شهد أمس شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة مسيرة حاشدة ضمت آلاف المتظاهرين المطالبين بضرورة أن تكون تونس دولة حداثية تكرس الوسطية والاعتدال من خلال دستور تقدمي يعكس طموحات التونسيين بعيدا عن العودة إلى دكتاتورية جديدة. هذه المسيرة التي تزامنت مع عيد الاستقلال والتي امتدت على طول شارع الحبيب بورقيبة جمعت بين أطياف سياسية واجتماعية وثقافية مختلفة حيث شارك فيها سياسيون ونقابيون وفنانون وطلبة وعاطلون عن العمل وأساتذة جامعيون وإعلاميون وغيرهم الكل ينادي بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وهي الشعارات التي وحدت الشعب التونسي يوم 14 جانفي وأدت إلى رحيل بن علي إلا أنه لم يقع تفعيلها إلى اليوم من خلال تهميش المطالب التي ضحى من أجلها الشعب وذهب ضحيتها عديد الشهداء . شعارات «الشعب لا يريد دكتاتورية من جديد» «الشعب يريد دولة مدنية» «التشغيل استحقاق لا رجعية ولانفاق» «سحقا سحقا للرجعية دساترة وخوانجية» «صحة اللحية يا تجمع» «نعم للتفكير لا للتكفير» و«عهدا عهدا يا شهيد عن المبادئ لن نحيد» وغيرها من الشعارات رفعها المتظاهرون الذين أبدوا استنكارهم من ضبابية موقف الحكومة تجاه دعوة السلفيين إلى اقحام الشريعة في الدستور وعدم تطبيقها للقانون على بعض «المعتدين على الدين وعلى الوطن» على غرار عملية انزال راية تونس في كلية الآداب بمنوبة ورفع نجمة داوود بجامع الفتح وممارسة السياسة في المساجد اضافة إلى الاعتداءات المتكررة بالعنف التي أصبحت تعيشها البلاد من حين لآخر واعتبر المتظاهرون أن في ذلك محاولة لتغيير مسار الدولة من شكلها المدني الديمقراطي إلى شكل آخر لا يستجيب لمبادئ ثورة الكرامة ولا يؤدي إلا إلى دكتاتورية جديدة وهو ما عبرت عنه «أم زياد» مؤكدة أن الشعب التونسي بمختلف انتماءاته الحزبية عانى من الدكتاتورية وما الشريعة الاسلامية إلا اجتهادات لا يمكن إلزامها على هذا الخليط الجميل وخاصة الاجيال القادمة التقدمية حتما» واضافت «اذا كانت هناك موجات ظلامية تريد اجتياح هذا الشعب حديث العهد من الخروج من ظلامية بن علي فعلى النهضة تحمل مسؤوليتها وحسم موقفها وتطبيق القانون» مؤكدة أن سكوت النهضة عن أفعال السلفيين يعني أنهم حديقتها الخلفية واحتياطها الانتخابي وختمت حديثها بأنه لا مجال لتحكيم الشريعة الذي طبقته السعودية والسودان وإيران والذي عانت خلاله المرأة الويلات. من جانبها أوضحت الاستاذة «سعيدة قراش» أن نزول التونسيين يوم 20 مارس إلى الشارع فيه رمزية كبيرة وهو محاولة لاستعادة تاريخ تونس المستقلة والحديثة والمدنية والديمقراطية رافضة أن يتم تحويل هذا الخيار إلى خيار ديني لا يقوم على المواطنة بما يعنيه من مساواة بين الرجال والنساء في الحقوق والواجبات. أما الممثل توفيق الغربي الذي استهل حديثه معنا بموقفه من الاتهامات الموجهة إليه من قبل بعض الأطراف السياسية على صفحات «الفايس بوك» والتي تنعته «بالتجمعي» متسائلا : «هل أن التجمعيين الذين انخرطوا في حزب النهضة قد تحصلوا على صك التوبة؟» وأبدى الغربي استياءه من عدم رفع الحكومة لعلم تونس بشارع الحبيب بورقيبة في مثل هذا اليوم عيد الاستقلال وكأنها لا تعترف به وتحاول فقط «سجن البلاد» متناسية أن شباب تونس أكبر من ذلك وأقوى من ان تملي عليه قراراتها» وقال إن محاولة اقحام الشريعة في الدستور أمر مرفوض وإن تونس دولة اسلامية ولا تخضع للمزايدات . حل الحكومة والمجلس وهو ما أيده النقابي الطيب بوعايشة داعيا إلى ضرورة أن يتوقف المسار الذي انتهجته البلاد بعد 14 جانفي والذي يتناقض مع أهداف الثورة وقال إن ذلك لا يكون إلا بشرطين أساسيين هما حل المجلس التأسيسي وحل الحكومة باعتبار هما المسؤولين عما آلت إليه البلاد سواء من خلال النقاشات العقيمة حول الدستور أو من خلال تفاقم المشاكل الاجتماعية أو من خلال محاولة تقسيم البلاد بشعارات بعيدة كل البعد عن مبادئ الثورة التي وحدت الشعب التونسي وجعلته صفا واحدا. كما أوضحت السيدة فتحية حيزم (عضوة في الهيئة المديرة للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات) أن هؤلاء الذين ينادون اليوم بتطبيق الشريعة لم يشاركوا الشعب في ثورته المجيدة ولا مجال للالتفاف على مبادئها وقالت : «بقدر ما نتمسك بعروبتنا الاسلامية بقدر ما نطمح الى التفتح ونتمسك بالدفاع عن كل قيم الكرامة والحرية. هكذا إذن كانت مواقف بعض ممن تحاورنا معهم خلال هذه المسيرة التي رددت فيها شعارات الحرية والكرامة والتشغيل دون أن يغيب عنها النشيد الوطني.