شهود العيان والمتظاهرون أصروا على أن «ميلشيات النهضة» هي تلك العناصر المدنية التي وقفت وراء الاعتداءات الحاصلة أول أمس على المواطنين الى جانب قوات الأمن، ولكن العجمي الوريمي القيادي بالحركة أكد ل«الشروق» أن هذا الأمر «لا أساس له من الصحة، بل يتنافى وواقع الحركة ووضعها». اتهمت عدد من القوى السياسية، ومكونات المجتمع المدني المشاركة في مسيرة الاحتفال بعيد الشهداء أول أمس، مليشيات نسبتها الى حركة النهضة، ساهمت في قمع المتظاهرين صفا لصف مع قوات الأمن.
وأكد محمد الكيلاني أمين عام الحزب الاشتراكي اليساري ل«الشروق» والذي كان حاضرا في هذه المسيرة، ثم عاد الى مقر حزبه الكائن في بداية نهج القاهرة المتاخم لشارع الحبيب بورقيبة موقع الحدث، «أن هذه الميليشيات حقيقة، وليست وهما وأنها كانت تختبئ وراء رجال الأمن في البداية وكانت تقذف الناس بالحجارة، ثم وما ان انطلق عمل رجال الأمن في تفريق المتظاهرين حتى انقضوا هم بدورهم على الناس وراحوا يضربونهم باستعمال الهراوات والعصي».
من جانب اخر وصف حزب التكتل من أجل العمل والحريات والشريك في حكومة الترويكا، تلك العناصر ب«المشبوهة»، وجاء حرفيا في بيان صادر عنه أول أمس حمل امضاء الناطق الرسمي باسم الحزب أن «القمع صدر من عناصر أمنية وكذلك أخرى مدنية مشبوهة تحمل هراوات».
وعلى غرار التكتل، فان المؤتمر من أجل الجمهورية اعتبر «أن قوات هائلة العدد من أعوان الشرطة بتشكيلات مختلفة وبمشاركة أشخاص بالزي المدني لا تعرف حقيقة انتمائهم» هم من وقفوا وراء الاعتداء على المواطنين.
تأكيد
وأكد ابراهيم القصاص عضو المجلس الوطني التأسيسي والمشارك في المسيرة الاحتفالية بعيد الشهداء و التي تم منعها، أن هناك عناصر «ترتدي زيا مدنيا تقف وراء عناصر الأمن وتقذف المواطنين بالحجارة».
وطالب محمد براهمي عضو المجلس الوطني التأسيسي وأمين عام حركة الشعب الذي أصيب أثناء الاشتباكات أول أمس ب«ضرورة أن تقدم الحكومة اعتذارا رسميا عما اقترفته أجهزتها الأمنية وميليشياتها من انتهاكات فادحة في حق المواطنين الذين خرجوا احتفالا بعيد الشهداء».
ونشر عدد من المدونين عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي في الأنترنيت «الفايسبوك وتويتر» صورا لعناصر تلبس الزي المدني كانت تحمل هراوات وقفت الى جانب وخلف رجال الأمن، كما التقطت عدسات الهواتف المحمولة والات التصوير صورا لعناصر مدنية كانت تنهال ضربا على عدد من المشاركين في هذه المسيرة.
اتهام مباشر
وأخطر من ذلك اتهم حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي «التداخل المفضوح بين رجال الأمن وميليشيات النهضة» وورد في بيان صادر عنه» من المظاهر اللافتة للانتباه التداخل المفضوح والتنسيق بين رجال الأمن وميليشيات الحزب الحاكم الجديد الذين تجندوا لترويع المتظاهرين، نساء ورجالا، وملاحقتهم في الشوارع وسط العاصمة و الاعتداء على حرمتهم الجسدية والمعنوية».
واتهم حمة الهمامي مباشرة أيضى ما أسماه «ميليشيات النهضة بالوقوف وراء الاعتداءات على المواطنين» متهما وزارة الداخلية «بامدادها بالأسلحة لمجابهة احتجاجات المواطنين» في تصريح أدلى به للتلفزة الوطنية.
وهي ليست المرة الأولى التي يتهم فيها الأمين العام لحزب العمال الشيوعي التونسي حركة النهضة الإسلامية فقد سبق أن أشار الى أنها «بصدد تكوين ميليشيات وتدريبها ثم نشرها في الشارع التونسي لترهيب المواطنين ومنعهم من ممارسة حقهم في التظاهر والاحتجاج على سياسة حكومة حمادي الجبالي الذي يشغل أيضا منصب الأمين العام للحركة».
ومن جانبه أكد محمد بنور الناطق الرسمي باسم حزب التكتل أنه «لاحظ تواجد عناصر مشبوهة ليست من الشرطة اعتدت على المواطنين»، مؤكدا أن حزبه سيطالب بفتح تحقيق جدي في الموضوع.
فتح تحقيق
محمد نجيب الغربي المكلف بالاعلام في حركة النهضة أكد أن في حوزة الحركة «صورا محفوظة لأشخاص يحملون هروات في أيديهم وأشخاصا يحملون لحي على مستوى شارع الحبيب بورقيبة والأنهج المتاخمة له» يوم الواقعة، وطالب بفتح تحقيق قضائي نزيه في هؤلاء وكان ذلك عبر اتصال هاتفي بالتلفزة التونسية.
ونفى العجمي الوريمي عضو المكتب السياسي للحركة ل«الشروق» أن تكون لحركة النهضة أية ميليشيات» وقال «هذا الموضوع يتنافى وواقعنا وتفكيرنا» وأضاف «نحن طرف مشارك في السلطة ولسنا في حاجة الى ميليشيا، بل نحن في حاجة الى حماية الحريات العامة والخاصة والى تطبيق القانون على الجميع».
وأفاد الوريمي بأنه «كان من الأجدر أن يتعامل الأمن مع المواطنين بطرق أخرى لمنعهم من الاحتجاج في شارع الحبيب بورقيبة بدل استعمال الغاز المسيل للدموع والهراوات فقط».
و شدد علي العريض وزير الداخلية في برنامج حواري بث ليلة أول أمس بالقناة الوطنية على أن أجهزة الأمن تنأى بنفسها عن السياسة، وقال «ان هناك تحريضا سياسيا لرجال الأمن واتهام لها بمعاضدة حركة النهضة».
قديم جديد
موضوع ميليشيات النهضة، عاد ليطفو على السطح من جديد، بعد أن أتهمت الحركة في أوائل التسعينات أيام حكم الطاغية بن علي بتكوينها لمليشيات وجناح عسكري لمجابهة السلطة انذاك.
وحوكم عدد من عناصر التنظيم على خلفية هذا الموضوع، بل أتهمت السلطات وقتها النهضة بالوقوف وراء تفجير أحد نزل ولاية المنستير، وبارتكاب عملية « باب سويقة» الشهيرة واستعمال ماء الفرق والمولوتوف ضد خصومها.
ولكن الحركة وبعد رجوعها الى المشهد السياسي بفضل ثورة 14 جانفي، وتقمصها للدور الأساسي في السلطة الشرعية، أكدت عدم الرجوع الى الوراء، بل شدد عدد من قيادييها على أن الحركة مدنية وأنها ستكون دعامة أساسية في البناء الديمقراطي في البلاد.
وبين الحقيقة والاختلاق يبقى فتح تحقيق جدي حول هوية العناصر المدنية المجهولة، التي تخرج في كل تحرك سلمي لإرهاب المواطنين، وكشف الواقفين وراءهم أمرا عاجلا يجنب البلاد الدخول في مسار احتقان جديد ليست مستعدة له خاصة أن جميع الأطراف خصوما ومتحالفين بما في ذلك حركة النهضة «المتهم الأساسي» تؤكد وجودها.