسها...أجلسوها إلى الفراش تجاور جهاز التدفئة لكن «مقصباي» تحتج... لا تريد بيتا ولا مأوى تريد فقط العودة إلى «العشة». ...لم يكن ممكنا السيطرة على طموح «مقصباي» سوى من خلال النسوة اللاتي يحاورنها بالإيواء...إذ تتوالد الحكايات من الماضي إلى الحاضر إلى البحث عن سبيل لغد مشرق... جنود الخفاء لهم كل المهمات مطبخ المعهد تحول هو الآخر إلى مطبخ للعائلات المنكوبة والتي وقع اجلاؤها...وككل مراكز الايواء...تقوم الوحدات العسكرية بالحماية والاشراف على المكان...جلب الخبز حراسة المؤونة... العناية بالمرضى ونقلهم للمستشفى وإعادتهم منها...فجنود الخفاء هم الصلة وجسر التواصل مع كل الاحتياجات الضرورية... بعد الثلوج...ولكن؟ ...أي مصير لهؤلاء...تقول الاحصائيات إن عمليات الإجلاء والانقاذ شملت العشرات من العائلات ومعهد خمير طاقة استيعابه 140 سريرا واعدادية حمام بورقيبة 150 سريرا واعدادية «عين البية» احتضنت أكثر من 100 شخص بين شيوخ وأطفال وعجائز... لكن الثلاثية الثانية الدراسية أشرفت على النهاية ولا بد للتلاميذ من عودة إلى مدارسهم ...انتقلنا إلى جندوبة حيث تم إعداد مراكز لتجميع الإعانات تفاديا للفوضى...وكانت المهمة للوحدات العسكرية...البحث عن مكان لإيواء العائلات إلى حين تحسن الحالة الجوية... مسؤول على عين المكان...تحدث ل «الشروق» عن مقر للصناعات التقليدية وقد تم الشروع في الاجراءات بصفة حثيثة لتجهيزه ليصبح قابلا للسكن...ومنه تنطلق عملية نقل العائلات عبر سيارات الجيب العسكرية...يقول محدثنا : «جلب العائلات مرفوق باعداد كامل للاعتناء بهم....توفير الوجبات الساخنة وفطور الصباح والأهم العناية الصحية...لكل الحالات فإعدادية «عين البيّة» ستفتح أبوابها للتلاميذ من جديد...وليس لنا من خيار عاجل إلا هذا الحلّ. المواد الغذائية والمؤونة متوفرة للجميع لكن العناية الصحية يجب أن تبقى مستمرة طيلة ساعات الليل والنهار... فأغلب من تم اجلاؤهم هم من كبار السن وهي خصوصية المنطقة... التي هجرها شبابها إلى العاصمة بحثا عن عمل...هكذا كان دور جنود الخفاء...دور وقائي وحمائي واجتماعي بالأساس. قصص متشابهة محمد وذهبي... أسماء لقصص متشابهة...داخل مركز الإيواء...وأطفال حالمون ضاحكون عابثون بالزمن... فلا شيء أجمل من الطفولة... حتى وإن كنت لاجئا في وطنك... تجلس إليهم...فيحدثونك عن المستقبل...الدراسة....والحلم. ...فمشكلتهم كما يرونها... توفير سكن لكن بنفس المكان على سفح الجبل أو وسط الغابة...حتى إن كانت غرفة يتيمة المهم أن المكان يبقى...حتى وإن تطلب إيصال الخبز إليهم طائرة عمودية... من بين الأكواخ البعيدة... حيث يغادرها ما تبقى من متساكينها إلى بعض الطرقات...للحصول على المزيد من المؤونة...بامكانك أن تلمح «القصر» قصر الرئيس السابق الذي قيل إنه عرض للبيع ...قدرت قيمته المالية بحوالي 300 مليار من المليمات... رأى فيه البعض أنه دليل على منظومة فساد مرت من هنا...في حين يرى آخرون... أن السنوات التي مرت...كانت حافلة فقط بالانجازات المرتبطة بالاعانات المسترسلة وهي السبب الرئيسي فيما آل إليه الوضع ...حيث كان الأجدر العمل بالمثل الشعبي الصيني...«لا تعطني سمكة...بل علمني كيف اصطادها».غدا: حمام بورقيبة...مركز للإجلاء...ورغم قساوة الظروف... أبناؤها جامعيون


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.