اليوم 19 مارس.. منذ 22 سنة بأيامها ولياليها ودّعت الساحة الفنية التونسية بصفة خاصة إحدى رائدات الأغنية في هذه الربوع الجميلة من الوطن العربي الكبير. عليّة.. صوت وجدان الانسان التونسي بكل صفاء.. صوت نذر حياته للإبداع الموسيقي التونسي الأصيل. لئن ولدت وترعرعت الراحلة علية في بيئة فنية عشقت الفن الرابع وأبدعت فيه من خلال والدها الفنان المسرحي الراحل البشير الرحال، فإنها خرجت عن (بيت الطاعة) إن صحّ التعبير واختارت التأسيس ثم التأثيث لمسيرة غنائية متفرّدة، فكان أن بادرت بالتردّد على مجالس الطرب لتصبح بعد ذلك إحدى رائدات الرشيدية، في كل أغنية من أغانيها قصّة وحكاية.. عبرة وتاريخ. مع الدكتور صالح المهدي وتحت رعايته الفنية انطلقت الراحلة علية (اسمها الحقيقي كما هو معروف بيّة الرحال وقد اختار صالح المهدي علية اسما فنيا لها).. وكانت البداية بقصيد «أين أيامي الوديعة» ثم «نظرة من عينيك تسحرني» ف«الحبّ نظرة» لتتتالى الألحان والأغاني التونسية الأصيلة فكان أن شدت برائعة الشاعر الكبير عبد المجيد بنجدو «بني وطني» في تلحين للشاذلي أنور خلّد فيه الصمود البطولي لبنزرت في وجه الاحتلال الفرنسي.. وغنّت «يا مداوين النّاس» لتؤكد السعي والبحث على ما يبعث الاطمئنان في الناس من لهيب الحياة في كل معانيها، وارتقت بقصيد «الساحرة» للشاعر جعفر ماجد حيث مراتب العاطفة السامية.
نوّعت علية في أغانيها وانتصرت على كل ما اعترضها من عراقيل بتأسيس خطّ فني قوامه التعابير الصادقة والصوت القوي الذي ينصهر الى حدّ الذوبان في كل ما يقدمه من أغنيات دون تردد ولا تكلّف.. فكان أن كسبت الرهان وحتى وإن اختارت الهجرة الى مصر فإنها بذلك كانت قد فتحت المجال واسعا للأصوات التونسية لتتبوّأ مكانة بارزة تحت شمس الابداع الموسيقي في مصر، فكانت لطيفة العرفاوي ثم الراحلة ذكرى دون أن ننسى سميرة بن سعيد من المغرب والقائمة طويلة في هذا المجال. لا غرابة والحال تلك أن تكون الراحلة علية منذ رحيل الصوت الخالد صليحة واحدة من أقوى وأقدر وأنقى الأصوات التونسية على اعتبار حرفيتها في التعامل مع المقامات والنغمات التونسية والشرقية على نفس مستوى الحماس والتميّز والاقناع والامتاع..ولا غرابة أن تظلّ علية، واليوم تمرّ 22 سنة على رحيلها، ذكرى خالدة في المدونة الغنائية التونسية والعربية فهي صوت الابداع الذي لا يندثر.
حكاية في الذكرى
في لقاء خاطف مع الدكتور صالح المهدي تحدث فيه عن الراحلة علية فأكد أنها كانت على علاقة صداقة متينة ومتميزة وحميمة مع الراحلة صليحة وكشف أنه بعد أن قام بتلحين أغنية «هلّولة آه يا هلّولة» احتار لمن يسندها فكان أن جمع الاثنتين معا ليجري عملية القرعة.. وتمّ ذلك وكانت هذه الأغنية من نصيب صليحة إلا أن هذه الأخيرة تنازلت عنها لفائدة عليّة.