«قل خيرا أو اصمت..» (الرسول محمد ے) : كلما اقتربت الأزمة السورية من التسوية السياسية... وكلما هدأ أزيز العنف وجلجلة الرصاص وارتفع صوت العقل من هذا الفريق أو ذاك...
كلما ارتسمت في المشهد السوري المضرج بلون الدم وبلوعة المكلومين والمكلومات.. بارقة أمل لحقن الدم وفتح باب المساءلة والمحاسبة.. إلا وصدع صوت من صحراء العرب ولهجت صرخة من دياجير «قنوات التضليل والتحريض» بأن مسلسل نزيف الدم السوري لا يزال في أولى حلقاته وأن «أرض الملح» لا تزال ظمأى لدماء أهل الشام.
البارحة فقط, صرّح مسؤول من صحراء العرب بما معناه أن خطة عنان مآلها الفشل ومصيرها التباب طالما أنها لم تحظ ب«ختم ملكي قطري» ولم ترفع أعلام «الجزيرة» والولايات المتحدة و«الناتو» وفرنسا وبريطانيا في قلب دمشق .. ولم يمهر أحرار الشام عبارة merci sarkozy على لافتات مرصوصة تحت منبر أحد خطباء الجمعة من الفقهاء المفوهين الأشاوس الثوار.
البارحة فقط , فضّ رجل من صحراء العرب «بكارة» ورقة عنان ودمّر ما توافق عليه العالم بأجمعه وما دعمه يسار المعمورة ويمينها.. لكأنّه محتّم ومسطّر على السوريين أن يعيشوا بين نار الاقتتال الأهلي البغيض وأوار قتل كل مبادرات التسوية والحل السياسي السلمي.
يصعب على كل محب لسوريا الأرض والتراث.. الجغرافيا والتاريخ.. الإنسان والمكان والزمان.. أن ينفخ في رماد نار لم تنطفئ بعد وأن يعمد إلى غرس سكين في جرح لم ينكفأ بعد.. وأن يكمل سطور صفحة باكية مبكية يتحمل الكل وبلا استثناء مسؤوليتها ويريد الكل وبلا استثناء طيّها اليوم قبل غدا..
يصعب على كل حريص على سوريا.. المقاومة الممانعة.. الصامدة الصابرة.. الأبية النقية.. أن يزيد من وجعها الاجتماعي وأن يدخلها في أتون مشاكل داخلية وفي نفق أزمتها الأهلية حتى يلهيها عن الاستحقاقات الإقليمية والدولية في زمن حرب الإرادات مع الكيان الصهيوني.
يستحيل أن يكون هؤلاء , أصدقاء سوريا أو أحباء أهلها أو أشقاء أبنائها أو حتى داعمي لما يسمى ب«الانتفاضة السورية».. ذلك أن دأب كل مؤيد لحراك الشعوب أن يدعم مطالبه السياسية وأن يجنبه الخسائر البشرية والمادية .. فماذا نفع السوريين إن أسقطوا النظام وفقدوا الدولة وما ربح السوريين إن ذهب نظام وراح معه أو بعده السلم الأهلي وروح التجانس وعبق التآخي .. وما خسارة السوريين إن لجموا ترهات بعض أهل السياسة والإعلام وما ربحهم إن خسروا الحاضر والمستقبل معا.
لا يحرض على القتال والاقتتال إلا كل مريض قلب وفؤاد ووجدان يريد إدامة صراع الإخوة وتأبيد العداوة.. فلا ينتصر حراك «لمبادئه» ولا ينتصر نظام لسيادته وسؤدده.. لتنبثق عنه «جماعة ثورية» ضعيفة تقبل الاختراق وتطلبه وتشرعنه فتسهل بذلك «القطرنة» و«الخلجنة».. أو تنبلج عنه سلطة ضعيفة مطعونة في شرعيتها.. وفي الحالتين يخسر الجميع.. ويدفع الشعب السوري ولوحده فاتورة «شبقيات» الملوك والأمراء للدم.
لم نكن يوما من المعجبين بكوفي عنان.. ولكن إن كتب الله عز وجل على يديه وعلى يدي المخلصين من النظام والمعارضة في سوريا الخلاص والسداد فقد تكون هذه الحلقة المضيئة الوحيدة من ترجمة سياسية ننتظر انتهاءها سريعا جدا...