لا تزال سوريا تتأرجح بين خيارين... الخيار الأمني والخيار الديبلوماسي...وبين هذين الخيارين هناك الكثير من الأسئلة التي لاتزال معلقة في انتظار أجوبة وحلول «قد تأتي وقد لا تأتي» مع الزيارات التي يقوم بها مسؤولون دوليون هذه الأيام.
لكن المؤكد أن هناك أملا لم يبرح الشعب السوري بعد بأن تؤول الكلمة في النهاية إلى «صوت الاصلاح»... مهما ارتفع فيها «ضجيج السلاح»!!تتواصل المساعي الديبلوماسية بشأن سوريا بالتزامن مع حملة أمنية متصاعدة تستهدف معاقل المسلحين بعدد من المناطق حيث لاتزال الأزمة مستمرة بين النظام ومعارضيه، بشقيهم السلمي والمسلح.
لكن يستطيع كل من يزور سوريا هذه الأيام أن يلاحظ أن الانتفاضة التي بدأت سلمية منذ ما يقارب العام أصبحت يوما بعد آخر أقل سلمية وأكثر تسلحا في حمص وإدلب ودرعا وحماه، ليس هناك سوى معارك مسلحة واطلاق نار يستهدف الناس، وتخبرنا مصادر متطابقة من النظام والمعارضة... تضيف المصادر ذاتها أن الانتفاضة انحرفت عن مسارها وبتنا أمام عصابات مسلحة تقتل بلا هوادة على الهويّة، مشيرة في هذا الصدد الى ارتفاع منسوب العنف الطائفي بشكل غير مسبوق في الآونة الاخيرة.وتتابع المصادر أن ما تمّ العثور عليه في حي بابا عمرو بحمص كشف بشكل واضح حجم الارهاب الذي يستهدف سوريا من عناصر وجماعات تحظى بدعم من جهات ودول غربية وعربية وخليجية على وجه التحديد.
وأشارت المصادر ل«الشروق» كيف أنّ الجهات الأمنية المختصة ضبطت خلال حملتها الاخيرة على حي بابا عمرو بحمص معملا للأسلحة كانت هذه الجماعات تستخدمه لاعداد المتفجرات والعبوات الناسفة والصواريخ اليدوية التي تطلق على الأحياء دون تحديد الهدف.
وقالت المصادر أن من بين الأسلحة التي تمّ العثور عليها في بابا عمرو طائرة استطلاع شبيهة بتلك التي يستخدمها الكيان الاسرائيلي وكاميراوات مراقبة وقذائف مضادة للدروع ومنصّات لاطلاق الصواريخ.
وشدّدت على إن الجيش السوري سيطر على غالبية حي بابا عمرو ودخل الى شوارعه الرئيسية قبل أن تتحرك قوات أخرى من الجيش نحو إدلب أمس للقيام بحملة مماثلة على طريق «الحسم الأمني»... ورغم أن هذا «الحسم» طال أكثر من اللزوم وتخلّلته أخطاء وأعمال قتل ذهب ضحيتها مدنيون أبرياء مثلما يقول المعارضون إلاّ أن الصعوبات التي تجابه الجيش السوري تكمن في مواجهته مجموعات مسلحة ولاعبين آخرين في النزاع الداخلي يموّلون شراء السلاح ويهربونه من الحدود مع لبنان وتركيا والأردن والعراق. مثلما ذكرت مصادر مسؤولة ل«الشروق».
بالتأكيد تبدو المعارضة السلمية في حسابات النظام أضعف خصومه سواء بسبب انقساماتها في الداخل أو بين الداخل والخارج أو بسبب افتقادها الى رؤية واضحة حول حلّ الأزمة لكن الخطر الحقيقي الذي لا يتهدّد فقط النظام بل كل سوريا يكمن أساسا في انتشار أعمال العنف.
المعارضة بدورها مقتنعة بهذا الأمر وتدرك جيدا خطورته لكنها لا تبرئ في المقابل النظام مما يجري وتتهمه بارتكاب أخطاء وباتباع سياسة ساعدت على انحراف الأوضاع الى مثل هذه الحالة... النظام يعترف هو الآخر بارتكاب أخطاء ومقتنع تمام الاقتناع بأن الحل الأمني وحده لا ينهي الأزمة بل يمثل فقط أحد مخارجها، ولهذا كان الرئيس بشار الأسد قد استمع من كبار ضباط الاستخبارات والجيش الى بضع ملاحظات حيال هذا الحل قبل أن يلتقوا في النهاية عند نقطة بأن الحل الأمني لا يوفر الضمانة الكاملة، لكن في المقابل لا خيار للنظام مع ذلك إلا مقاتلة المسلحين... المعارضة السورية في الداخل لا تختلف مع النظام حول هذا الخيار بل هي تلتقي معه أيضا في مسألة التدخل الخارجي وحتى في موضوع «الحوار» لكنها تطالب بالفصل بين الجهات الداخلية والخارجية المتورطة في مشروع هدفه ضرب وحدة سوريا وإلحاقها بالمشروع الصهيوني الأمريكي وادخالها في حرب أهلية مدمرة وبين البرنامج الاصلاحي الذي لا يتحمّل لا «التجميل» ولا «التأجيل».
في هذا الاطار قطعت السلطة خطوات مهمة على طريق هذا البرنامج الاصلاحي، كما يقول مسؤولو النظام فبعد اجراء الاستفتاء على دستور جديد للبلاد منذ أيام تتجه الأنظار حاليا الى موعد الانتخابات التشريعية المقرّر إجراؤها بعد 3 أشهر.
«نحن مدركون أنّ هناك في سوريا فسادا وسرقة وأخطاء فادحة تجاه الناس... نعم تأخرنا أيضا في تنفيذ البرنامج الاصلاحي... لكن هذا الأمر لم يكن عن قصد مسبق بل فرضته مسألة الخيار الوظيفي» مثلما يقول المحلّل السياسي وعضو لجنة صياغة الدستور د. عمران الزعبي... لكن أين يلتقي وأين يتقاطع هذا البرنامج الاصلاحي مع الحلول التي يحملها في جعبتهم مسؤولون دوليون هذه الأيام الى دمشق؟
هذا هو السؤال الذي يدور في خلد الشارع السوري اليوم ولأن هذا الشارع المؤيد لفكرة الاصلاح والرافض لأية فكرة تطرح على طاولة التدخل الخارجي بكافة أشكاله... فإن «الوصفة» الخارجية لا تلقى آذانا صاغية لديه... فهو مصرّ على موقفه بضرورة انهاء الأزمة وتفكيك خيوطها بأقل الخسائر البشرية والمادية... مع هذا يتوازى الأمل مع الخوف... وتتوازى تحركات الديبلوماسية مع الضغوط الدولية التي توحي بأن الغرب مصرّ على اسقاط النظام... لكن هنا في دمشق ثمّة صورة أخرى مختلفة... هنا حيث النظام لا يزال ثابتا على «أرضه» وعلى «ثوابته»... ماسكا بزمام المبادرة، بل إنه يجزم بأن التغيرات ستكون لصالحه وأن الأزمة تقترب من الانفراج مثلما أكد مسؤولون سوريون ل«الشروق»... السباق مع الوقت يبدو محموما إذا أكثر من أي وقت مضى... والمؤكد أن هناك شيئا ما سيتغير... ليس بالضرورة النظام... بل الغالب على الظن أن الغرب هومن قد يتغير مع سوريا.