يضيق المرعى ..بالحبل القصير تمضي الاسابيع والشهور ونحن نعيش الاحداث المتلاحقة في بلدنا..نتفاعل معها ..نشارك فيها ...نفرح لحريتنا ...نتألم لانحرافات البعض منا ...ندعو الى الحفاظ على الاخوة بيننا...نحث على ان نقدم لتونس ما تستحقه من جهد وعرق حتى تكون درّة الاوطان كما نريدها...عشنا التطورات واستقبلنا العائدين من المهاجر الى حضن هذه الارض...تابعنا توالد الاحزاب وتنافس محترفي السياسة على التبشير بجنة عدن عرضها من البحر الى الجبال وطولها من بنزرت الى بنقردان اذا ما اخترناهم لتسيير دواليب الدولة ووافقناهم على ما خططوا لنشر الرفاهية في كل الربوع واخراج الملايين مما كانوا فيه من عري وجوع...فرشوا لنا الطريق الى صناديق الانتخاب ورودا ..وأذاقوا البعض منا جزءا مما سيحصلون عليه من بُرّ ودسم والجزيل من النعم ..مقابل كلمة واحدة :نعم ...ويطول الجرد ولسنا في موضع حساب ..فالانتخابات القادمة على الابواب ...لكن لامفرّ من التنفيس عما يجيش في القلب واستذكار ما قالوا وهم بين الصفوف وما نرى من افاعيل وهم في المكاتب والقصور.
قالوا بلدنا شوهوا صورته وحولوه عن وجهته منذ ستين سنة وافقدوه هويته وابعدوه عن قضايا امته وقضية فلسطين هي قضيته ..ولعلعت حناجرنا تهتف لارض الرسالات ومسرى محمد صلى الله عليه وسلم وبان يوم التحرير آت...وعندما قلنا علينا ان نجرم التطبيع مع من اغتصب فلسطين وقتل العرب قالوا لا ...نحن لا نستطيع فعل ذلك ..بل خرج من بين الصفوف من يعلن «الجهاد» على اليهود من اهل البلاد ...قالوا ايضا ان من تشويه هويتنا ان نعشق لندن وباريس فاذا بنا نستجدي عطف هؤلاء ومعهم واشنطن وروما وبرلين وايضا من هواه لدى بني صهيون.
عندما كانوا بين الصفوف يجيدون نظم القوافي وضرب الدفوف قالوا ان نسيان جرحى الثورة جريمة ونكران للجميل واذا بهم يطردون من جاؤوا يذكرون بالوعود بل ويحطمون كرسيا ينوء بثقل البدن المثخن ويقولون ليس كل من اصيب في الثورة جريح ولا كل من تأوه من جرح فصيح... قبل شهور ساروا في مقدمة الصفوف يلعنون من ترك الشباب العاطل في ضياع ويرددون شعار التشغيل استحقاق ويعدون باربعمائة الف وظيفة على الاقل...وبعد دراسة الملفات والنظر الثاقب في ما هو قائم وآت بشروا ب 25 الف وظيفة ستعرض على حضرات النواب ...وهو العدد نفسه تقريبا الذي يشهده قطاع الوظيفة منذ سنوات ...ومن تبقى من عاطلين فلدينا من الوعود من «الاشقاء» والاصدقاء بتوفير وظائف قد نضطرلشغلها لاستيراد العاطلين حتى من الصين...المهم شيئا من الصبر. قالوا التجمع الملعون هو سبب كل المصائب والتجمعيون منكرون وللثورة مخربون ...واذا بهم يرحبون بمن غير الجلباب وانضم اليهم وآب..والله غفور تواب...
كثرت الوعود قبل شهورورفعت شعارات وبحت الحناجر بنداءات تحولت بقدرة قادر الى مرتبة الجرائم والمنكرات...وانطلقت البالونات كتلك التي تلقيها الطائرات الحربية لتضليل الصواريخ وتحريف سيرها ...النقاب حق مقدس ولتغلق الجامعات...السلفيون «ابناؤنا ينشرون الفكر»..ثم السلفيون لا مناص من الاصطدام معهم..ثم ويل ثم ويل ثم ويل لمن يفكر في تغييرالاغلبية تلك هي قواعد الديمقراطية . العلم والنشيد ليسا منا ولانحن منهما ...الفصل الاول من الدستور يجب ان يتغيرفهو يقول الاسلام ديننا ..لكننا نريد ان يكون الاسلام ديننا.....المسرح جريمة وبعض من العلم حرام ( بوكو حرام يسمي ذلك دراويش نيجيريا)...وغير ذلك كثير..بالون وراء بالون ..يتحرك الشارع ويتلهى الخائفون على الوطن ..ثم تصبح العلمانية ليست كفرا....والفصل الاول من الدستورلن يتغير بل بقاؤه «نصر» مؤزر...وفي الاثناء ووسط سحب الدخان هذه يجري ترتيب الظروف للاستحقاق القادم وتوزع المواقع والمناصب على اصحاب الولاءات ولا يهم المناقب...
عرفنا من ابائنا واجدادنا الفلاحين ان الدابة تربط الى حبل يطول ويقصر بحسب ما يتقرر من مساحة الرعي أي ان المرعى يكون بطول الحبل ..وتعلمنا من ابائنا واجدادنا كذلك ان حبل الكذب قصير ..سواء كان في السياسة او المعاملة اوالسمسرة ...فهل يعي السياسيون كلهم بلا استثناء من اصحاب ال99 فاصل الى جماعة الصفر فاصل ان حبل مرعاهم قصير؟ وهل يدركون ان هذا الشعب الذي كنس الطغيان والفساد والسفسطة والكذب قادر على كنس من انتهج السبيل نفسه مهما حمل من الوان سماوية او ارضية..وانه لا يغره خلّب الوعود ولا يخيفه التهديد والوعيد ؟