انتقل إلى جوار ربه مساء أول أمس رئيس الجزائر المستقلة أحمد بن بلة عن عمر ناهز 96 سنة . وأكد أقارب الرئيس الجزائري بن بلة خبر الوفاة مشيرين إلى أن حالته الصحية تدهورت بشكل جدي في الآونة الأخيرة حيث أدخل في شهر فيفري المنصرم المستشفى العسكري بالعاصمة الجزائر.
عديدة هي المحطات المفصلية التي عاشها المرحوم بن بلة وفي كل محطة تاريخية كانت الجزائر تكون هي الاستحقاق والرهان . لم ينتظر المرحوم الذي ولد في 25 ديسمبر 1916 كثيرا للانضمام للحركة الوطنية التي كانت تناجز وتقارع المحتل الفرنسي في ثلاثينات وأربعينات القرن المنصرم حيث اضطلع بادوار سياسية معتبرة صلب حزب الشعب الجزائري وحركة انتصار الحريات الديمقراطية إلى أن انتخب سنة 1947 مستشار البلدية مغنية وأصبح بعدها مسؤولا على المنظمة الخاصة التي أنيطت بعهدتها مهمة مهاجمة مكتب بريد وهران عام 1949 بمشاركة كل من «حسين آيت أحمد» و«رابح بيطاط» .
وفي عام 1950 دفع «الفاتورة» الأولى للنضال إذ ألقي عليه القبض سنة 1950 بالجزائر العاصمة وحكم عليه بالسجن 7 سنوات ليتمكن من الهروب عام 1952، ليلتحق في القاهرة ب«حسين آيت أحمد» و«محمد خيضر» مكونين بذلك «الجسم الديبلوماسي» لجبهة التحرير الوطني.
ومن ذلك التاريخ أصبح بن بلة سفير الجبهة الوطنية للتحرير وروحها الطائرة بين عواصم المعمورة مجسدا مطالبها بالاستقلال والانعتاق من ربقة الاستبداد والاستعباد... إلا أن عملية قرصنة جوية نفذها الطيران العسكري الفرنسي ضد طائرة كانت تنقله من المغرب إلى تونس في 1956 أعادته ثانية إلى السجن حيث بقي معتقلا إلى تاريخ 5 جويلية 1962 تاريخ استقلال الجزائر وتاريخ استقلاله من غياهب السجن وموعد انتقاله الى سدة الرئاسة كأول رئيس لجزائر الحرية والاستقلال والثورة .
حيث انتخب في 15 سبتمبر 1963 كأول رئيس للجمهورية الجزائرية إلا أنه ما لبث أن عزل في19 جوان 1965 من طرف مجلس الثورة وتسلم الرئاسة من بعده الزعيم هواري بومدين.
ظل بن بلة معزولا حتى 1980، وبعد إطلاق سراحه أنشأ بفرنسا الحركة الديمقراطية بالجزائر. عاد نهائيا إلى الجزائر بتاريخ 29 سبتمبر 1990. تولى رئاسة اللجنة الدولية لجائزة القذافي لحقوق الإنسان. توجه بعد حرب الخليج الثانية 1991م إلى العراق وقابل الرئيس الشهيد صدام حسين .
سنوات العزل الخمس عشرة... لم تكن أبدا سنوات للعزلة إذ مكنته من الاطلاع على الفكر الإسلامي وغيره من الأطروحات الفكرية والفلسفية .
وفاء لاتجاهات ثلاثة هي حياة بن بلة ... وفاء للإسلام روحا وجوهرا ومنهاج حياة ..فقد ظل طيلة حياته يردد على مسامع الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي على الرغم من خلافاته مع الشيخ البشير الإبراهيمي أن الإسلام هو وقود مقاومة الاستبداد ومحرك حركات التحرر في الفضاء العربي الإسلامي.. وأن كل منهاج إصلاح دولة ومجتمع لا ينبثق من التراث الإسلامي , ولا يحترمه على الأقل , سيكون كمن يريد إلباس جلد غربي لجسد إسلامي .
وفّي للعروبة ولجمال عبد الناصر هو المرحوم بن بلة الذي ظل يستحضر التزام الزعيم الخالد بدعم الثورة الجزائرية زمن «الردة العربية» ووقت نفاق بعض العواصم الأخرى التي ما وفت للجزائريين وما وفّت حقهم عليهم ...
وفّي , أخيرا , للديمقراطية – مسلك ومقاربة هو المرحوم الذي رفض إلغاء الانتخابات التشريعية الجزائرية في 26 ديسمبر 1991 ورفض معها حل الجبهة الإسلامية للإنقاذ وقدح في شرعية المجلس الأعلى للدولة الذي تشكل عقب إلغاء الانتخابات في الجزائر .
لذا ما فتئ ينادي بالمصالحة والمحاسبة في الجزائر باعتبارها الأساس القويم لأية عملية ديمقراطية في البلاد وباعتبارها أيضا اللبنة الأساس لمستقبل اليوم والغد ... رحل بن بلة وعمره ناهز القرن ... عاش خلاله السجن والحرية .. الاعتقال والنضال .. الرئاسة والعزلة .. الاحتلال والسيادة .. وسطر فيه شيئا من تاريخ الجزائر والأكيد أنه نحت خلاله ايضا أشياء من حاضر الجزائر ومستقبلها ..