اذا كانت الأنشطة الثقافية، تصنف على كونها غذاء روحيا، أو كونها أيضا أنشطة ترفيهية فإنها، الى كل ذلك وأكثر، تنخرط في الانشطة التي تعود بالفائدة على عديد المواطنين من فئات اجتماعية مختلفة، وخاصة الفقراء، وذوي الاحتياجات الخصوصية. وكما هو معلوم، استجاب عديد الفنانين في كل القطاعات الثقافية تقريبا، وبخاصة الموسيقى والمسرح، الى طلبات الجمعيات والمنظمات الخيرية وقدموا عروضا مجانية، دون حسابات...
لكن هذه المرة، اختارت جمعية «مسار من أجل ثقافة بديلة»، أن تقدم البدائل في العمل الثقافي في بعده الخيري. «مسار» نظمت أول أمس مبادرة ثقافية خيرية، عنونتها ب«إن شردوا طيرا يمضي له العش»، فكانت العش الحاضن لطائرين تونسيين... هما مواطنان تونسيان من أبناء حي «بولدوف» بالعمران عاطلان عن العمل، لم يجدا من يأخذ بأيديهما سوى هذه الجمعية الفتية التي نظمت عروضا فنية في يوم واحد، ورصدت مداخيلها لتشغيل هذين الشابين ومازال «المسار» متواصلا...
أول أمس استمتع الجمهور الحاضر، في مقر جمعية «مسار» بأنغام مجموعة مسار الموسيقية، وضحك مع المواقف الكوميدية المقتطفة من مسرحية «تونسي.كوم» الجديدة مع المسرحي جعفر القاسمي...
فكانت الكلمة الطربية، والكلمة الكوميدية حاضرتين الى جانب الكلمة الشعرية، السياسية الصرفة الحاضرة بدورها في قصائد الشاعر التونسي محمد الصغير أولاد أحمد والذي قال أول أمس في عروض مسار: «عندما فقدنا الدولة ويئسنا من الحكومة... وكدنا نطرد من المدينة...
يمكن القول: انه لم يبق لنا سوى الحومة لتعلم فنون المواطنة والتعايش بين السكان والفنون...» خاتما قوله بشكر فضاء مسار، صاحب ما اعتبره بالمبادرة الثورية. هكذا هو الفن ثائر على الدوام أولا يكون، همه الانسان في هذا الوجود والمجتمع الذي يعيش فيه الفنان.
فالمشروع الفني ل«مسار»، غاياته انسانية بحتة... مشروع، أبى أصحابه الا أن يكون صوت المقهورين والمعدمين في هذا الوطن... فهنيئا لتونس بمسار وكما أكد كل من الفنانة رجاء بن عمار والسيد منصف القايم سيتواصل مشروع مسار في «المدار» (مدار قرطاج)... ومع كل الأمل في أن تنتقل عدوى هذا المشروع الى جمعيات ثقافية أخرى، لخدمة المواطن التونسي البسيط. ومادامت السياسة عاجزة عن تحقيق دورها في التشغيل. فالحل في الثقافة التي لا تعترف بالمستحيل...