استحضرت العديد من الصفحات التونسية في الموقع الاجتماعي يوم أمس شخصية الفنان المناضل الهادي قلة، صاحب أغنية «بابور زمر» الذي خلد في أذهان التونسيين طيلة عدة عقود أغاني الغربة وحب الوطن والذي رحل يوم أمس بعد معاناة مريرة مع المرض. قبل ذلك، استأثر موضوع إيقاف قيس بن علي في ولاية سوسة بالكثير من التعاليق، وتساءل ناشطون كثيرون إن كان لإيقافه في هذه الأيام علاقة بأحداث أو تطورات سياسية، فيما استغرب آخرون الخبر وذكروا أنهم كانوا يظنونه موقوفا منذ بداية الثورة. وفيما ينشغل الجيل الجديد من شباب الموقع الاجتماعي بمعاركهم وشتائمهم التقليدية، تفرغ عشرات الناشطين والمثقفين من الأجيال السابقة لإعلان وفاة الفنان الهادي قلة، «هذا فارس آخر يترجل»، كما كتبت ناشطة يسارية معروفة في سنوات التسعين، تقول إن في ذاكرتها الكثير من أغاني هذا الفنان التونسي عندما كان والداها يسمعانه كثيرا في طفولتها. نشر عشرات الناشطين خصوصا من أصدقائه صوره القديمة ومقاطع فيديو لبعض أشهر أغانيه مثل «بابور زمر» التي طالما ألهبت مشاعر التونسيين لما فيها من كلمات جميلة عن الغربة ووحشة البعد عن الوطن وظروف الحياة القاسية التي حملت آلاف التونسيين على فراق وطنهم نحو أوروبا للعمل في ظروف لا تقل قسوة عما تركوه في تونس. نشر أصدقاؤه معلومات كثيرة عن حياته المتميزة والمليئة بالموسيقى والمواقف النضالية، من مواليد تونس 1951، حصل على عدة شهائد في الترجمة من عدة لغات من فرنسا، ثم اشتهر في سنوات السبعين والثمانين بموسيقاه الملتزمة، كلمة ولحنا وأداء. غنى في مسرح قرطاج الأثري عام 1977 في حضور الشاعرين الكبيرين محمود درويش ونزار قباني، لكنه اكتسب شهرته الحقيقية في أوساط الطلبة في تونس وخارجها وظل اسمه مقترنا بالموسيقى الهادفة مع تصاعد المد الثوري في سنوات السبعين والثمانين. كان رائد الموسيقى الهادفة واستلهم منه جيل كامل من الفنانين الملتزمين في تونس. كتب ناشط طلابي من الجيل القديم في صفحته مرثية حقيقية عن رحيل الهادي قلة بعد معاناة مريرة مع مرض السرطان يوم 14 مارس، «رحل فارس الأغنية التونسية المتوحد، وبقيت لنا أغانيه، بقي لنا صوته العفوي وموسيقاه التي لم تلوثها الأموال، التزامه التاريخي بقضايا وطنه». الغريب أن أغلب ناشطي الجيل الجديد لا يعرفون الفنان الهادي قلة، فيما يحفظ أغلبهم عن ظهر قلب أغاني الراب، ويفرضونها يوميا في صفحاتهم، ولم يظهر نعي الهادي قلة إلا في صفحات الأجيال التي نشأت على الموسيقى الملتزمة أي طلبة بداية التسعينات وخصوصا الثمانينات. غير أن ناشطي هذا الجيل الذين يتميزون بالعمق كانوا أغلبية يوم أمس وفرضوا تخليد صوت وحياة هذا الفنان المتميز، وتقاسموا صوره وموسيقاه عل الجيل الجديد يفتح عينيه على تاريخه غير البعيد ويبحث فيه عن الإلهام بدل التهافت على موسيقى لا علاقة لها بقضاياه. كشف ناشط من مدينة حمام الأنف أن ناديا ثقافيا احتفى بالفنان الهادي قلة منذ أيام، وكتب آخرون إنهم كانوا يأملون في استضافته في بعض الحفلات وإعادة تقديمه بصفته مناضلا وفنانا ملتزما إلى الجيل الجديد خصوصا وقد عانى طويلا من التعتيم في الإعلام الرسمي فيما مضى، غير أن للقدر مشيئة أخرى، فاختار أن يرحل مخلفا لمحبيه أغانيه الشهيرة ومنها: بابور زمر، شعر المولدي زليلة ألا أيها الظالم المستبد، شعر أبي القاسم الشابي برقية من السجن، للشاعر محمود درويش سجل أنا عربي، للشاعر محمود درويش خطوات في الغربة، شعر بلند الحيدري صوت الجنة الضائعة، شعر سميح القاسم مرثية محمد جديرة، شعر علي سعيدان هذا وأعلن أصدقاؤه أن جنازته ستكون اليوم بعد صلاة العصر في الدندان.