تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيخ راشد الغنوشي في حديث مطوّل مع «الشروق» : لن نتنازل عن مدنية الدولة والخيار الديمقراطي

ما تقييمه لتطوّر الأوضاع المحليّة ومستجدات النقاش والجدل داخل حركة النهضة ومع عموم الطيف الإسلامي خاصة حول مسألة إدراج الشريعة في الدستور؟ كيف ينظر إلى مستقبل الإسلاميين في الحكم وإلى تجاربهم السابقة ؟ ما هي رؤيته للمخاطر .
أكثر من سنة على الثورة و3 أشهر على انتصاب السلطة الجديدة:كيف يوصّف السيّد راشد الغنوشي الوضع الحالي في البلاد؟
هناك ثورة مستمرة في البلاد، هناك وضع سقط بعد فترة تكلّس لأكثر من 50 سنة، ومن الطبيعي أن يقوم مكان ذلك الوضع القديم بديل آخر وهذا الأمر يحتاج وقتا.الثورة هي بمثابة زلزال والزلزال له ارتداداته والتضاريس تتبدّل وتحتاج وقتا حتّى تتشكّل على وجه جديد وتأخذ شكلها النهائي، الثورة الفرنسيّة أخذت أكثر من 100 سنة حتى استقرّت سنة 1905، إذن فالمسألة مسألة وقت وما تشهده البلاد من بعض الأحداث هو ارتدادات طبيعيّة للثورة ومع الوقت ستستقرّ الأوضاع.البعض يتحدّث عن وجود أزمة حكم في البلاد؟ليس هناك أزمة حكم في البلاد ولكن هناك تجربة جديدة، ليس لنا تقاليد في الديمقراطيّة بمعنى التوفيق بين الحريّة والنظام، النظام في السابق كان قائما بعصا البوليس والبلاد كانت ثكنة تُقاد بقائد من قصر قرطاج.
الآن سقط هذا النظام وحلّت الحريّة وهذه الحريّة لم يتمتّع بها التونسيّون قط إلى حدود 13 جانفي 2011 ، هي ليست منّة من أحد ولكن الأمر توصيف لواقع موجود والمطلوب اليوم هو :كيف نضمن النظام وتحقيق التوازن بين النظام والحريّة ، حتى نتجنّب الصدامات والفوضى والاحتجاجات غير المنظمّة ونحقّق الاستقرار والأمن، لأنّه لا يُمكن الحصول على التنمية دون نظام؟، الحقيقة التي يجب أن تُقال أنّه ليس لنا تقاليد في التوفيق بين الحرية والنظام، المرجح قديما هو النظام وحاليا فهي الحرية، نحن نعيش الآن حريّة ملوّثة بالفوضى وهذا أمر طبيعي، هناك من يُمارس حرية مغلوطة عندما يقطع الطرقات ويمنع العمال من الوصول إلى أماكن عملهم وعندما يحرق أو يقتحم إدارات عموميّة ومراكز ولايات وشرطة، قلت هذا أمر طبيعي لأنّه يمثّل ارتدادات للثورة التي من الطبيعي أن تمسّ بهيبة الدولة ، وهذا الأمر يحتاج إلى وقت فتونس اليوم تبحث عن مستقرّ لها ، ونحن نتمنى أن لا يطول هذا الأمر خاصة وأنّه منذ الثورة لم تسقط الإدارة وبقي تصريف الخدمات على صورة مسترسلة وجيّدة والأجور لم يتوقّف صرفها ، لقد سقط النظام ولم تسقط الدولة ونتمنى أن تصل البلاد إلى مستقرّ لها فيه الانسجام والتناسق بين الحريّة والنظام.
لكن الأمور بحسب عدد هام من المتابعين ما تزال معقدة وصعبة خاصة على المستوى الاقتصادي؟
اقتصادنا تعرّض إلى زلزال هو الآخر، زلزال مسّ السياحة والاستثمار والأوضاع على الحدود حيث التهريب ، جزء من مشكل أزمة غلاء الأسعار من التهريب على الحدود ، نحن نعتقد أنّ الوضع في الشقيقة ليبيا وقتي وهو ينعكس على وضعنا ولكن الوضع عابر فليبيا بالنسبة لنا جزء من الحل وليست جزءا من الأزمة ، ليبيا ستتماسك برغم أنّ الزلزال الّذي ضربها أقوى من ذلك الّذي حدث في بلادنا وقد يحتاج الاستقرار بها وقتا أطول.
أضف إلى ذلك أزمة ما بين 400 إلى 500 رجل أعمال في حالة عطالة بسبب قرار منعهم من السفر وقد ضيّع ذلك على تونس العديد من فرص الاستثمار ومنها الكبير جدّا خاصة في ليبيا فالتونسيّون اليوم يكاد أن يكونوا غائبين عن السوق الليبيّة التي تشهد قدوم مستثمرين من مختلف أنحاء العالم، ولكن هذا الموضوع في طريقه إلى التسوية ونحن في حركة النهضة مع فضّه بأقصى ما يُمكن من السرعة وإعادة الحقوق لأصحابها ويأخذ هؤلاء حقوقهم بعيدا عن كلّ تفريط في المال العام وحقوق الناس ولكن كذلك دون انتقام أو تشفّ.
ولكن لدينا اليوم أرصدة جيّدة ومنها ما ستعرضه الحكومة قريبا على أنظار المجلس الوطني التأسيسي في إطار مشروع الميزانية التكميلي والّذي يتضمّن برنامج إنقاذ وطني يركّز على الاستثمار في المناطق الأقل نموّا ، فهو برنامج يُعطي الأولويّة للتنمية والاستثمار وللبنية التحتيّة والتصدير ، كما لدينا اليوم على أرض الواقع إضاءات ومؤشرات جيّدة في القطاع السياحي الّذي بدا يتحرّك قياسا لما كانت عليه الأوضاع في السنة الماضية كما أنّ الاستثمار بدأ في الدوران وهناك 200 مليار دولار معروضة اليوم على الحكومة في شكل مشاريع من دول عربيّة وغيرها كما أنّ التصدير شهد نموّا ب 10 إلى 15 % ، هناك بوادر انتعاش للاقتصاد التونسي.البعض يقول إن طاقم الوزراء الجدد تنقصه الخبرة الكافية في التعاطي مع الملفات بالسرعة والنجاعة المطلوبتين؟صحيح الوزراء جدد ولكن تزيد خبرتهم شيئا فشيئا من خلال دراسة الملفات والاطلاع على حقيقة الأوضاع وفهم دواليب الإدارة والتسيير .يوما بعد يوما ستزيد قوّة وصلابة السيطرة على المشاكل وستنمو الإرادة الجديدة والبركان سيهدأ تدريجيّا والرؤية ستزداد وضوحا والأمل سيتجسّد عندما يرى الناس أشياء تتحرّك على الأرض وأنّ الوعود بدأت تتحقّق والمشاريع بدأت تُنفّذ ومنها خاصة المساكن الشعبيّة (30 ألف مسكن هذه السنة) والبنية التحتيّة من طرقات ومناطق صناعيّة وغيرها، كما أنّ الأسعار بدأت تهدأ والعلاقة مع اتحاد الشغل استقرّت على وضع عقد اجتماعي صحيح وكذلك الأمر مع اتحاد الصناعة والتجارة.كما أنّ اليأس بدأ ينمو في نفوس المراهنين على إفشال الحكومة وإسقاطها، وأعتقد أنّ هذا اليأس في أوجه هذه الأيّام.
الآن القاطرة بدأت تأخذ طريقها من خلال ما ذكرت ومن خلال تحديد موعد الانتخابات ، حتى في عهد حكومة الباجي قائد السبسي كانت الأوضاع متدهورة في البداية ولمّا حُسم أمر تاريخ الانتخابات هدأت الأمور.الآن بدأ اتجاه السير يتحدّد إلى شهر مارس 2013 وكلّ الأطراف بدأت تعدّ نفسها لتلك «المنازلة».
3 أشهر بعد تولّي الحكومة الجديدة مهامها ، هل تشعرون في ظل ما هو موجود اليوم أنّكم قد تسرّعتم في تسلّم مقاليد السلطة؟
نحن تقدّمنا للشعب بغرض الحكم وهكذا الديمقراطية والمنافسة على الحكم وكسب ثقة الشعب، تقدمنا للشعب وأعطانا ثقته لتنفيذ الوعود، وإنّما تدخل الأحزاب الانتخابات للحكم وتنفيذ البرامج.
كان من الممكن أن نحكم لوحدنا ولكن نحن ترفّقنا بالوضع وخيّرنا مشاركة آخرين وسعينا إلى أن ينضم إلينا أكثر من حزب، حركة النهضة حرصت على أن لا تنهض بهذه المرحلة الانتقاليّة لوحدها وكنّا مدركين أنّ المهمّة صعبة جدّا ولذلك لم نجرؤ على أن نتقدّم وحدنا وحرصنا على إنجاح مسار التفاوض والمشاورات في إطار «الترويكا» وأوسع من ذلك وليس ذلك زهدا في الحكم ولكن حرصا على توفير ممهّدات النجاح.
هناك مسألة في حاجة إلى توضيح سيّد راشد، علاقتكم برئيس الحكومة وبالتسيير العام للبلاد، أنتم الحاضر بالغياب والغائب بالحضور، أنتم «الحاكم الرئيسي» لتونس وتتدخّل عند الأزمات والمنعطفات لتحسم وتقرّر ..هل أنتم «الراشد المرشد»؟
أنا لم أخرج أبدا عن صلاحيّة رئيس حزب الأغلبية، بعض الناس يقولون إنّني أتدخّل في كلّ شيء، هذه أوهام وفيها احتقار للشخصيات الأخرى مثل السيدين المرزوقي وبن جعفر أو كذلك السيّد الجبالي، فهؤلاء يعملون بجهدهم ووفق مقتضيات عملهم في إطار القانون المؤقت لتنظيم السلط العموميّة.
بالنسبة لحركة النهضة ، المواقف الّتي نتّخذها لها أصول تعود إلى فترة التأسيس واساسا خلال الندوة الصحفيّة للإعلان عن ميلاد «حركة الاتجاه الإسلامي» في 6 جوان 1981 حينما أعلنا وقتها عن تبنّينا للخيار الديمقراطي وقبول حكم الشعب وكنّا حينها أوّل حركة إسلاميّة تقبل بخيار مدنيّة الدولة والديمقراطيّة والتعدديّة ، فالحركة لم تتناقض أبدا وهي في استمراريّة في مواقفها ومبادئها وثوابتها الفكريّة والسياسيّة.منذ 1981 قبلنا النظام الديمقراطي دون تحفّظ ورفضنا العنف كوسيلة للوصول للسلطة وأعلنا مُناصرة حركات التحرّر.
وإن كنتُ تقصد بسؤالك أنّ كلمتي مسموعة، فإن تمّ ذلك فعبر الحجّة والإقناع ولا شيء آخر غير ذلك ، وعموما فإنّ القرارات المتّخذة داخل الحركة تجري عبر الخيار الديمقراطي فإذا غاب الاقتناع نمرّ إلى التصويت حيث تلتزم الأقليّة بقرار الأغلبيّة وتلك هي الديمقراطيّة التي عاشتها حركتنا منذ تأسيسها وإلى اليوم ولم نتخلّ ولن نتخلّ عن ذلك الخيار وذلك المنهج الّذي يُوجد الرأي والرأي المُخالف بما يحقّق الثراء والتنوّع ويُوجد أيضا في آن واحد الالتزام والانضباط واحترام المؤسسات، ونأمل أن نُساهم بتجربتنا تلك في تحقيق وتكريس الخيار الديمقراطي والتعددي داخل بلادنا.
خُذ مثلا، قرارنا الأخير بالتمسّك بالفصل الأوّل من دستور سنة 1959 هو قرار أغلبية أعضاء الهيئة التأسيسيّة إذ صوّت لفائدته 55 وعارضه 13 واحتفظ 8 أعضاء بأصواتهم ، وأؤكّد لكما أنّني أكون داخل مؤسّسات الحركة في العديد من المرّات من ضمن الأقليّة وليس من الأغلبية.
الأفكار والمواقف التي تعلنون عنها: مثل المحافظة على المكاسب الحداثية ومجلة الأحوال الشخصية والقبول بالعلمانيّة والبعد الديمقراطي والتعايش مع العلمانيين ورفض التنصيص على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في الدستور ، هذه الأفكار تطرح سؤالا عن البعد الإسلامي أو المرجعية الدينيّة في طروحات حركة النهضة؟الشريعة في نظرنا هي تنزيل القيم الإسلاميّة في مكان معيّن وزمان معيّن، القرآن نزل بالتدرّج وطبّق كذلك بالتدرّج وهكذا يُطبّق في كلّ مكان وفي كلّ زمان بالتدرّج لا دُفعة واحدة ، فالظروف مختلفة من بلد إلى بلد ومن زمن إلى زمن ، فتونس ليست كمصر ومصر ليست كليبيا وليبيا ليست كاليمن ..وهذا مفهوم الاجتهاد: تنزيل الحكم الشرعي حسب الظروف.
الشريعة الآن بالنسبة لنا هي برنامجنا الانتخابي: كيف نضبط أهدافنا وخطط عملنا بحسب التغيّرات وتنزيلنا لقيم الإسلام الثابتة على واقع متغيّر ، فنحن من نقدّر بحسب الواقع التونسي اليوم.نحن لم نتنازل بفهمنا ذلك عن الشريعة، الشريعة هي الكيفية التي ننزّل بها قيم الإسلام على واقعنا الراهن.
لكن لماذا وقع كلّ هذا الصخب خلال الأسابيع الأخيرة حول الشريعة في الدستور..وكأنّكم دفعتم إلى شيء ثمّ تراجعتم عنه؟
أبدا، أمّا لماذا لم نتناول موضوع الشريعة من وقت سابق؟ لأنّنا حسبنا أنّ الأمر محسوم منذ إعلاننا عن البرنامج الانتخابي وفوجئنا بهذا الحراك وانخراط بعض قيادات وأبناء الحركة وشبابها فيه.هذا الحراك أصبح له دويّ في البلاد وفي الخارج أيضا وبعض الدعاة الّذين قدموا إلى تونس «سخنوا الجو» وحرّضوا على هذا الموضوع دون فهم للواقع التونسي ، عندها اضطررنا إلى إعادة طرح الموضوع وحسم الخلاف ، نحن بيننا والشعب عقد والبرنامج الانتخابي ليس فيه حاليّا تطبيق الشريعة ، لذلك لا بدّ من العدول عن ذلك.
لكن ليس فقط لأنّ الشريعة لا توجد في برنامجنا الانتخابي بل لحجج أخرى أساسيّة وهي تجارب دول أخرى وعدم الفهم الصحيح للشريعة الموجود حاليا ، فالسودان انقسمت بسبب غياب التوافق بين الشمال والجنوب, وأفغانستان كذلك بسبب حكم طالبان باسم تطبيق الشريعة والذي أشاع صورة سيئة عن الشريعة هي منها براء ، وفي الجزائر في بداية التسعينات غاب التوافق وساد منطق الأغلبية والأقلية فدخلت الجزائر الشقيقة في دوامة. هناك توافق في بلدنا حول البند الأول وحول هوية الدولة, ولكن لا يوجد توافق حول موضوع الشريعة بسبب عدم فهم البعض لهذا المصطلح, لذا إخترنا تغليب مصلحة البلاد وعدم بث الفرقة في شعبنا والإكتفاء بالبند الأول حتى يسود الوفاق. أي بلد فيه نزعتان إسلاميّة وحداثية لا يُمكن أن تقوم فيه حياة دون وفاق وتعايُش.
كيف تبرّرون إذن تواصل الخلاف داخل حركتكم ومع أطياف إسلاميّة أخرى حول مسألة الشريعة؟لسنا مختلفين في الإسلام والشريعة، نحن مختلفون على تطبيقه متى وأين؟ وهذا ما تُريد بعض الأطراف الإيهام به بأنّنا خنّا الإسلام. ونحن نجيب أنّ المسألة:كيف نفهم الإسلام؟
هل هو مجرّد عقوبات أم هو مقاصد كبرى؟ ، وليس هناك من يقول هذا هو إسلامنا اليوم، ليس هناك كنيسة في الإسلام تقول هذا إسلام وهذا ليس إسلام، وما نفهمه نحن هنا في تونس هو غير ما يفهمه غيرنا في بلد آخر.
صحيح أنّ الإسلام واحد ولكن ترجماته مختلفة ومتعدّدة بحسب الزمان والمكان. هناك لغط كبير حول السلفيين, أريد أن أؤكد أنهم إخواننا وأبناء تونس, يجب أن نتحاور معهم ونصل معهم إلى أرضية وفاق, وحتى لو اختلفنا فيبقون أبناء هذا البلد لهم الحرية في التعبير عن آرائهم ما داموا يحترمون القانون ويحترمون حرية غيرهم. علاقتكم بالتجربة التركية، وهل تتطلّعون إلى دور مستقبلي في توحيد مناهج عمل وتفكير الحركات الإسلاميّة في المنطقة والتي اتّجه بعضها بعد إلى الحكم؟نحن معجبون بالتجربة التركيّة الإسلاميّة وهي الأقرب إلينا حتى بالنظر إلى التشابه في التجربة ومراحلها التاريخيّة ، ومع ذلك نحن لا نرى أنّه يجب علينا أن نستنسخ تلك التجربة ، نحن ناخذ الدروس والعبر، هم كذلك تأثّروا بنا ونحن نتأثّر بهم وأنا لي 7 كتب مترجمة للتركيّة.
نحن قرأنا تجارب الحركات الإسلاميّة في الجزائر وأفغانستان والسودان وأخذنا الدروس ، موضوع الشريعة وموضوع الحريّة ، نحن تماما مثل التجربة التركيّة دخلنا من باب المطالبة بالحرية وليس من باب تطبيق أحكام الشريعة الإسلاميّة ، ونحن نؤمن أنّ الشعب إذا مُنح الحريّة فهو سيختار الإسلام ، وفي غياب الحرية الإسلام سيكون لعبة بيد الحكّام ، في مصر ينصّ الدستور على أنّ الشريعة هي المصدر الأساسي وفي اليمن هي المصدر الأوّل ، ولكن هذا لم يحل دون فساد وتسلط الحاكم, المسألة في نظرنا في كيفية التطبيق.
المهم بالنسبة لنا الآن كيف نضمن لشعبنا إطارا من الحريّة وهذه مسألة ثقافة وتقاليد، في بريطانيا حيث الحرية والديمقراطية وأعرق برلمان, لا وجود لدستور مكتوب أصلا ولكن الشعب هو من يحمي حريته.
الذين رغبوا في سنّ الشريعة في الدستور وسعوا إلى تطبيقها لم يراعوا موازين القوى ولم يغلّبوا الوفاق والتعايش ، وفي قناعتي فإنّ الإبقاء على وحدة السودان كان أفضل من السعي لفرض تطبيق الشريعة الّذي أدّى في النهاية إلى التقسيم.
وأعتقد أن نظرة إخواني في الحركات الإسلاميّة المغاربيّة إيجابيّة للتجربة التونسيّة ونأمل أن يٌسهم ذلك في إرساء قاعدة فكريّة وسياسيّة لوحدة المغرب العربي.
هل كانت تجربتكم في بريطانيا حاسمة؟
لا أنكر ذلك ، ولكن هذه الأفكار ذهبت بها من تونس إلى بريطانيا، صحيح أنّها تدعّمت هناك فعلا ولكن بعض الإسلاميين الّذين ذهبوا إلى بريطانيا سجنوا أو رحلوا لأنّ الديمقراطيّة ليست لعبة إنّما هي انضباط للقانون.
لكن انتم تنظّرون إلى نظام سياسي برلماني على غرار ما عايشتموه في بريطانيا ؟
نعم، أُعجبتُ يالنموذج البرلماني البريطاني لعراقته ورأيت كيف تمارس الديمقراطية ، وزُرتُ مجلس النواب البريطاني وعاينت كيف هي العلاقة بين الدولة والكنيسة (بريطانيا دولة مسيحيّة وليست علمانيّة)، وكيف تدور العلاقة بين السلطة والمعارضة.
نحن نطرح النظام البرلماني لأنّه في اعتقادنا الأنجع والأكثر إفادة لبلادنا, والأفضل لضمان عدم العودة إلى حكم الفرد الواحد الذي يفتح الباب للاستبداد مهما صلح الحاكم، وسنناضل إلى آخر جهد في هذا المجال.كثّفتم في المدّة الأخيرة أنشطتكم وندواتكم وتصريحاتكم وأعدتم توضيح العديد من مواقفكم ، وكأنّ الحراك السياسي في البلاد ومنه «مبادرة السيّد الباجي قائد السبسي» قد أزعجتكم بعض الشيء ودفعكم إلى التحرّك؟
أنا لا أُريد أن أنال من جهد أحد ، فالسبسي له دور في قيادة المرحلة السابقة ، وأنا شخصيّا أُقدّر له ذلك وبرغم المؤاخذات الموجودة فأنا لا أقول فيه إلاّ الخير.نحن لسنا منزعجين، ولسنا متأذين ولا نشعر بأنفسنا في خطر أمام أيّ حراك سياسي كان أو اتجاه بعض الأحزاب نحو الاندماج، نحن في المكتب السياسي لنا قسم للحوار مع الأحزاب لم نجد طريقة للحوار مع أكثر من 120 حزبا ، على أيّ أساس سيكون ذلك الحوار ومع من سنتحاور ، لو كانت هناك اندماجات أو إئتلافات أو تحالفات لكانت الأمور أفضل لأنّه لا بدّ لنا أن نعمّق الحوار وكلّما كانت المكونات المشهد السياسي والحزبي محدودة كلّما كان الحوار مجديا وثريا ولوجدنا أنّ القواسم المشتركة كبيرة جدّا.
فمبادرة السيّد الباجي قائد السبسي إذا كانت دعوة لتوحيد المعارضة فإنّها أمر إيجابي بقطع النظر عن توحّدها تحت أيّ قيادة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.