مثلما كان منتظرا قادت التحولات الكبرى التي عاشتها منطقة شمال افريقيا، الى اضطرابات خطيرة في الدول الافريقية الصحراوية المحاذية وقد بدأ أول الغيث بجمهورية مالي التي شهدت حدثين في نفس الوقت. الأولى تمثل في انقلاب عسكري. والثاني أعلن عن نفسه بتمرد قوات من الطوارق عن السلطة المركزية، وهي أي القوات علمانية وجهادية الأولى تمثلها حركة تحرير أزواد والثانية جماعة أنصار الدين. وقد ذكرت وكالات الانباء أن الجهاديين يدعمهم مقاتلون صوماليون ونيجيريون وتونسيون وجزائريون وربما أيضا مقاتلون من جنسيات أخرى. ويمكن القول ان ما يحدث في مالي هو نتيجة مباشرة لسقوط نظام العقيد معمر القذافي، الذي كانت تربطه بالطوارق علاقات وثيقة ماديا ومعنويا الشيء الذي جعل تأثيره عليهم كبيرا خصوصا بعد ان أعطى لسياسته الخارجية بعدا افريقيا خالصا، فتمكن بذلك من الحد من تطلعاتهم، ومن لجم حركتهم في الصحراء المحاذية لليبيا ولدول ما يعرف بتجمع سين صاد التي أقام معها هي بدورها علاقات متطورة ومثمرة. وكان من أهم نتائج هذه السياسة أنها احتوت تحركات الطوارق الاستقلالية وان بقيت في مهجهم فكرة الاستقلال وأجلت تطلعاتهم الى مراحل أخرى ما دام نظام العقيد يدفع المال ويبارك التطلعات طالما هي مجرد فكرة مؤجلة التنفيذ لا تؤثر على جغرافيا المنطقة ولا تهدد دولها... ولا تمثل خطرا على أنظمتها. لكن نهاية نظام القذافي أخرجت القمقم من عقاله، فمن جهة تكدست الأسلحة لدى قبائل الطوارق وربما الأموال أيضا خصوصا ان الكثير من هؤلاء ساندوه ضد غرمائه وقاتلوا الى جانب قواته، ومن جهة أخرى وأمام الانفلات الأمني بل والفراغ الأمني التام على الحدود فإن اللحظة أصبحت مواتية لهولاء حتى يمروا الى مرحلة تجسيد تطلعاتهم القديمة مع اضافة تطلعات خاصة بحركات جهادية كانت المنطقة المعنية بالصراع الآن، أفضل ملاذ لها ومنها تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي. لا يقلق هذا الذي يجري الولاياتالمتحدةالأمريكية فقط وهي الغريم المعلن والأساسي للحركات الجهادية، لكنه يستفز أيضا وبكل قوة مجالا حيويا لفرنسا بدورها، لذلك تبديان اهتماما خاصا بهذه الاحداث على ضوء تحاليله سوف توضع سياسة لمواجهة مقبلة وقريبة.