في الزمن الأسبق كان الاحتفال باستقلال تونس احتفالا برجل هو بورقيبة، المجاهد الأكبر والقائد الأوحد والزعيم الفذّ والصحافي الأول لا أحد قبله ولا أحد بعده.. ولما ظهر بن علي تغيّر ديكور المسرحيّة واعتلى الخشبة ممثلون جدد منهم من كان مجرّد كومبارس ومنهم من كان مجرد متفرج وقيل لنا إن الاستقلال الحقيقي قد بدأ وإن تونس ستكون للجميع بلا إقصاء ولا تهميش ولم تمر إلا سنوات قليلة حتى أصبح عيد الاستقلال عيد رجل هو بن علي صانع التغيير وقائد مسيرة البلاد الذي استعمل كل الوسائل المتاحة لطمس صورة «الزعيم» ومحوها من ذاكرة التونسيين. ولم يلبث أن تحول الاحتفال بذكرى الاستقلال إلى استعراض مملّ لأزياء موضة الربيع الجديدة يرتديها زبائن النظام وتنقلها التلفزة في أخبار الثامنة تاركة للمتفرجين من أبناء الشعب الكادح حرية فكّ رموز صور شريط الأنباء وتحديد حالة بورصة قيم الشخصيات السياسية بين صاعد صافحه الرئيس بحرارة وآخر نازل لم يحصل على غير ابتسامة رئاسية باردة.
ولما هبّت رياح الثورة تغيرت الأحوال وصار الاحتفال بذكرى الاستقلال عندنا ثلاثي الأبعاد. احتفال يطلق فعالياته رئيس الحكومة، وثان يعلنه رئيس الجمهورية وثالث يشرف عليه رئيس المجلس التأسيسي.
هذا في «الرسميات»، أما في شوارع مدننا وقرانا فإن عيد الاستقلال لم يبق منه سوى جو بارد يكاد أن يكون حزينا وبعض الاعلام التي نجت من سطوة السلفيين ويوم راحة خالص الأجر.
وهكذا لم يعد بوسع أحد منّا أن يقرأ شيئا واضحا في ذكرى استقلال 1956 أو أن يستخلص معنى ثابتا سوى أنه مع كل مرحلة من مراحل تاريخ البلاد يتغير مفهوم الاستقلال ليصبح محاولة متجددة للتخلص.. من الاستقلال. بورقيبة قاد معركة الاستقلال وحقق النصر ضدّ المستعمر الغاشم قبل أن يستقلّ بالبلاد لنفسه، لكن بن علي افتكّ منه الاستقلال وحازه لنفسه ولعائلته لكن الثورة انتزعت منه هذا الاستقلال وسلّمته للشعب الذي لم يصله إلى حدّ الآن غير... وصل إعلان الاستقلال ولا يزال الشعب ينتظر البقية أي: العدل والمساواة والرفاه والحرية.
لكننا نخاف كما يقول أحد الأصدقاء في لغتنا الشعبية أن هذه البقية «تبطى شوية!».