يأخذ مسار ائتلاف قوى وسط اليسار والقوى الحداثية نسقا حثيثا مع إعلان نشأة ائتلاف حزبي يجمع حركة التجديد وحزب العمل التونسي ومستقلّي القطب الحداثي، وفي ضوء احتمالات كبيرة لاندماج هذا الائتلاف مع الحزب الوسطي المنتظر إعلانه ويضمّ الحزب الديمقراطي التقدّمي وآفاق تونس والحزب الجمهوري. وقد اعتبرت حركة التجديد وحزب العمل التونسي ومستقلو القطب الديمقراطي الحداثي في بيان لها أنّ «التمشي السليم الذي يستجيب لمتطلبات المرحلة لا ينبغي اختزاله في عملية التحاق بحزب من الأحزاب الموجودة بل يتمثل في بناء حزب جديد جامع وموحّد قادر على التأليف بين حساسيات متنوعة ومسارات مختلفة ليجعل منها عنصر قوة وإثراء في إطار الانسجام والتآلف و قادرة على تقديم البديل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي المناسب لأهداف الثورة وتغيير موازين القوى السياسية بما يفسح المجال للتداول السلمي والديمقراطي على السلطة».
تلاقي المسارات
وعبّرت الأطراف الثلاثة في بيانها عن «استعدادها لمواصلة المشاورات مع الأطراف المعنية (الحزب الديمقراطي التقدمي وحزب آفاق تونس والحزب الجمهوري) حول الصيغ الكفيلة بضمان تلاقي المسارين التوحيديين المعلنين وتوفير أفضل الظروف لتحقيق الهدف المنشود المتمثل في بناء هيكل موحد يحتضن أوسع القوى الديمقراطية على أساس تشاركي.»
ومن المنتظر أن تعقد أحزاب الديمقراطي التقدمي وآفاق تونس والجمهوري مؤتمراتها نهاية هذا الأسبوع على أن يُعقد مؤتمر توحيدي بينها الاثنين المقبل وفق ما يرجّحه متابعون لمسارات التوحيد والائتلاف بين مختلف القوى الحزبية.
ويرى ملاحظون أنّ النية تتجه نحو تجميع أقصى ما يمكن من القوى الوسطية والحداثية التقدّمية ضمن جبهة واحدة وأنّ تأجيل مؤتمرات الديمقراطي التقدّمي وآفاق تونس والحزب الجمهوري إنّما جاء ليفسح المجال أمام تحركات حركة التجديد وحزب العمل التونسي ومستقلي القطب لتتبلور صيغة الائتلاف ويصبح من السهل اندماج هذه الأطراف جميعا ضمن كتلة واحدة، وفق هذه القراءة.
وقال رئيس حركة التجديد أحمد إبراهيم إن حركته ستضع كل رصيدها على ذمة إنجاح المسار التوحيدي.. وستساهم في إيجاد نمط تنموي جديد يقطع مع الليبرالية المتوحشة، مضيفا «لقد انطلقنا مع الأطراف السياسية التي نتجانس معها في مسار لتوحيد قوانا.. وخطونا خطوات هامة واعترضتنا صعوبات.. ونحن نرى أن أي عملية توحيد يجب أن تكون عملية تشاركية فعلا لبناء حزب جديد لكن قريبا سنكون حزبا ديمقراطيا شعبيا واسعا».
واعتبر إبراهيم أن «العملية التوحيدية نفسها غير كافية بل يجب أن تتسع أكثر في شكل جبهة.. ويجب تكوين تيار سياسي ديمقراطي اجتماعي قادر على استقطاب الشعب وتعديل موازين القوى عبر حزب قوي ونحن إذا لم نفعل ذلك فإن البلاد مهددة بارتداد إلى الوراء»، وفي هذا الإطار تأتي مبادرة إطلاق حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي.
وأكد إبراهيم أن حركة التجديد ستلعب دورا تاريخيا في إنجاح هذا المسار التوحيدي مشيرا إلى أنّ ما سماها «نزعة الهيمنة وعدم الاستعداد للحوار من قبل الترويكا الحاكمة متواصلة» واعتبر أنه «ليس هناك إمكانية للتداول على السلطة إذا بقيت موازين القوى كما هي عليه الآن.»
مساع رغم الصعوبات
واعتبرت الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدّمي مية الجريبي أن «المعارضة لن ترضخ للصعوبات وستلتقي في المحطات السياسية القادمة مهما كانت الصيغ». واعتبرت الجريبي أن «الحكومة الحالية برهنت عن ضيق صدرها في عديد المرات بحيث لم تبحث سوى عن شن حملات تشويه بخصوص منتقديها على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل و المعارضة» حسب قولها.
ورأىرئيس حزب آفاق تونس محمد الوزير من جانبه أن الاعتبارات الحزبية هي التي جعلت هذه المبادرات التوحيدية تتأخر إلى مرحلة ما بعد الانتخابات معترفا بأن القانون المنظم لانتخابات المجلس التأسيسي جعل عديد الأحزاب و منها حزبه تفضّل المضي بصفة منفردة على أمل تحصيل أكبر عدد من المقاعد.
وحيّا الوزير السابق سعيد العايدي هذا المسار التوحيدي معتبرا أنه «ضرورة حتمية لتواجد المعارضة بكل ثقلها وتأثيرها في الساحة السياسية» مؤكدا أن «هذا الحزب يجب عليه أن يفكر في الاستجابة إلى تحقيق أهداف الثورة وأن ياخذ بعين الاعتبار الرسائل التي بعث بها الشباب التونسي من خلال ثورته فيكون بذلك وفيا لتطلعات وآمال الشعب التونسي عموما والشباب خاصة.»
وأكّد ماهر التومي عن الحزب الجمهوري (المنخرط في المسارالتوحيدي مع الحزب الديمقراطي التقدمي وآفاق) أن توحيد القوى السياسية في حزب واحد ليس بالسهولة التي يتوقعها البعض معربا عن أمله في التقاء جميع المسارات التوحيدية في إطار حزب واحد يضم الجميع رغم الصعوبات والعراقيل.
وتعتبر الأطراف المنخرطة في هذا المسار التوحيدي أنّ طبيعة المرحلة تقتضي بناء جبهة وسطيّة كبيرة تكون ضامنا لتعديل الكفّة وللتداول السلمي على السلطة ولاستمرارية الديمقراطية، لكنّ التصورات والصيغ تختلف من طرف إلى آخر وتبقى مشكلة الزعامة وصيغة الالتقاء (ضمن حزب واحد أو جبهة أو ائتلاف) من أبرز عوائق التوحّد بين هذه الأطراف.