فقدت الساحة الفنية صباح أول أمس الثلاثاء رائد الأغنية السياسية الملتزمة في تونس واحد أهم رموز الأغنية البديلة، صاحب «نشيد الهجرة» الفنان الهادي قلة عن عمر ناهز 61 سنة (1951/2012) بعد مرض عضال ألم به وأقعده عن النشاط، وبفقدانه تيتمت الأغنية السياسية البديلة. والهادي قلة الذي نشد الاختلاف والأغنية الجديدة ذات الرسالة النضالية المّ منذ الصغر بالموسيقى الشرقية والموشحات والأدوار ونشط وهو في مرحلة الدراسة الثانوية في مجموعات موسيقية شبابية في مدينة تونس( من مواليد الدندان ) في تلك المرحلة طوّر عزفه على آلة العود، و شارك منذ أواخر الستينات في أعمال مسرحية وسينمائية غارت بصمته عميقا جدا في مسيرة الأغنية التونسية واحدث بإنتاجه المنعرج الفارق فيها بصفة عامة وادخلها غرضا لم يلجه احد من قبله حيث اوجد للأغنية العاطفية والوطنية الرائجة جدا في السبعينات بديلا طوع له ما تعلمه وأتقنه على يدي والده حسن قلة الذي كان من أبرز المنشدين للمقامات التونسية، إذ كان منشدا في المدائح والأذكار في نهج الطريقة السُّلامِيّة.
الملتزمون ساروا على خطاه
بدا الراحل مشواره الفني في التلحين والغناء في سبعينات القرن الماضي وهو طالب بفرنسا واعتلى ركح المسرح الأثري بقرطاج وغنى لأول مرة بتونس عام 1977 في سهرة الشعر العربي في عرض تميز بمشاركة الشاعرين الراحلين محمود درويش ونزار قباني. وصدح بصوته وألحانه في مدرجات كل الجامعات التونسية وكان نجم كل التظاهرات الطلابية وفي العديد من الجمعيات العربية والفرنسية في العشرات من المهرجانات المخصصة للجاليات المهاجرة كما في المسارح والمهرجانات الفنية في فرنسا وإيطاليا وبلجيكا وألمانيا. المنعرج الذي أحدثه الهادي قلة في الأغنية التونسية وقد غنى بالعربية والدارجة لابي القاسم الشابي والمولدي زليلة ومحمود درويش وبلند الحيدري وإيليا أبو ماضي وسميح القاسم وأدى أغاني الشيخ إمام وسيد درويش..كان له الأثر الكبير في ظهور عدد من المغنين والمجموعات الموسيقية الملتزمة في تونس، فظهر على الساحة الغنائية ومحمد بحر وتوفيق المستاوي والزين الصافي والأزهر الضاوي وفرق البحث الموسيقي وعشاق الوطن والحمائم البيض.. ولكنه وصل إلى قمة الشهر بنشيد الهجرة «بابور زمر» الذي كتب كلماته المولدي زليلة ولحنه وغناه بنفسه وحكى من خلاله بصدق عن هجرة الشبان التونسيين إلى البلدان الأوروبية في بواخر مزدحمة يحشرون فيها كالدواب او كما حشر الأفارقة السود عبيدا في رحلتهم إلى أمريكا في عرض البحر بسبب انعدام أسباب الحياة الكريمة في تونس كما غنى» أكرم المعادن»و«خطوات في الغربة» لبلند الحيدري و«برقية من السجن» و«سجل أنا عربي» و«سأهديك غزالا» لمحمود درويش. رحل الهادي قلة الذي غنى للمظلومين وللفقراء والمهاجرين وللقضية الفلسطينية وتجاوب معه الطلبة والنقابيون وترك رصيدا هاما من الأغاني التي لن يذكر إلا وتطفو على سطح الذاكرة كأغنية «بابور زمر «التي قال فيها زليلة: بابور زمّر خش البحر.. عطى بالظهر.. لارض الوطن عز الوكر.. بابور زمّر خش الغريق سالك طريق.. قدا أرض غربة تشيح الريق.. عاطي بظهره لوجه الصديق.. وقلب الرفيق.. وجوه الاهالي طافية صفر هم و كدر.. بابور زمّر بالصوت عالي عل الوطن جالي.. يحمل شباب عالشعب غالي.. قداه اليدين ترعش تشالي دمع الأهالي.. يلذع و يجرح شبح النظر.. حرق الشفر..