أطلق المختصون صيحة فزع من تدني المستوى التعليمي للطلبة وأشاروا الى أن ضعف مستوى الكثير من خريجي المؤسسات الجامعية اليوم سوف ينعكس سلبا على الأجيال القادمة داعين الى ضرورة الشروع في الاصلاح قبل فوات الأوان. «تدني مستوى الطلبة من أسبابه الأساسية انغلاق المناخ السياسي طيلة العشرينية الماضية» هذا ما قاله الأستاذ العربي شويخة عضو مجلس علمي بمعهد الصحافة. وأوضح أن الطالب حرم من ممارسة السياسة فنتج عن ذلك الحرمان من البحث والنقاش في عديد المواضيع
وأضاف في نفس السياق أنه في الأثناء حتى الأستاذ كان ممنوعا من الدخول في أي حلقة نقاش مع الطلبة أثناء الدرس ناهيك وأن الجامعة تحولت الى روضة أطفال بسبب الخوف من البوليس السياسي والأمن الجامعي.
وأشار الى أنه مع تعطل الحوار النزيه داخل الجامعة تعطلت آليات التواصل بين الأساتذة وسلطة الاشراف فكان لها تأثير على الطلبة. ورأى أن اصلاح مستوى الطلبة يحتاج الى المرورعبر مراحل منه عودة الروح الى البحث والنقاش لتطوير المعارف بعيدا عن العنف والاستفزاز. وذكر أن الطلبة يعانون أيضا اشكالية عدم حذق اللغات بما فيها اللغة العربية وهي اللغة الأم بينما يحتاج سوق الشغل سواء بالداخل أو بالخارج الى التمكن من ثلاث لغات على الأقل العربية والفرنسية والانقليزية.
ومن جهته أفاد الأستاذ الجامعي معز بن مسعود رئيس قسم الاتصال بمعهد الصحافة. ان الاستشارة الوطنية حول الجامعة التونسية هي الاطار الذي يمكن من خلاله النظر في كل المشاغل التي تثقل كاهل الأستاذ الجامعي والطالب على حد سواء. فالجامعة اليوم بحاجة الى توضيح علاقتها بالمؤسّسات الراجعة اليها بالنظر، ومراجعة الزمن الجامعي فيها، حسب التخصصات، وخصوصيات التكوين، مع ضرورة الاهتمام بالعلوم الانسانية واللغات، وتأهيلهما، ودعم التكوين في المجالات ذات القيمة المضافة. واعتبر أن مجالس الجامعات هي الاطار الأمثل لتنظيم الحياة الجامعية، ومتابعة الأداء العلمي والبيداغوجي للمؤسّسات التعليمية على أن تكون المجالس العلمية للكليات، والمعاهد العليا، هي مرجع النظر في كل الاصلاحات التي يمكن أن تشهدها مؤسسات التعليم العالي، والبحث العلمي. لأن الأستاذ والطالب هما عماد كل اصلاح بما يقدمونه من مقترحات لحل المشاكل البيداغوجية والادارية المطروحة.
دعم استقلالية الجامعات
وأضاف أنه بالتوازي مع ذلك يجب دعم استقلالية الجامعات من خلال مراجعة القوانين المنظمة لها حتى تكون الهيكل الجامع للمؤسّسات الراجعة اليها بالنظر وتكتسب مزيدا من النجاعة والمرونة في التسيير، والتصرف، وتحفيز شراكاتها مع نظيراتها الأجنبية،خاصة وأن الجامعة أصبحت اليوم مطالبة أكثر من ذي قبل بالاقتراب من المعايير الدولية للجودة،والانخراط في منظومات التقييم، والاعتماد. وهو ما قد يدعو العاملين في مجال اصلاح التعليم العالي الى ضرورة التفكير في احداث هيكل يضم كفاءات علمية مستقلة متخصّصة في التقييم، لتأمين مهمة ضمان الجودة والاعتماد.
ومن جهة أخرى أفاد أن الاستثمار في مجال البحث يعتبر من المجالات الهامة التي يمكن أن تضمن انفتاح الجامعة على محيطها الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، وتجعله واقعا ملموسا.كما أن تشريك الكفاءات العلمية،والاقتصادية في برامج وأعمال البحث هو السبيل الى مزيد دفع نسق الشراكة بين المؤسّستين الجامعية والاقتصادية بما يمكّن من تيسير ادماج الخرّيجين في سوق الشغل بالقطاعين العام والخاصّ.
الهاجس الأكبر
بالتوازي مع ضرورة الاستثمار في البحث لضمان أكثر حضورا،وترتيبا جيدا لجامعاتنا على المستوى العالمي،فان مواجهة المنافسة العالمية تقتضي دعوة الجامعة التونسية الى مراجعة مختلف التخصصات في نظام «امد»، حتى تكون أكثر ثراء واستقطابا للطلبة. بعدها يمكن الحديث عن ضرورة تركيز مدارس دكتوراه تكون الفضاء الأمثل للتكوين والتأطير البيداغوجي والمهني للطالب الباحث، والاعداد العلمي له، للالتحاق بسلك مدرّسي التعليم العالي. وهذا يتطلب من الجامعة التونسية أن تكون أكثر مرونة، وانفتاحا على حاجيات السوق الوطنية، والعالمية،حتى تضمن لنفسها تموقعا جيدا.
ان هذه المراحل لا يمكن تأمين نجاحها الا بالتركيز على محور اصلاح التعليم العالي الذي أساسه الأستاذ الجامعي، مع ضرورة الالتزام بالحريات الأكاديمية، وحوكمة الجامعة التونسية ضمانا لشفافيتها، وانفتاحها على المحيطين الوطني، والعالمي.
وقال الأستاذ ماهر تريمش أخصائي في علم الاجتماع التربوي: ان ما يُجمع عليه التونسيون وهو قليل، فشل المدرسة في مهمّتي التربية على معنى التنشئة الاجتماعية والتعليم. المقاربة القادمة اذن يجب أن تكون جذرية
ويمكن رصد دونما تفصيل خطايا خمس في ما يُسمّى جزافا قوانين اصلاح التعليم (قانون عدد 65 لسنة 1991 المؤرخ في 29 جويلية 1991 وبالخصوص القانون عدد 80 لسنة 2000 المؤرخ في 23 جويلية 2002 ):
غلبة الايديوجي السياسي على الفكري والعلمي غلبة النزعة التقنية الأداتية في تصوّرها «للمتعلمين» جعلها المدرسة مؤسسة كليانية totalitaire على المعنى الذي قصده عالم الاجتماع قوفمان. أمّنت انتاج التمييزات الاجتماعية (بين الجنسين وبين الشرائح الاجتماعية وبين الجهات..) وأعادت انتاجها داخل المدرسة وخارجها. ارتهان المدرسة لسوق الشغل أي ارتهان الفكر والثقافة للمال وللاقتصاد.
محاذير
ان كُتب لاصلاح قادم أن يكون فانّه يتعيّن عليه اعتبار بعض المحاذير المنهجية أولا: يستقلّ عن الحقل السياسي بما فيه من تنافس وتناقضات ومصالح. ألاّ تُعوَم المسألة مثلما نستمع في هذه الأيام ونرى باسم الأسرة التربوية بين أطراف متدخّلة جمّة بتعلّة أن التعليم شأن يعنيها. ألا تحكم الاصلاح رغبة التوافق وإرضاء جميع الفاعلين وخاصة النقابيين منهم وحفظ مصالحهم وتوازن المواقع بينهم. أن يكون حضور الطرف النقابي على خلفية المعرفة البيداغوجية والعلمية بحصر المعنى وحصر المهمّة والدور وليس على خلفية مطلبية نقابية أوسياسية. أن يُعهد بالاصلاح لمختصين أكْفَاء شهد لهم بحذقهم مجال التربية فكرا وعلما ثمّ تقنية وخبرة، فلا يَحكم اختيارهم العلاقات الشخصية والعوامل الذاتية والتوجهات الفكرية الايديولوجية والسياسية. ألاّ يقتصر الاصلاح على مسائل تقنية.
الشرط الانساني ( تنوع الثقافات وتعدد الأفراد/ ثقافة الاعتراف وليس الاختلاف/ تعدد تركيبة الانسان وتعقّدها) الفهم والتفهّم والتفاهم ( معرفة المعوقات الفكرية والثقافية والاجتماعية والنفسية/ ايتيقا التواصل..) ايتيقا الفعل البشري ( شرط الاجتماع البشري /المواطنة والديمقراطية والمصير الكوني). وأفاد الأستاذ بشير العواني عضومكتب وطني مكلف بالبحوث والدراسات بالمنظمة التونسية للتربية والأسرة أن المنظمة واعية بتشخيص الواقع التربوي من خلال القيام بسبر آراء حول التربية والتعليم في تونس.
وقال : ان دور المنظمة توجيهي وتحسيسي موجه أساسا الى الأسرة باعتبارها النواة الأولى للمجتمع وقد لاحظت شيئا من الفوضى وتوزيعية المواد العلمية المكثفة دون جدوى.
وحسب المقاربة الأولية فان مدرسة الأزمة أفرزت مضامينها التربوية تكرار عمليات الانتحار لدى حاملي شهادات التعليم العالي الجدد الذين طالت بطالتهم لذلك لابد من اعادة النظر والتفكير بعمق في المادة التربوية التي نقدمها للناشئة حيث نبحث عن العقل السليم والجسم السليم والشخصية السليمة والمتوازنة ودعا باسم المنظمة مكونات المجتمع المدني الى الحوار البناء حول هذه المسألة فكل تغيير لوجه المجتمع أولوجهته ينطلق من التفكير في الشأن التربوي.
«إمد» كارثية
قال الأستاذ حسين بوجرة كاتب عام نقابة التعليم العالي «نحن كأساتذة جامعيين نتعامل مع تلامذة نجحوا في البكالوريا وليست لهم القدرة على الفهم لأنه غير قادر على كتابة مقالة بأية لغة سليمة». وأرجع تدني المستوى الى سلسلة الاصلاحات التي تم اعتمادها طيلة السنوات الماضية وهو ما يجرنا الى التفكير في اصلاح لا فقط التعليم الجامعي فحسب بل منظومة التعليم ككل.
وقال «نحن كنقابات اجتمعنا حول الموضوع وسنواصل عقد الاجتماعات والندوات للمطالبة باصلاح المنظومة كما أننا بصدد تكوين لجان اصلاح للمنظومة».
وأشار الى أنه رغم أنها فكرة جيدة الا أن منظومة «إمد» كانت كارثة على التعليم في تونس بما يعني أنه يجب اصلاح الطريقة المعتمدة وازالة نقاطها السلبية.
وعرّج على أن وزير التعليم العالي تكلم عن الاصلاح غير أنه لا يكون من الوزارة فقط بل لا بد من تشكيل لجان ثلاثية تضم الوزارة والنقابة ومجالس الجامعات.