يرقد مهران السلطاني، الشاب الذي قُطِعتْ يده في جندوبة، في غرفة الانعاش بقسم الجراحة العامة بمستشفى الرابطة بالعاصمة في وضع صحّي يصفه الأطباء بالصعب. وفي انتظار استفاقته من غيبوبته يستمرّ التساؤل حول الاسباب التي دفعت بالمعتدين الى قطع يده وضربه بتلك الطريقة «البشعة جدّا» على حدّ وصف الاطباء. وذلك ما عاينّاه من خلال توقّف بعض المارين في بهو المشفى أو في داخل ممراته وحيث وُجد أفراد عائلة مهران للتساؤل «ما الذي حدث بالضبط مع ابنكم؟ ولماذا قطعوا يده؟». أغراض ذات السؤال ردّده الآلاف من التونسيين بداية الاسبوع الجاري بعد تَردد أنباء عن «قطع يد سارق بقرة من قبل سلفيين في جندوبة» تماما كما ردّد، من فَهِم هذه العبارة ومن لم يفهمها، «انطلاق تطبيق الحد» من قبل المتشددين دينيا في البلاد التونسية. إلاّ أن الحديث الى أهله يُعطي لما حدث صورة أخرى تخلو من السياسة. «ابني ضحيّة «بونتوات» فقد سبق وأن تخاصم مع المعتدين في مرّات سابقة وجُرحت يده في إحدى المعارك بعد تدخله لمناصرة عمّه وحتّى لا يتّهمهم بالاعتداء التحقوا به الى المستشفى وهددوه بالذبح ممّا اضطرّه الى الهرب من المستشفى وهاهم يتعرضون له مجددا ويحاولون قتله ثمّ تشويه سمعته بالقول إنّه سارق لذلك استحق العقاب» هكذا تقول والدته صبيحة المليتي بعيون دامعة. تبكي مرة اخرى وهي تضيف بصوت مخنوق «شوولي كبدي». يبلغ مهران 20 سنة من العمر وقد سبق له ان اجتاز امتحان شهادة الباكالوريا العام الماضي ولم ينجح فقرّر الانقطاع عن الدراسة. وقد بادر خلال الفترة الاخيرة بمساندة عمّه القاطن بقرية السواني، الواقعة على بعد 12 كلم عن مدينة جندوبة، والذي خاض معركة عقارية مع أحد أبناء القرية. «هناك فلاّح من أبناء القرية تحوّز منذ سنوات على أرض تعود ملكيتها للدولة وكان من المفروض ان يتم تشييد معهد ثانوي عليها ثمّ عُدّلت خطّة استغلالها فخُصّصت كمساحة لتشييد المساكن الاجتماعية في اطار برنامج ازالة الاكواخ إلاّ أن هذا الفلاّح تحوّز عليها وقام بزرعها واستغلالها وبعد الثورة قام عمّي باستغلال مساحة صغيرة من تلك الارض لتشييد منزل فوقها ودخل في صراع متواصل مع المستغِلّ وفي كلّ مرة كان شقيقي يتدخّل لنصرته ومن هناك تكوّنت حالة من الغيظ والحقد بين الخصوم» هكذا تقول شقيقته هناء. أمّا القول بأنّ المعتدين سلفيون فتلك «رواية سياسيّة لا تعنينا ولم نقلها ولسنا مسؤولين عمّا يردده الناس من أخبار حول الحادثة هؤلاء مجرمون متنكرون باللحي» على حدّ قول والدته صبيحة المليتي. ويتدخّل خاله عادل الرياحي ليضيف «ابن مستغِلّ تلك الارض شاب ملتح وقد استنجد بملتحين في أكثر من معركة لمناصرته ضدّ مهران وعمه وهؤلاء ملتحون دون أن تكون لهم شوارب (جمع شارب)». يروي أفراد عائلة مهران السلطاني أيضا أن المشكل العقاري وصل الى المحاكم وانتهى الامر الى الحكم لفائدة الدولة باسترجاع الارض وانتزاعها من مستغلّها فحزّ ذلك في نفس الفلاّح وجعل أنصاره يحرقون منزل عمّ مهران وتمّ القاء القبض عليهم «فاحتجّ أهاليهم الامر الذي عجّل باطلاق سراحهم بعد 12 ساعة من الايقاف ومباشرة بعد مغادرتهم التوقيف اعتدوا على شقيقي مهران بتلك البشاعة» وفقا لما قالته هناء. نيّة القطع في تلك الامسية، أمسية الاعتداء عليه، توجّه مهران لنقل صديق له الى منزل أسرته بأحد المسالك الفلاحية البعيدة عبر درّاجته النارية بسبب غياب وسائل النقل في تلك الساعة «وقد لاحظ شاهد عيان، وهو صديق لابني، أن خصوم مهران يتبعونه بسيّارة فهاتفه عبر الجوّال وحذّره وقال له إنهم يتبعونك كن حذرا»...تصمت السيدة المليتي قليلا ثمّ تضيف بعينين دامعتين «صديق ابني سكنه الشك فالتحق بمهران وشاهد عمليّة الاعتداء عليه وسمعه يصرخ ويستنجد لكن لا من مجيب في منطقة زراعية خالية من السكّان ومن المواشي التي يقولون إنّ ابني كان بصدد سرقتها». كما روت أن شاهد العيان اختبأ الى أن انصرف المعتدون ثمّ أسرع لنجدة صديقه في ذات اللحظة التي كانت هي فيها تتصل بابنها فأعلمها بأنّ مهران تمّ الاعتداء عليه بعنف شديد قائلا «اجري ولدك قتلوه». تمّ نقل المتضرر لإسعافه في ولاية جندوبة ثمّ تمّ نقله الى مستشفى الرابطة بالعاصمة يوم الاربعاء الماضي بسبب صعوبة حالته. «كانت جروحه متعفنة تعفنا كبيرا الأمر الذي اضطرنا لاتخاذ قرار قطع اصبعي يده اليمنى الاكثر تضررا (الخنصر والبنصر) علما وأنّ اصبعه الوسطى كانت مقطوعة تماما يعني وصل الى المستشفى بيد منقوصة وبعد يومين اتخذنا قرار قطع يده الى المعصم» وفقا لما ذكره طبيبه المباشر الدكتور شكيب خميري، جرّاح في قسم جراحة العظام بالمستشفى. كما صرّح الدكتور خميري ل«الشروق» أن المتضرر يعاني من كسر مركّب في يمناه الامر الذي انجرّ عنه قرار القطع ومن كسر مركّب في يده اليسرى على مستوى المرفق ومن اصابات بليغة على مستوى الرأس. وردّا عن سؤالنا حول طبيعة الاصابة في يدي المتضرر إن كانت جرّاء دفاع عن النفس أم هي اعتداء متعمّد وذلك من خلال معاينته لتلك الاصابات قال الدكتور خميري «يده اليسرى مصابة في حالة دفاع عن النفس أمّا اصابة يمناه ليست دفاعا عن النفس بل هناك نيّة لقطعها بآلة حادة إذ كان الكسر مركّبا وبشعا فالآلة التي تمّ استخدامها قطعت اللحم وتسببت في تهشّم عظم يده ما يعني وُجود نيّة القطع». من جهته قال الدكتور نوفل بن دالي رئيس بالنيابة لقسم جراحة العظام بمستشفى الرابطة إنّ «اصابات مهران تنم عن تعرّضه الى عنف شديد لم نر سابقا له» مؤكدا أن حياته ليست في خطر لكن ما تعرّض له قد يتسبب له في بعض التأثيرات الجانبيّة.