قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ)أخرجه البخاري (حديث صحيح) فإن الإسلام هذا الدين القيم قد جاء بالخير والصلاح للناس ليعيشوا سعداء مطمئنين تسودهم المحبة والوئام والتعاون ولذا فقد حرص على إرساء علاقات اجتماعية سليمة قائمة على الاحترام والتراحم والعدل ونبذ الظلم لأن ظلمَ الناس بعضهم بعضا يُنقص من حسناتهم ويزيد في سيئاتهم والإنسان مكرّم في الإسلام لا يظلم فيه ولا يهان. ففي خطبة الوداع يبيّن النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة ويقول: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا فليبلغ الشاهد الغائب ألا هل بلّغت). ونظر إلى الكعبة فقال صلى الله عليه وسلم: (ما أطيبكِ وأطيبَ ريحَكِ، ما أعظمكِ وأعظم حرمتَكِ، والذي نفس محمد بيده، لَحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمةً منكِ، مالُه ودمُه في الحديث الشريف السابق يحذّر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في معرض هديه للناس كل من ظلم غيره واعتدى عليه سواء بمسّ في عرضه كأن اتهمه في شرفه أو اغتابه لتشويه سمعته أو سخر منه لإضحاك الناس عليه أو ظنّ به الظنون السيئة أو سعى بالنميمة لإحداث الفتنة بين الناس, أو بتعنيفه وضربه أو بأكل ماله بالباطل زورا وبهتانا وغيرها من المظالم التي نهانا عنها القرآن الكريم في عديد الآيات.هذا الظالم سماه النبي صلى الله عليه وسلم بالمفلس حيث يقول في حديث صحيح رواه مسلم: (أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال: إن المفلس من أمّتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإذا فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار). إن هذا المفلس الذي تحدّث عنه النبي صلى الله عليه وسلم في الحقيقة قصير النظر سطحي الفكر لا يفكّر إلآ في دنياه ونسي عاقبة أمره عندما يقف يوم القيامة بين يدي الله للحساب , ماذا سيقول لربّه؟! ماذا سيفعل أمام خصومه المظلومين الذين يقفون أمامه لاسترداد حقوقهم المسلوبة؟ !فالله جلّ وعلا الذي لا يُسأل عمّا يفعل لم يقبل لنفسه أن يظلم أحدا من عباده , قال تعالى (إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً)(النساء40) كما أنه سبحانه وتعالى حرّم الظلم على نفسه وجعله محرّما بين عباده. ورد في الحديث القدسي فيما يرويه النبي عن ربّه أنه قال: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته محرما بينكم فلا تظالموا...), ولهذا حذّر النبي عليه الصلاة والسلام كل من اعتدى على الناس قولا أو فعلا وانتزع منهم حقوقهم بدون وجه حق حذّره من سوء العاقبة وحثّه على ردّ المظالم إلى أصحابها واستسماحهم في الدنيا قبل أن يفوت الآوان ويأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال, يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم, إنه يوم الحساب الذي لا بيع فيه ولا شراء ولا مساومة فيه لا بالدرهم ولا بالدينار حيث ينتصب الميزان ويقف الناس للحساب ويقتص فيه رب العالمين للمظلوم من الظالم بطريقة عادلة لا تغادر كبيرة ولا صغيرة. حيث يأخذ المظلوم من حسنات الظالم حتى يستوفي حقّه فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أُخذ من خطايا المظلوم وطرحت عليه، ثم طرح في النار.