ألقى رئيس الجمهوريّة الدكتور منصف المرزوقي أمس خطابا بمناسبة تكريمه الطالبة خولة رشيدي خطاب، وجدّد الرئيس التأكيد على أهميّة الوحدة الوطنيّة ورفض كلّ أشكال التطرّف مبرزا أهمية قيم التسامح والاعتدال والوسطيّة الضامنة لانجاح مسيرة البلاد مستقبلا. واكّد المنصف المرزوقي في بداية خطابه ان «لا علم في تونس يرفع فوق أوبدل هذا العلم وهو عنوان تواصل الدولة منذ القرن التاسع عشر.. وهو رمز الوطن.. وان جاءنا اليأس منه عندما جعلت منه عصابات الحق العام التي حكمت بلادنا في غفلة من الزمان رمزا للشعب الدستورية.. وحتى ان فكرنا يوما باستبداله ونحن في قمة الاحباط « وأشار المرزوقي الى ان الثورة المباركة جعلتنا نلتف حوله بكل قلوبنا وقد أصبح من جديد مصدر الفخر والاعتزاز. وفي تفصيل لما يرمز له العلم قال المرزوقي ان «لونه الأحمر في الوعي واللاوعي الجماعي لشعبنا رمز لدماء شهداء 9 افريل.. رمز لدماء شهداء معركة الاستقلال جبل برقو وبني خداش وكم من أماكن أخرى.. رمز لدماء شهداء معركة بنزرت.. رمز لدماء شهداء الثورة في تالة والقصرين والرقاب ودوز وسيدي بوزيد. هلاله رمز لانتمائنا الى العالم الاسلامي وتجذّر شعبنا في هويته العربية الاسلامية. نجمته من نجوم السماء ورمز لطموحنا الى الأعالي». كما أضاف رئيس الجمهورية ان العلم هو القاسم المشترك بين كل التونسيين من أقصى الطيف الى أقصى الطيف. وكان موجودا في كل المظاهرات التي قادها النقابيون، في جامعة عموم العملة وفي الاتحاد العام التونسي للشغل طيلة الفترة الاستعمارية، في اضرابات ومسيرات الطلبة الزيتونيين، في كل التحركات النسائية، رفع على مقار الجمعيات الأهلية، ووضع في شعارات الأحزاب ومظاهراتها، سار في ظلّه طلبتنا وعمالنا ومات من أجله شبابنا. ومن ثمة فالتعدي عليه هو التعدي على اللحمة الوطنية. ووجه رئيس الجمهورية خطابه الى الشاب الذي «ارتكب جريمة انزال هذا الرمز» مطالبا اياه بتسليم نفسه وتقديم اعتذاره أمام قضاء مستقل ينظر في قضيته في اطار محاكمة عادلة ونزيهة ويحكم بما يمليه القانون وحسب تقدير ضمير القاضي لصدق الاعتذار. كذلك دعا المرزوقي كبار المسؤولين في الحركة العقائدية التي ينتمي إليها هذا الشاب الى ادانة واضحة وصريحة للعملية، حيث لا مجال لمحاولة تبريرها أو التنقيص من خطورتها أو التهرّب من مسؤوليتها وتداعياتها. وبمناسبة هذه الحادثة التي اعتبرها رئيس الجمهورية «مشينة» قال «أريد التذكير من باب وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين أنه اذا كان هذا العلم حاضنا لكل التونسيين على مختلف مشاربهم وتعدديتهم الطبيعية والشرعية واذا كانت هذه الحكومة المنبثقة لأوّل مرّة منذ بداية التاريخ من الارادة الحرة للشعب، مقرّة العزم على التمسك بقيم وقوانين وآليات النظام الديمقراطي،واذا كنت كرئيس كل التونسيين اعتبر نفسي ملزما بالدفاع عن حق الرأي والتعبير والعقيدة لكل المواطنين مهما تباعدت أفكارهم عن أفكاري وتوجهاتهم السياسية عن توجهاتي، فانه لن يسمح لأحد بتنصيب نفسه الناطق الرسمي والوحيد باسم الوطن أوالدين العظيم فكلاهما يجمع شملنا ويوحدنا. ولن يسمح لأحد بفرض آرائه وخياراته بالعنف ولأي طرف بتحقير أوتكفير اي طرف آخر ولا بأي اعتداء على أي مواطن تونسي على خلفية خياراته العقائدية مهما كانت متباعدة عن خياراتنا كما لن يسمح لأحد باحتكار الراية ورفعها في وجه أبناء هذا الوطن، ولن يسمح بتكرار أي محاولة لتعطيل الجامعة وارهاب اساتذتها وطلابها أو مؤسسات البلاد الأخرى وستواجه مثل هذه العمليات في اطار القانون لكن بمنتهى الصرامة. ولن يحدّد المتطرفون مستقبلنا سواء جاؤوا من هذا الجانب أو ذاك». وفي ختام خطابه دعا رئيس الجمهورية كل التونسيين الى رفض وإدانة العنف المادي والمعنوي أيا كان مصدره، الى رفض الاستقطاب الإيديولوجي الذي يجعل من التونسيين أعداء لبعضهم البعض، الى قبول تعدديتهم، الى تصريفها بصفة سلمية عبر الحوار فالحوار ثم الحوار، الى تطليق الاتّكالية والمطلبية التعجيزية، الى استغلال كل قوى الخلق والابداع الموجودة في أعماقهم، الى الكدّ والجدّ، فالأمم العظمى لا تبنى الا بالعمل، خاصة الى المحافظة على وحدتهم ورص الصفوف تحت هذه الراية التي هي رمز نضالات مريرة جعلت منا شعبا واحدا. كما حيّا المرزوقي خولة الرشيدي على ما أظهرته من شجاعة وغيرة على رمز الرموز، وتوجه عبرها لشباب تونس بقوله ان الشباب «قام بالثورة ولم يجن حقا لحدّ الآن ثمارها». واعتبر ان الأمر ليس نتيجة خيانة لأهداف الثورة أو تقصيرا في خدمتها وانما لأن قطف الثمار لا يكون الا بعد غرس الشجرة وسقيها وتعهّدها بالعمل الدؤوب وهذا يتطلب وقتا، خاصة بالقياس لحجم الخراب الذي تركه الاستبداد، ليس فقط خراب المؤسسات وانما خراب العقليات وهو الأخطر والأصعب علاجا.