لا تزال المدّة التي من الممكن أن يستغرقها عمل المجلس التأسيسي ومن ثمة الحكومة محلّ لُبس وغموض ممّا يثير تساؤلات عن احتمال تمديد هذه المرحلة الانتقالية... فهل من مصلحة الائتلاف الحاكم التمديد في هذه المرحلة أم أنّ مصلحة البلاد تقتضي الإسراع وإنهاء هذه المرحلة في أقرب الآجال؟ وتكاد جميع مكونات الساحة السياسية تُجمع على ضرورة ألّا تتجاوز هذه المرحلة السنة الواحدة وإذا ما تجاوزتها فبأشهر قليلة، وهذا ما اتفق عليه 12 حزبا خلال توقيعها ما يُعرف بوثيقة الانتقال الديمقراطي في سبتمبر الماضي، وكان حزب المؤتمر من أجل الجمهورية من بين الأحزاب التي امتنعت عن التوقيع على تلك الوثيقة. ويرى حزب المؤتمر أحد أضلاع الائتلاف الحاكم أنّ هذه المرحلة التي تلي انتخابات المجلس التأسيسي هي مرحلة تأسيسية وليست مرحلة انتقالية وهذا هو الاختلاف الجوهري بين المؤتمر وبقية مكونات «الترويكا» وقد برّر رئيس الجمهورية الحالي والرئيس السابق لحزب المؤتمر المنصف المرزوقي هذه الرؤية بأنّ ما هو مطروح اليوم في تونس يتطلّب وقتا طويلا للانطلاق في عملية الإصلاح وبالتالي لن يكون من الممكن لحكومة تعمل لمدة عام واحد أن تقوم بكلّ ذلك مقترحا أن تدوم هذه «المرحلة التأسيسية» كما يسميها 3 سنوات. وقد دعا المرزوقي منذ مرحلة ما قبل انتخابات «التأسيسي» إلى تنظيم مؤتمرات وطنية حول أبرز القضايا المطروحة اليوم في تونس لوضع استراتيجيات المستقبل مع تشكيل حكومة ائتلاف وطني يمكن أن تستمر في العمل ثلاث سنوات لإتاحة الفرصة لها لتنفيذ البرامج التنموية الملحة معلّلا ذلك بأن أية حكومة تعرف أن مهامها ستنتهي خلال سنة لن تكون قادرة على مواجهة الوضع الاقتصادي المتدهور. ورغم دخول «المؤتمر» في ائتلاف مع «النهضة» و«التكتل» وما قد يقتضيه ذلك من توافق حول أهم المسائل ومنها مسألة مدة عمل المجلس التأسيسي يبدو حزب المؤتمر من خلال خطابه متمسّكا بهذه الرؤية رغم ترك الباب مفتوحا لاحتمال الاتفاق مع بقية المكونات حول هذه النقطة إذا ما نجح المجلس التأسيسي في إعداد دستور في آجال معقولة لا تتجاوز العام ونصف العام وفي تحديد موعد للانتخابات القادمة. أمّا حركة «النهضة» التي تقود الائتلاف الحاكم فيرى البعض أنّها تسعى إلى البقاء أكثر ما يمكن في السلطة خدمة لمصالحها الانتخابية في المرحلة القادمة وحتى تتمكّن من إنجاز برامجها الواردة في بيان الحكومة او تلك التي أعلنت عنها في برنامجها الانتخابي. لكن عضو المكتب التنفيذي للحركة عبد الحميد الجلاصي أكّد أنّ «النهضة» لا ترى أنّ من مصلحة البلاد تمطيط المرحلة الانتقالية الثانية بل على العكس من ذلك تقتضي مصلحة البلد الوصول إلى توافقات وإلى إعداد دستور جديد وإجراء انتخابات في أقرب الآجال ، وقال الجلاصي إنّ المطلوب من لجان المجلس التأسيسي الإسراع في عملها حتى تتجه البلاد في أقرب وقت إلى انتخابات تُفرز حكومة مستقرة لأنّ الوضع الحالي انتقالي يؤثر نفسيا على المستثمرين وعلى المواطنين ولن يكون كافيا لتنفيذ مشاريع الإصلاح. وأضاف الجلاصي أنّه فضلا عن كلّ ذلك فإنّ هناك التزاما سياسيا وأخلاقيا حول المدّة وذلك في الوثيقة المشار إليها والتي وقّع عليها 12 حزبا في منتصف سبتمبر الماضي. وأكّد الجلاصي أنّ «البلاد يجب أن تصل إلى انتخابات في أسرع وقت وأن نكون حاسمين في ذلك، يجب أن نصل إلى وضع مستقرّ حتى يكون بإمكان الحكومة القيام بعمليات إصلاح طويلة المدى.» وفي السياق ذاته أكّد رئيس كتلة حزب التكتل بالمجلس التأسيسي المولدي الرياحي أنّه «ليست من مصلحة أي طرف أن يُمطَّط في هذه المرحلة الانتقالية لأنّ تمطيطها لا يعود على البلاد بالفائدة، ذلك أنّ الوصول إلى مرحلة الشرعية بعد صياغة الدستور الجديد يُعطي الإمكانية لمجلس النواب الجديد أن يلعب دوره في مراقبة الحكومة وأن يلعب دوره التشريعي ويفسح المجال أمام الحكومة الجديدة ليكون امامها متسع من الوقت للانطلاق في الإصلاحات الجوهرية في مختلف الميادين الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية. وأضاف الرياحي «من ناحية أخرى فإنّ لهذه الحكومة التزاما أدبيا وسياسيا وأخلاقيا بألّا تتجاوز هذه المرحلة الانتقالية السنة أو أكثر من ذلك ببضعة أشهر، ومع ذلك فإنّه ينبغي على الحكومة الحالية – اعتمادا على برنامجها الذي طرحته وعلى الميزانية التكميلية – أن تستجيب لانتظارات البلاد وانتظارات الشباب في ما يتعلق بالإجراءات الضرورية وخاصة في موضوع التشغيل وتحسين الظروف الاجتماعية وتحسين المرافق الأساسية وضمان الاستقرار وعودة الأمن بما يساعد على دفع عجلة الاستثمار ويُعيد الطمأنينة إلى النفوس.