مؤشرات عديدة تقول إن أسعار المحروقات قد تشهد خلال الفترة القادمة ارتفاعا، لكن الامر قد لا يتوقف حد المحروقات فحسب بل قد يشمل مواد وسلعا يستوجب انتاجها استهلاك مواد طاقية. وفق ما ذكرته مصادر مختلفة فإن مشروع قانون المالية التكميلي الذي يجري النظر فيه الآن يشمل تنصيصا على الترفيع في أسعار المحروقات على اعتبار أنّ ذلك سيوفر موارد مالية بقيمة 145 مليون دينار بالنسبة للتسعة أشهر المتبقية من 2012.
ويشير المشروع الذي صادقت عليه الحكومة، حسب المصادر ذاتها، إلى زيادة بقيمة 100 مليم في سعر اللتر الواحد من البنزين و60 مليما للغازوال العادي و70 مليما للغازوال الرفيع و60 مليما للبترول الصناعي و60 دينارا للطن من الغاز الصناعي و30 دينارا للطن من الفيول.
لا يهم الجميع؟؟
حسب الفلسفة العامة لهذا التعديل المُقترح فان الترفيع في اسعار المحروقات لا يهم الطبقة الفقيرة وجانبا كبيرا من الطبقة المتوسطة بل يهم فقط فئة قليلة من الشعب يمكنها تحمل هذا الترفيع، وليس أدل على ذلك من أن التعديلات حسب المقترح المذكور لن تشمل مادة البترول الأزرق « القاز» (سعر البيع للعموم 810 مليم/لتر) وقارورة الغاز المسيل (سعر البيع للعموم 7400 مليم/قارورة).
فهو سيهم الفئة التي تملك عربات تنقل خاصة، وهي عادة (حسب الفلسفة المذكورة) لها مداخيل محترمة ولا تعاني مقدرتها الشرائية من صعوبات كثيرة، أو الفئة التي تملك عربات نفعية ( التاكسي اللواج الشاحنات المعدات الثقيلة..) او منشآت صناعية تعتمد على البترول الصناعي أو على الغاز الصناعي او على الفيول، وهذه الفئات توفر أرباحا مالية من خلال استغلالها للمحروقات.
وبالتالي دائما حسب الفلسفة المذكورة لن تتأثر هذه الفئات كثيرا بالترفيع في أسعار المحروقات لأنها تحقق مرابيح من خلال استغلال الوقود... وفي المقابل فان الدولة ستجني من وراء ذلك موارد محترمة تساعدها على تأمين مختلف حاجيات البلاد من تنمية وبنية تحتية ومرفق عام ودعم مواد غذائية..لكن هذه المبررات يرفضها كثيرون لعدة أسباب.
المتوسطة دون المتوسط
طيلة السنوات الماضية، كان نظام بن علي يردد باستمرار ان الطبقة الوسطى في تونس شهدت توسّعا واضحا وانها تتجاوز تقريبا 81% من مجموع السكان مقابل تراجع نسبة الفقر إلى 3,8%.
غير أن خبراء الاقتصاد والمختصين في شان السوق يطلقون اليوم صيحة فزع للقول إن هذه الارقام مغلوطة ولم تعد صالحة اليوم بسبب ارتفاع نسبة الفقر وأيضا بسبب التقارب الكبير الذي أصبح بين الطبقتين الوسطى والفقيرة بفعل غلاء المعيشة وتدهور حالة المداخيل. فباستثناء بعض الميسورين، أصبح أغلب أفراد الشعب التونسي ينتمون إلى طبقة متقاربة يمكن وصفها ب «الطبقة دون المتوسطة»، إلى جانب الطبقة الفقيرة. واصبح المنتمون لهاتين الطبقتين يجدون صعوبات كبرى في توفير المستلزمات الضرورية للعيش، بمن في ذلك أصحاب الشغل القار والموظفون من أصحاب الشهائد العليا المحسوبون على الطبقة الوسطى والذين يملك بعضهم سيارات. فلولا التداين البنكي وغيره لما قدر كثيرون منهم على توفير سيارة أو بعض المستلزمات الاخرى.
وبالتالي فإن القول بان هذا الترفيع لن يؤثر عليهم كثيرا (بحكم انتمائهم إلى الطبقة المتوسطة) فيه الكثير من المغالاة والمغالطة وهو عكس ذلك سيزيد في الصعوبات المالية لأصحاب السيارات العائلية أولا ولكل أفراد الشعب ثانيا.
أسعار اخرى سترتفع
على امتداد السنوات الماضية، لم يمر ترفيع واحد في أسعار المحروقات دون أن تتبعه زيادات أخرى في مختلف المواد الاستهلاكية والخدمات. فأغلب القطاعات الاقتصادية مرتبطة ارتباطا وثيقا باستهلاك المحروقات (فلاحة صناعة تجارة نقل عام وخاص خدمات) وكل ارتفاع في أسعار الوقود سيزيد من تكاليف الانتاج لديها وستضطر تبعا لذلك للترفيع في اسعار البيع.
ويُنتظر أن يكون قطاع النقل (التاكسي اللواج النقل الريفي شركات النقل الجماعي والسياحي..) من أول المطالبين بالزيادة في معلوم النقل لأنه القطاع الاول في استهلاك البنزين والغازوال وبالتالي يمكن انتظار زيادة في أسعار النقل في الفترة التي تلي الزيادة في اسعار الوقود.
كما ان قطاع الصناعة قد يسعى هو الآخر إلى تغطية التكاليف الاضافية المترتبة عن الزيادة المحتملة في تكاليف الانتاج المترتبة عن الزيادة في أسعار الغازوال والغاز الصناعيين والفيول وهو ما قد يترتب عنه ارتفاع ملحوظ في اسعار بيع مختلف المواد الصناعية بما فيها المواد الغذائية ومواد التجهيز وغيرها.
ومن جانب ثالث فان قطاع الخدمات لن يترك ارتفاع اسعار الوقود يمر دون أن يرفع من أسعار خدماته خاصة بالنسبة للقطاعات التي تعتمد كثيرا على الوقود الذي ستشهد اسعاره ارتفاعا. كما ينتظر ان ترتفع اسعار المواد الفلاحية بما ان الفلاحة العصرية تعتمد في أغلبها على المعدات التي تشتغل بالغازوال (جرارات – محركات الري ...).
مدعم..لكن
رغم الترفيع من حين لآخر في أسعارها، إلا ان المحروقات هي من المواد المدعمة من الدولة .وتقول السلط الرسمية إن الدعم موجه عادة للطبقات الفقيرة، لكن بالنسبة لعدة مواد مثل المحروقات والحبوب والزيت النباتي فان الدعم يستفيد منه الاغنياء ايضا بدليل أن عدة أشخاص ومؤسسات يحققون مرابيح هامة من خلال استعمال المواد المدعمة من الدولة.
وحسب مختصين اقتصاديين فان بلادنا باتت اليوم في حاجة إلى منظومة متطورة تفصل بين الدعم الموجه للاستهلاك العائلي وللفقراء وبين الدعم الموجه للطبقات الميسورة او للاستهلاك النفعي (لتحقيق مرابيح). وعلى ذلك الأساس، فان سعر بيع الوقود مثلا يجب ان يختلف من فئة إلى أخرى فيكون مثلا أرفع عندما يكون موجها للاستهلاك الصناعي او غيره (النقل مثلا أو الخدمات) ويكون أقل عندما يكون موجها للاستهلاك العائلي (مثلا بالنسبة لوقود السيارة العائلية وبالنسبة لقوارير الغاز العائلي وبالنسبة للكهرباء العائلية)، وهذا ما يسمى بتوجيه الدعم لمستحقيه. ويمكن للدولة بفضل هذه المنظومة ان تحافظ على سياسة الدعم للفقراء ولمتوسطي الحال وأن تقلص منه بالنسبة للبقية.