تداولت وسائل الإعلام أمس رسالة بلحسن الطرابلسي صهر الرئيس المخلوع بن علي الفار في كندا والتي عبّر فيها عن اعتذاره للشعب التونسي ورغبته في العودة الى تونس. وقد أثارت هذه الرسالة جدلا أعاد للأذهان ما اقترفته العائلة المالكة في النظام السابق. ما هي صدقية هذه الرسالة؟ وما هي دلالاتها؟ ولماذا الآن؟ وماذا يريد بلحسن الطرابلسي أن يقول من خلال ما قال؟ اتصلنا بالأستاذ فيصل بن جعفر محامي بلحسن الطرابلسي، في حدود الرابعة مساء، فلم يستطع أن يؤكّد أو ينفي أن تكون الرسالة فعلا صادرة عن منوّبه، وطلب منّا أن ننتظر إلى حين طلوع الصباح بكندا، نظرا للفارق في التوقيت بين البلدين، وفعلا عاودنا الاتصال به في ساعة متأخّرة من مساء أمس فأكّد لنا بأنّ الرسالة فعلا صدرت عن منوّبه. الرسالة وصلت الى عدد من وسائل الاعلام عبر فاكس من تونس العاصمة، وقد نشرتها كاملة الصحيفة الالكترونية «الجريدة». وقد ورد فيها بالخصوص بأنّه مستعدّ للمثول أمام القضاء التونسي وأنّ الغربة تؤلمه وهو يريد العودة الى تونس، وقد اعتذر في مناسبتين في هذه الرسالة التي ختمها «بالاعتذار المسبق في كلّ الأحوال وعن كلّ الأعمال». المحامي فيصل بن جعفر الذي ينوب بلحسن الطرابلسي في العديد من القضايا والملفات، قال إنّ منوّبه مستعدّ للعودة الى تونس لمواجهة مصيره أمام القضاء لكن بشرط توفير ضمانات للمحاكمة العادلة وتطبيق القانون بمعزل عن الأسماء وعن الاعتبارات السياسية، وأضاف بأنّ موضوع العدالة الانتقالية مازال مجهول المصير، وبالتالي فإنّ توفير محاكمة تتوفّر فيها كلّ الشروط الضامنة للعدالة وتطبيق القانون هو حلم، وقال «أنا أنصح منوّبي بعدم العودة في الوقت الراهن، فالظروف غير مناسبة» اذ لا تتوفّر المحاكمة العادلة بالنسبة اليه أمام ما أسماه «الشعبوية الجنائية». وقال أيضا إنّ المحاكمات التي نطمح اليها تتطلّب رجال قانون لهم من القدرة والجرأة ما يكفي لفرض العدل، اضافة الى التكوين النفساني والقانوني الجيّد والقدرة على عدم التأثّر بالتدخّل والضغط الشعبيين، وقال إنّ المحاكمة هي بناء وليست هدما، والبناء لا يكون الاّ بهدوء وعلى أسس صلبة، وأضاف القول «لا المناخ السياسي ولا الشعبي يسمح اليوم بالمحاكمة العادلة». من جهة ثانية أكّد لنا أحد المحامين النائبين في قضايا الطرابلسية، طلب عدم ذكر اسمه، بأنّ بلحسن الطرابلسي يفكّر في العودة الى تونس منذ شهرين، وقال إنّه من المنتظر أن تحلّ اليوم السبت محاميته الفرنسية من أصل تونسي الى تونس للتنسيق والقيام بالعديد من الاتصالات للنظر في مسألة تسليم بلحسن الطرابلسي نفسه الى السلطات التونسية. مخاطبنا لم يخف ما أسماه بالظروف القاسية جدّا التي يعيشها بلحسن الطرابلسي في كندا، وهو ما أكّده أيضا المحامي فيصل بن جعفر الذي أكّد بأنّ سويسرا وبعض الدول الأخرى جمّدت حسابات بلحسن، وقال إنّه لا يملك فعليا مبالغ مالية تذكر. مصادرنا أكّدت بأنّ بلحسن الطرابلسي يعيش في كندا تحت مراقبة مكثّفة من قبل السلطات الكندية، خاصة بعدما أصدر أحد قضاة التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس بطاقة جلب دولية في حقّه، ثمّ قدّمت السلطات التونسية مطلب تسليم، رغم أنّ مصادر أخرى أكدت سابقا ل «الشروق» عدم جديّة مطلب التسليم المقدّم للسلطات الكندية. ومع ذلك فإنّ القضاء الكندي اتخذ اجراءات قانونية للنظر في امكانية تسليم بلحسن الطرابلسي المطارد من البوليس الدولي (الأنتربول) بعد بطاقة الجلب الدولية، وقد حاول سابقا مغادرة كندا في اتجاه المكسيك بعد تضييق الخناق عليه الاّ أنّه لم يفلح وهو ما زاد في تعقيد وضعه. ورغم أنّ بلحسن الطرابلسي شقيق ليلى بن علي زوجة الرئيس المخلوع، متزوّج من ابنة رجل الأعمال التونسي الثري جدّا الهادي الجيلاني، الاّ أنّ مصادرنا تؤكّد وضعيته المادية الصعبة، وهو ما يطرح اكثر من سؤال. المؤكّد من خلال المصادر بأنّ بلحسن الطرابلسي الذي أصبح ثريا بعد أن تزوّجت شقيقته ليلى بالرئيس المخلوع سنة 1992، يعيش تحت المراقبة المشدّدة في كندا. وقد قدم طلبا للجوء السياسي الى السلطات الكندية لكنها لم تحسم في الأمر الى حدّ الآن وسانده في ذلك محاموه الذين طلبوا من السلطات الكندية الابقاء عليه هناك وعدم تسليمه الى السلطات التونسية لعدم توفّر محاكمة عادلة في تونس بالنسبة اليهم وقدّموا حسب الأستاذ بن جعفر تسجيلات وأشرطة فيديو تصور حالة الفوضى أثناء بعض الجلسات القضائية سنة 2011. وحسب بعض المصادر فإنّ بلحسن الطرابلسي أصبح مخيّرا بين تسليم نفسه، أو أن تسلّمه السلطات الكندية، ويبدو أنّ العائلة المالكة سابقا تعيش حالة تفكّك، بين أفرادها الذين يحمّل كلّ منها المسؤولية للآخر عمّا آلت إليه أوضاعهم، بعد 23 سنة من الحكم والسيطرة على ثروات الشعب التونسي بالنهب والسلب.