يحتفل المسرحيون في كل بقاع الدنيا بالسابع والعشرين من مارس يوما عالميا للمسرح، ففي كل أرجاء المعمورة نسمع الدقات الثلاث ويرفع الستار لتتلى بيانات اليوم العالمي للمسرح،
وينظر التونسيون وهم يحتفلون كسائر الشعوب بهذا اليوم حولهم فتطالعهم مسارح قرطاج ودقة وأوذنة والجم ومكثر وغيرها فيدركون أن هذا الفن ليس طارئا على هذه الربوع، وتخبرهم ذاكرتهم أن ما يزيد عن قرن قد مر على أول عرض مسرحي تونسي، ويقفون أيضا على اسهامات زعماء الاصلاح وقادة الحركة الوطنية في اسراء مسرح تونسي عربي في هذه الربوع وتندفع صور متلاحقة لرواد ومبدعين رسخت أسماؤهم في الذاكرة الجماعية فيعلمون أن علاقتهم بهذا الفن قوية وضاربة في عمق التاريخ.
ويتأملون لحظتهم وهم يبنون دولة ديمقراطية تقاوم تاريخا طويلا من الديكتاتورية والصوت الواحد فيشعرون بحاجة عميقة الى الحوار وليس من فضاء فني أقدر على ادارته من الفضاء المسرحي، ألم يقل سعد الله ونوس» هناك حوار يتم داخل العرض المسرحي، وهناك حوار مضمر بين العرض والمتفرج، وهناك حوار ثالث بين المتفرجين أنفسهم... وفي مستوى أبعد، هناك حوار بين الاحتفال المسرحي «عرضا وجمهورا» وبين المدينة التي يتم فيها هذا الاحتفال، وفي كل مستوى من مستويات الحوار هذه ننعتق من كآبة وحدتنا، ونزداد احساسا ووعيا بجماعيتنا»، هذه الجماعية التي تمثل شرطا أساسيا لقيام عمل مسرحي لابد أن تسم علاقة مختلف الأطراف القائمة على الحوار والتبال واذا كان العمل المسرحي يحتاج الى تدريبات شاقة ليستوي أثرا جميلا أمام جمهوره فإن التدرب على الاصغاء والتبادل يعد اليوم من أوكد الحاجات في بلادنا عطفا على كون المسرح قرين الديمقراطية والفضاء العمومي والحكمة.
فالمسرح التونسي الذي استمد ثراءه وخصوصياته من قدرته على قبول الاختلاف يعكس الى حد بعيد طبيعة المجتمع المنشود ويترجم القيم الجمالية من خلال هواجس الفنانين وأحلامهم والتي وان تناقضت واختلفت فإنما تغذي المسيرة المسرحية ببلادنا وتزيدها ثراء واشعاعا.
واذا كان المسرح التونسي قد أسهم في معركة التحرر الوطني وناضل من أجل المحافظة على الهوية الوطنية وتصدى لمحاولات طمس قيمنا وشخصيتنا فإنه اليوم يواجه تحديات لعل من أوكدها دفع الحوار من منطلقات ثقافية وجمالية فنية تساهم في الارتقاء بالسلوك الفردي والجماعي ونحت مشروع مجتمعي منفتح يوطن قيم التعدد والاختلاف والحق والجمال، ولعل الحوار من أهم المقاربات التي تساهم في بناء ذلك ولابد للحوار هذا ان يكون منطلقه الذات ولذلك تتجه الوزارة الى الاصغاء الى كل المهتمين بالشأن المسرحي والمهنيين في حوار يساهم في بلورة استراتيجيات تفتح لهذا الفن أفاقا أرحب ببلادنا، وقد بدأت بعض اللجان المختصة في مراجعة التشريعات المرتبطة بالقطاع قصد ملاءمته مع مقتضيات الراهن وخاصة ما يتعلق بمجال حرية الابداع والدعم وتشجيع المبدعين وامكان تطوير آلياتها حتى تستجيب للأهداف الأساسية المتمثلة في اعطاء الأولوية للأعمال الجيدة والابداعات الراقية وفتح الآفاق أمام الشباب حتى تتوفر لهم فرص الابداع بكل حرية، والاعتناء بالبنية التحتية ودعمها حتى تنتشر مسارح تليق بالفرجة والمتعة.
ان وزارة الثقافة تشد على أيادي كل المبدعين الواعين بجدية هذا الفن ودوره في المساهمة في بناء مجتمع ديمقراطي متعدد ينهل من هويته ومخزونه الحضاري ويواكب حركة التطور والحداثة ويستجيب لطموحات شعبنا ومتطلبات المرحلة وما تعيشه من متغيرات لعل من أبرز مياسمها ربيع الثورات العربية الذي انطلق من هذه الربوع. كل عام والمسرح التونسي بخير وكل عام والمسرحيون على موعد مع التألق والنجاح والحرية