أثار موضوع التنصيص على الشريعة الإسلامية ضمن الفصل الأول من الدستور حفيظة جانب هام من الأحزاب التي رأت في ذلك نيلا من الحداثة ومكاسب المرأة. وتعددت التصريحات لتوضح موقفها من المسألة ولعل آخرها تصريح مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي حيث قال إن دستور 1959 لا يتضمن إشارة مباشرة للشريعة، لكننا مسلمون ونحتكم إلى مبادئه العامة وقال صراحة «لا مجال لوضع الشريعة في الدستور". من جانبه قال وزير الداخلية علي لعريض حول مسألة التنصيص على الشريعة الإسلامية ضمن الدستور «إن الفرق واضح بين الخطاب والواقع وأن الميل من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار يمزق البلاد» مؤكد على ضرورة حلّ وسطي، وقال «إن أبشع صورة تقدم للتونسيين وأبشع جناية في حق الإسلام هو وضعه في مقابل الديمقراطية والدولة المدنية والحداثة وحقوق المرأة". وقد تسربت أخبار تفيد وجود تجاذبات داخل «الترويكا» تعكس نوعا من الانقسامات حول هذا الموضوع، ولاستجلاء الأمر عشية المسيرة التي تلتئم اليوم في شارع الحبيب بورقيبة تحت شعار «مسيرة الدفاع عن العلم واستقلالية القرار الديمقراطي» والتي ستتضمن من جملة المطالب «التمسك بالفصل الأوّل من دستور 1959» اتصلت «التونسية» ببعض رموز «الترويكا» وعديد الأحزاب لتوضيح بعض النقاط والوقوف على أغلب الآراء حول هذا الموضوع الحساس". يقول مولدي الرياحي رئيس كتلة «التكتل» بالمجلس الوطني التأسيسي، «إن هذا الموضوع أصبح من المواضيع الساخنة في الفترة الأخيرة ولم يكن مطروحا أبدا في السابق وقد قالت كتلة «التكتل» وبكل وضوح إنها لا تتفق مع هذا التمشي لأن ذلك من شأنه أن يدخل البلاد والشعب في متاهات ومزايدات نحن في غنى عنها، ذلك أن مصادر الشريعة وحدودها الزمنية ومضامينها تختلف ضبطا وتحديدا من طرف إلى آخر، وإن كان منطلق الشريعة هو القرآن والسنة فإن المنظومة التشريعية التي استنبطت الأحكام منها تمتد على إثني عشر قرنا بعد ذلك". وأضاف المولدي الرياحي: «يكفي التنصيص على الفصل الأول من دستور1959 لما حوله من وفاق بين مختلف العائلات السياسية والفكرية صلب مجتمعنا... وعلينا أن نحافظ على انسجام مجتمعنا ووحدتنا في إسلامنا وتوجهاتنا الحداثية وعلينا جميعا أن ننأى بالإسلام عن كل الخلافات العقائدية والتوصيفات والمزايدات السياسية، علينا أكثر من أي وقت مضى ألا تغيب عنا أهداف ثورتنا وليس من حقنا إضاعة الوقت أو أن نشغل المجتمع في قضايا لن تحل قضاياه". وأضاف: «من خلال مشاوراتنا مع حركة «النهضة» داخل المجلس التأسيسي، نتبين أنها تذهب في نفس الاتجاه ولم يرد في نصها أي تنصيص على أن تكون الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للتشريع ونعتبر أن التوجهات «السلفية» لا يجب أن تربك المجتمع التونسي والعائلات السياسية". وفي نفس الإطار يرى عبد الحميد الجلاصي القيادي في حركة «النهضة» أن هناك عدة نقاشات صلب الحركة حول المرجعيات الواجب اعتمادها في الدستور. ونفى عبد الحميد الجلاصي أن تكون «النهضة» دعت إلى إدراج الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للتشريع وقال: «طالبنا باعتماد المرجعية الإسلامية والتي يجب أن تكون مفتوحة على كل المرجعيات الإصلاحية من فكر العلامة إبن خلدون إلى الطاهر بن عاشور وبقية المدرسة الإصلاحية وعلماء الزيتونة". وأضاف: «لفظ الشريعة لفظ ملتبس وقد يدخل نوعا من الخلط في الأذهان، وينصرف التفكير مباشرة للقيود والحدود فإن كانت الشريعة في ذهن البعض قطع يد السارق وتقييد دور المرأة في المجتمع وما إلى ذلك من ضوابط فنحن نرفضها، لأننا مع نهج قيم الإسلام وهي التسامح والحرية والمعاني الجميلة وليس ما يسعى البعض لترويجه من خلال التنصيص على الشريعة". وقال: «هناك من يعتبر الفصل الأول من دستور 1959 كافيا وهناك من يدعو إلى ضرورة إدراج فصل آخر وهناك من يرى أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع ...هذه آراء وهي الآن محل نقاش بين مختلف الأطراف ونأمل أن يتوصل اعضاء المجلس التأسيسي إلى توافق وبقطع النظر عن الصيغة التي سيتم اعتمادها فالمهم أن ينسجم ذلك مع هويتنا". ويعتبر عبد الحميد أن «النهضة» تدعو إلى الاعتماد على «المرجعية الإسلامية» المفتوحة على المكاسب الإصلاحية وليس الشريعة الاسلامية وقال: «سنبحث عن توافق مع بقية الأحزاب لأننا نتبنى الديمقراطية وفهمنا للإسلام يعتمد على كل ماهو طيب وجميل لأن ذلك هو جوهر إسلامنا ونحن حريصون على تجنب التصدعات". أما فتحي الجربي القيادي في «المؤتمر» فقال: «لقد قمنا بثورة وأنفقنا أموالا طائلة على الانتخابات واخترنا من ينوبنا في المجلس التأسيسي، فليس من عنده فكرة يجب تنفيذها على أرض الواقع أوإدراجها ضمن الدستورالذي هو عقد اجتماعي بين الناس ، نريد التقدم لا العودة إلى الوراء، ربما قد نقبل بأن تكون الشريعة مصدرا من بين المصادر المعتمدة في الدستور لا أن تكون المرجع الوحيد ثم إن كلمة «شريعة» تتضمن عديد المدارس والقراءات وهو ما قد يخلق مشاكل لا طائل منها". وأضاف: «نريد دستورا يتلاءم ومتطلبات المرحلة الحالية وحتى اللاحقة، ثم إن الشريعة موجودة في دستور 1959 ومنها نستمد أغلب القوانين فلماذا لا نكتفي بالفصل القديم الذي نص على الهوية العربية وعلى أن الإسلام ديننا؟". ونفى محمد الحامدي من «العريضة الشعبية» من جهته أن تكون «العريضة الشعبية» بدورها قد دعت إلى اعتماد الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للتشريع وقال إن العريضة الشعبية دعت إلى اعتماد «الإسلام» وليس «الشريعة» كمصدر للتشريع، لأن الإسلام يحتوي على عديد القيم النبيلة وهو مصدر راحة للبشر وفيه من العدالة الاجتماعية ما نعجز عن إدراكه وقال: «إذا قلنا الشريعة فالناس سيتجهون نحو الحدود والقيود، ونحن نفكر في الإنسان من حيث صلة الرحم والعدالة ولم نذكر قط كلمة "الشريعة". وأضاف «لقد كنا واضحين داخل المجلس التأسيسي من خلال الدعوة إلى إدراج «الإسلام» ضمن الدستور وكنا الوحيدين ممن تحدثوا عن ذلك صراحة، أما كلمة «الشريعة» فلم ترد من داخل المجلس التأسيسي". واعتبر مصطفى بدري من «حركة الإصلاح والعدالة الاجتماعية» أن اغلب الأحزاب ضد المساس بالفصل الأول من دستور 1959 وقال: «التغيير يصبح ضروريا عندما يحصل إشكال لكن الفصل الأول من دستور 59 هو الفصل الوحيد الذي يمكن أن نتمسك به لأنه يتماشى وجميع التوجهات، وهو من النقاط التي اتفق حولها الشعب فعند صياغة هذا الفصل كانت الشريعة حاضرة في ذهن من كتبوا دستور 1959 خاصة أن أغلبيتهم كانوا من الزيتونيين". وقال: «حتى «النهضة» لم تطالب بتغيير الفصل الأول من دستور 59 ولكن يبدو أن السلفية، هذه الظاهرة التي باتت تثير الانتباه ، هي من تقف وراء الدعوة لاعتماد الشريعة كمصدر وحيد للتشريع وهو ما يفسر الوقفة التي قام بها أنصارها أمام المجلس التأسيسي . وقال إن هذه المسألة تعتبر مصيرية وإن لم يتم التوصل لاتفاق داخل المجلس التأسيسي فإننا ندعو إلى القيام باستفتاء ليقول الشعب كلمته".