الدعم الثقافي، أو دعم الدولة للابداع الفني هل هو واجب أم «صدقة»؟ سؤال عاد ليطرح من جديد، وخصوصا بعد تردّد أو تأخر الدولة ممثلة في وزارة الثقافة في صرف منح الدعم على الانتاج والتوزيع المسرحي والفضاءات الثقافية الخاصة.
ولم يكن السؤال ليطرح في الحقيقة لولا شعور بعض المبدعين، وخصوصا الذين يمرّون بظروف مادية صعبة نتيجة البطالة المفروضة عليهم بحكم الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد منذ 14 جانفي 2011، بأن الدعم الثقافي بات أشبه بال«صدقة» في حين أنه واجب الدولة.
كما يتعرض العديد من المبدعين الى انتقادات واتهامات بالتمعش من الدعم الذي تمنحه وزارة الثقافة والمحافظة على التراث في حين أنه حق يكفله القانون للنهوض بالابداع والثقافة في البلاد.
وتعالت بعض الأصوات في الآونة الاخيرة تنادي باستثمار الدعم الثقافي في مشاريع اقتصادية أخرى للحدّ من البطالة بدل هدرها في الثقافة والابداع.
ويشتكي العديد من المبدعين وخصوصا المسرحيين منهم، منذ أشهر من تأخر صرف منح الدعم سواء على عروض قدموها خلال الدورة الاخيرة من أيام قرطاج المسرحية أو على الفضاءات الثقافية والمسارح الخاصة التي يديرونها.
الدعم مؤجل
ويتساءل الممثل والمسرحي جمال العروي مثلا عن أسباب تأخر صرف منحة الدعم على العروض التي قدمها خلال مهرجان أيام قرطاج المسرحية الاخيرة. كما يتساءل مسرحي آخر يدير فضاء ثقافيا خاصا عن أسباب تأخر صرف منحة الدعم على الفضاءات الخاصة.
ويوضح المسرحيان أن منحة الدعم المخصّصة للفضاءات المسرحية والثقافية الخاصة كانت تصرف في العادة خلال شهر فيفري من كل عام.
وكانت وزارة الثقافة والمحافظة على التراث في الماضي أي خلال فترة النظام السابق تصرف على الأقل قسطا من هذه المنحة في أول العام.
ويلاحظ أن وزارة الثقافة منذ بدء نشاط الحكومة المؤقتة، أجلت صرف كل منح الدعم. كما قامت بتأجيل مواعيد تقديم ملفات المشاريع الجديدة على الأقل في مجال الابداع المسرحي وذلك من شهر فيفري الى منتصف مارس الجاري.
وفي هذا الاجراء يبدو تردد واضح من وزارة الثقافة بخصوص الدعم الثقافي الذي يبقى من واجبات الدولة لأن الثقافة في كل دول العالم وخصوصا النامية منها لا يمكن أن تعيش بدون دعم الدولة.
ويبلغ عدد الفرق أو الشركات المسرحية الخاصة في تونس أكثر من 150 فرقة أضف إليها الفرق أو المراكز المسرحية العمومية التي تتمتع بدعم الدولة وترصد وزارة الثقافة منذ خمس سنوات نفس الميزانية المخصّصة للفرق الخاصة والمقدّرة ب800 ألف دينار، وهو مبلغ زهيد مقارنة بعدد الفرق. والسينما !
وإذا كان قطاع المسرح قد حصل على الأقل على أمل بالدعم ولو مؤجلا، فإن باقي القطاعات الأخرى مازالت تنتظر السياسة الثقافية الجديدة للحكومة المؤقتة بخصوص الدعم الثقافي. ولا يخفي أحد السينمائيين مثلا تخوفه من مواصلة الدولة ووزارة الثقافة تحديدا، دعم المشاريع السينمائية، خصوصا بعد القائمة الطويلة من الأفلام التي حصلت على الدعم في الدورة الفارطة، كما يتساءل عدد من السينمائيين عن تحديد موعد دورة 2012 لتقديم المشاريع السينمائية الجديدة.. علما أن الوزارة لم تصدر أي بلاغ الى حد الآن بخصوص موعد تقديم الملفات، كما أن الوزير الجديد للثقافة لم يتحدث الى الآن عن قطاع السينما رغم الأزمة الخانقة التي يمر بها، وهو ما ذكره أحد السينمائيين قائلا إنه حاول مرارا مقابلة الوزير للحديث معه حول قطاع السينما ولكنه لم يفلح بسبب شواغل الوزير الكثيرة! الفنون التشكيلية
وفي قطاع الفنون التشكيلية، مازال عديد التشكيليين يشتكون من ظاهرة الاقصاء والتهميش التي يعاني منها الفنان التشكيلي في تونس محملين المسؤولية الى لجنة الشراءات بوزارة الثقافة والمحافظة على التراث.
ويتساءل هؤلاء عن السياسة الجديدة للوزارة والحكومة المؤقتة تجاه التشكيليين، والتي لم تظهر الى الآن، كما يتساءلون عن دعم الوزارة للقطاع علما أن الميزانية التي كانت ترصدها الوزارة للفنون التشكيلية خلال فترة النظام السابق، تقدر بحوالي مليون دينار تخصص لشراء لوحات الفنانين من مختلف المعارض. مليار لا يكفي !
وفي قطاع الكتاب، مازال الناشرون والكتاب ينتظرون ما ستكشفه السياسة الجديدة لوزارة الثقافة في ما يتعلق باقتناءات الكتب وشروطها، إذ يعد قطاع الكتاب من أكثر القطاعات تضرّرا بسبب تعطل شراءات الوزارة، واقتصارها على اقتناء إصدارات الكتاب المعروفين، إضافة الى أن الميزانية التي كانت مخصّصة للكتاب لا تتجاوز المليون دينار، وهو مبلغ زهيد مقارنة بتزايد عدد الناشرين وعدد الكتب التي يصدرها أصحابها على حسابهم الخاص. كما أن مقتنيات الوزارة من كل كتاب جديد تقرّر اقتناءه لا تتجاوز مائة نسخة في أفضل الحالات.
«صدقة» واجبة
والواضح أن وزير الثقافة الجديد، وإن كان من أهل الثقافة والإبداع، لم يحسم بعد في ملف الدعم، ربما لرغبته في مراجعة الملف على خلفية بعض الاتهامات بوجود فساد كبير داخل الوزارة وخصوصا في ما يتعلق بهذا الملف (الدعم) أو هو ينتظر الميزانية التكميلية للدولة التي أعدتها الحكومة الموقتة.
بقي السؤال هو في مدى استعداد الحكومة المؤقتة لمواصلة دعم الثقافة والابداع، ومدى إيمانها وقناعتها بالثقافة وبدورها في المجتمع؟! أضف الى ذلك الميزانية التي ستخصصها للدعم الثقافي ووزارة الثقافة عموما، وهو ما سيكشف المكانة الحقيقية للثقافة لدى الحكومة المؤقتة، وما إذا كان الدعم الثقافي في نظرها واجبا أم «صدقة» أم «صدقة واجبة»!