يواصل الدكتور علي طراد في هذا الجزء من مقاله الحديث عن الإسلام الحنيف دين السلم والسّلام الحق الذي جاء منذ 15 قرنا مناديا البشريّة آمرًا إياهم بالدخول في السّلام. في الحديث الشريف التالي - بصفة ذكرية - عن أبي نصرة رضي الله عنه: قال حدّثني من سمع خطبة رسول الله صلى الله عليه و سلم في وسط أيام التشريق أنه قال:» يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد, وإن أباكم واحد, ألا لا فضل لعربي على أعجمي أو لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود و لا لأسود على أحمر إلاّ بالتقوى».( رواه أحمد بن حنبل في مسنده: 5/411). ذلك أن خصال التّقوى والمساواة و العدل من أقوم الخصال الأخلاقية المقوّمة في الإسلام إذ يرتكز عليها السلم و السلام. مباشرة, هذا زيادة على أن الثالوث القويم منبثق من الإيمان بالله تعالى كبقية الخصال الأخلاقية الإسلامية, حتى بشر النبي صلى الله عليه وسلم بانتشار السلم مع انتشار الدين الإسلامي دين التقوى حين قال: «والله ليتمّن الله عز و جل هذا الأمر حتى يسير الراكب من المدينة إلى حضر موت لا يخاف إلا الله تعالى و الذئب على غنمه».(رواه أحمد بن حنبل في مسنده : 5-111) فالأمر الذي يشير إليه هذا الحديث إنما هو الإسلام يكون لأهله سلما أينما كانوا, و حيثما حلّوا, لأن المسلمين مؤمنون حق الإيمان بالله و بضرورة التقرب إلى الله تبارك وتعالى, ويطمعون في محبته. فلا يكونون سببا في تعكير سعادتهم بأنفسهم بتعكير السلم, بل يطمعون في حصول الأمان من الله عز و جل عن طريق القيام بالأعمال الصالحة في مرضاته ومنها: بلوغ منزلة السّلام والأمن بفضل التقوى وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة: (...لهم دار السّلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون).»الأنعام:127». أي للمؤمنين المسالمين في الدنيا دار السّلام في الآخرة, وهي الجنة ونعيمها. على أن الإسلام من جهة أخرى يجعل للمؤمن حرمة كبيرة في حياته و مكاسبه وعرضه و كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكّر بتلك الحرمة في كثير من المناسبات. ففي خطبة منى في حجة الوداع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا». (رواه البخاري). كما أن الإسلام جاء بعدم إكراه غير المسلمين على الدخول في الإسلام جبرا أو إلزاما بحدّ السيف, والنصوص متوافرة في ذلك, ومنها قول الله عز وجل: {لا إكراه في الدين قد تبين الرّشد من الغي..». (البقرة: 256) فواجب المسلمين حينئذ إقناع المدعوين إلى الإسلام بالحسنى قال الله تعالى آمرا بذلك: «قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم, أن لا نعبد إلا الله و لا نشرك به شيئا و لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون».(آل عمران: 64) يتبع