لم تسلم بلادنا إلى حدّ اليوم من براثن جزء كبير من إرث الماضي البغيض، ومن الجليّ أنّه لا بُدّ من «وقت إضافي» حتى تُستكمل معالم الثقافة الجديدة التي يجب أن تعمّ أبناء الوطن كلّه، من جنوبه إلى شماله ومن شرقه إلى غربه ، ومن كلّ فئاته واتجاهاته.
مؤسف جدّا أن تتمسّك العديد من الأطراف، ومنها نخب وفاعلون سياسيّون» بسلوكات ضديدة للثورة وتوجّهات التغيير والانتقال إلى أفق جديد يوفّر للتونسيّين جميعا الكرامة والحريّة.
لم يسلم تاريخ الدولة التونسيّة على مرّ العصور من مزالق الكراهيّة والحقد وتصفية الحسابات بما فيه من إقصاء وتهميش وازدراء وسخريّة وتهكّم وضغائن وما إليها من مظاهر انعدام التسامح والإيمان بالعيش المشترك.
تفاجأ اليوم باتهامات وأحاديث البعض منها يمرّ عبر مختلف الوسائط الإعلاميّة ويمتزج برائحة «الدكتاتوريّة» بما تتضمّنه من سعي محموم إلى رفض الآخر والرغبة في الهيمنة والسيطرة والاستعلاء.
يتعدّى الأمر أن يكون «مخزونا» اجتماعيّا من «تجارب» العبوديّة البائدة التي عرفتها بلادنا وغيرها من دول وشعوب العالم لفترات طويلة ، يتجاوز ذلك «المخزون الاجتماعي» الرديء إلى «عبوديّة حداثيّة» يُمارسها أناس «مثقفون» و»جامعيّون» خبروا العلوم والدراسات الأكاديميّة وتوقّفوا عند التطوّر الّذي عرفتهُ نظريات علم الاجتماع البشري نحو الانسجام والقبول بالعيش المشترك والدعوة إلى قداسة الحريّة وكرامة الذات البشريّة.
ألفاظ مستهجنة سبّا وقدحا وثلبا وتحقيرا واستهزاء... ، تتزامن مع احتلال موقع من عليّ (من فوق) فيه الكثير من النرجسيّة المقيتة وحبّ الذات الفرد ونكران «الآخر» والسعي إلى حرمانه ليس فقط من التعبير عن رأيه ووجهة نظره وما يعتمل في فكره وخاطرته ، بل يتعدّى ذلك إلى ممارسة في غاية الدكتاتوريّة لحرمان هذا الآخر من حقّه في الوجود مرّة واحدة.
إنّ من أخطر ما قد يُهدّد مسيرة الانتقال الديمقراطي ، هم هؤلاء «الدكتاتوريّون الجدد» المتغطّون بجلابيب الثقافة والعلم والحداثة والتنوير والمفترشون لقيم الحرية والانعتاق والحق في الوجود.
إنّه من الغريب والعجيب والمدهش أن يستعدي البعض قناعاته ومبادئه التي ناضل ودافع عنها طويلا ويضربها في الصميم بسلوك إقصائي فيه الكثير من «الغبن السياسي» و»العهر الثقافي» ليعمل جاهدا وبكلّ ما لديه من آليات ووسائل للهيمنة وتحقير الغير المخالف.
إنّ مثل هذه السلوكات المنتشرة اليوم بين جزء كبير من نخبنا والفاعلين السياسيين أنفسهم والتي وجدت لها طريقا سالكا في العديد من الوسائط الإعلاميّة ، هي خطر فتّاك لأنّها مدعاة للغلوّ والتطرّف والازدراء بقيم التعايش والإيمان بالآخر.
والخطير في كلّ ذلك أنّ يكون هؤلاء الدكتاتوريون الجدد يتحركون وفق أجندات معلومة منظرين بوعي وإدراك كاملين لبثّ الفتنة والفرقة بين أبناء الشعب لإفساد مسيرته نحو الغد الأفضل حيث العيش المشترك والإيمان العميق بالآخر وحقّه في الوجود....لا تخادعوا أفكاركم ولا تخونوا نضالاتكم وارحموا شعبكم.