هل ينجح محمد عبّو في الفصل بين حقيبته الوزارية الحسّاسة وبين منصبه السياسي الجديد؟ ما مدى تأثير جمع الرجل للمنصبين على مصداقيّة الاصلاح الاداري؟ وكيف يُفهم سيسيولوجيا هذا الموقف الذي أصبح عليه عبّو منذ مساء الاحد الماضي؟ وما مدى تأثير ذلك على ثقة الناس في الاصلاح الاداري الملف الذي أصبح منذ هذا الاسبوع في قبضة أمين عام حزب سياسي يمثل جزءا من فسيفساء حزبية في تونس؟ أسئلة طرحناها وأجاب عنها أستاذ علم الاجتماع بجامعة تونس طارق بلحاج مؤكّدا أنّ الخلط بين المنصبين يعني الدفع نحو الاحتقان الاجتماعي من بوّابات عدّة.
يقول الاستاذ بلحاج «من حيث المبدإ دعينا نتفق أن من أهم خلاصات الثورة هو تاريخ علاقة الحزب بالدولة كمدخل فساد للحياة الاجتماعية والسياسيّة ويبدو أن سياسيينا لم يستوعبوا هذا الدرس رغم خلفياتهم الحقوقية ورغم التزاماتهم ما قبل الانتخابات ورغم تنديدهم سابقا بهذه العلاقة ولكنهم الآن يعيدون انتاج ذات السلوك بشكل فاضح أكثر».
ما تفسيركم لهذا السلوك الذي تقولون إنّه مكرّر ومتطابق مع الماضي؟
المشكل الاساسي يعود الى العقل السياسي التونسي فالممارسة التي نراها حاليا تؤكّد أن المعارض لم يكن يعارض من حيث المبدإ بل عارض لأنه لم يجد مكانا في السلطة وثبت أن حقيقة العقل السياسي ليس في الشعارات او في الخلفية الحقوقية بل في الممارسة السياسية لأن ضحايا الامس ومعارضي الامس يعيدون انتاج ذات الثقافة السياسية معتمدين على كفاءات من النظام السابق نظرا لما لديهم من خبرات كبرى في التداخل بين السلطة والحزب وهؤلاء متواجدون بكثافة في الكواليس. ثمّ إنّ أعضاء الحكومة في أحزاب الترويكا لم يستقيلوا من التأسيسي وأعتقد أنه بإمكاننا تفهّم موقف أعضاء النهضة ولا نستغرب موقفهم لأنها حركة عقائدية ومرشحة لأن تكون أكبر حزب في المشهد السياسي التونسي لكن نستغرب ممن قدّم حياته في النضال ضد الاستبداد اعادة انتاج ذات السلوك فلذلك اقولها وعلى مسؤوليتي الشخصية يرتقي الى مستوى الفضيحة الاخلاقية والسياسية لأنه يضرب أهم مقولات الحزب في مقتل وهي الاصلاح الاداري فحزب المؤتمر من أجل الجمهورية له خلفية حقوقية وحزب التكتل عضو في الاشتراكية الدولية. كما انني أرى أن الخلط بين الدولة والحزب يبرز اساسا في ممارسة ترسانة المستشارين في القصر الرئاسي لمهام في السلطة التنفيذية وهم في الآن نفسه نوّاب الشعب في التأسيسي وليس في هذا قطعا مع الماضي وتكمن الخطورة في ان هذا السلوك أتى بعد ثورة.
ما نودّ البحث عنه هو هذه التأثيرات السو
سيولوجية التي تلمّحون بها فيما يتعلّق بتولّي وزير الاصلاح الاداري لمنصب الامانة العامة لحزب ما هي هذه التأثيرات وكيف ترونها؟ وما مدى انسحاب هذه التأثيرات على مصداقية الاصلاح الاداري الذي اصبح في قبضة أمين عام حزب سياسي؟
من يريد أن يحكم تونس عليه الامساك بالإدارة ومن يباشر اصلاح الادارة اليوم هو أمين عام حزب مشارك في الحكم وهذا فيه تعدد للمخاطر فأولا نحن لم نمض بعد في الاصلاح الاداري وثانيا هناك تخوف من توظيف الادارة للمكاسب الحزبية والفئوية ما يعني ضرب أهم مبدإ في الثورة وهو حياد الادارة لكن هذا التداخل بين الرغبة في الامساك بالإدارة وتطهيرها أدّى الى لا فقط عدم الاصلاح بل الى استخدام مورطين سابقا وتوظيفهم لخدمة النظام الجديد القائم حاليا ما يؤكد أن القادمون الجدد للحكم لم يستوعبوا هذا الدرس السياسي.
ما مدى تأثير ذلك على ثقة الناس في الاصلاح الاداري؟
الناس تعلّق آمالا كبيرة على الاصلاح الاداري لأن الادارة كانت أداة من أدوات القهر والضغط على المجتمع وتعطيل مصالحه وكانت مركزا من مراكز الضغط في ادارة الشأن العام وبالإصلاح يكون المرفق العمومي محايدا ويقدّم الخدمة لمستحقيها بعيدا عن منطق الولاء الجهوي أو الفئوي أو العائلي أو الحزبي وما يحصل الآن هو مؤشر انتكاسة لهذا المطلب ويبعث برسالة سلبية وهي غياب الارادة السياسية الحقيقية لإصلاح الادارة والدليل أن من وقع طردهم أيام الثورة تمّت إعادتهم الى مناصبهم بل وترقيتهم أما البعض الآخر ممن تمّ طرده تم ادماجهم في دوائر القرار الضيقة ما يجعل إصلاح الإدارة يتم بمن أفسد الإدارة وبالتالي المشكل ليس في الفساد بل في العقل السياسي التونسي.
حسب رأيكم كيف ستنعكس هذه الصورة السلبيّة كما تقولون على المجتمع؟
ستعود أولا ادانة المواطن للإدارة وعدائه لها وسيتسبب تعثّر الاصلاح الاداري في ارتفاع الحراك الاجتماعي كما سيؤدّي عدم اصلاح الادارة الى زيادة المشاكل الاقتصادية التي تترجم في شكل انفلاتات اجتماعية وذلك لا يمكن حله بإدارة من الماضي لأن ذلك سيؤبد حتما الازمة الاقتصادية وتكون أداة من أدوات الاحتقان الاجتماعي. كما ستتسبب هذه الصورة في خيبة أمل الرأي العام في نخبته السياسية التي انتخبها على قاعدة أنها ستتوّج ثورته. ومن بين التأثيرات الاجتماعية أيضا هو إعطاء القدوة السيئة للمواطنين فإذا رأى الإنسان العادي نخبته السياسية ذات الخلفية الحقوقية تمارس مثل هذا السلوك فانه يبرر لنفسه ممارسات الاستبداد وتجاوز القانون والنزعة الفردانية والفئوية.