شاهدت الشريط الوثائقي الذي أعده المخرج فوزي شلبي عن الشاعر منور صمادح الذي اختار له عنوان أشهر قصائد منور «كلمات» عنوانا له ، هذا الشريط شاهدته أكثر من مرة لأستحضر من جديد سيرة هذا الشاعر الذي عاش غريبا ومات غريبا ولأقف مرة أخرى على حجم النسيان والتجاهل الذي عانى منه منور حيا ويعاني منه ميتا.
إن منور صمادح هو شهادة عن حجم التنكيل الذي يمكن أن يتعرض له المثقف إذا أصر على قول لا وإذا دافع عن السير خارج السبل المسطورة والسباحة في المياه النادرة .عاش منور محنة وجودية قادته الى غياهب وسراديب الداخلية وممرات مستشفى الأمراض العقلية الرازي الذي أصبح من رواده الدائمين .
حلم منور بدولة ديمقراطية لا مكان فيها للمحاباة ولا للاقصاء ولا مقياس فيها للتعيين والمسؤولية إلا الكفاءة ولكنه استيقظ على واقع آخر تضاءلت فيه حظوظ المناضلين ليحتل مكانهم الانتهازيون وعديمو الضمير الذين لاحقوا منور وطاردوه الى ان فقد كل توازن نفسي بعد رحلة نادرة من العطاء الثقافي والنضال السياسي .
وإذا كان منور قد عانى من الإهمال في حياته بل النسيان المتعمد فإن حكومة ما بعد 14 جانفي من المفروض أن تمنحه ما يستحق من اهتمام باعتباره أحد شعراء تونس النادرين الخارجين عن السرب .
لابد من تخليد منور صمادح من خلال تدريسه في المعاهد الثانوية والجامعات ومنح اسمه لمعاهد وشوارع ومدارس ابتدائية ومؤسسات ثقافية لأن منور شاعر لن تنساه الذاكرة بل سيبقى في الوجدان الجماعي أليس هو الذي كتب «سيموتون بلا ذكرى وتبقى الكلمات».