«ظلال تونسية» مختارات قصصية للأديب العراقي المقيم بتونس عبد الرحمان مجيد الربيعي وهي صادرة عن الدار العربية للموسوعات بلبنان (ط 2 مزيدة). ويندرج الكتاب في اطار التعريف بالأدب التونسي... وقد اختار الربيعي أن يهتم بفن القصّة القصيرة من خلال اختياره لثلاث وأربعين قصة قصيرة من أجيال مختلفة... من فترة الستينات الى فترة التسعينات وما بعدها...
والقصة القصيرة في معناها الاصطلاحي الحديث فنّ وافد على الثقافة العربية من الغرب وقد ساهمت الصحافة بتونس في رسوخ هذا الفن وانتشاره خلال القرن العشرين. وانطلقت مدوّنة القصّة القصيرة التونسية بظهور أوّل قصة قصيرة تونسية كتبها حسن حسني عبد الوهاب باللغة الفرنسية بعنوان: السهرة الاخيرة في غرناطة في حدود سنة 1905 ثم تلتها محاولات أخرى من قبل صالح السويسي ومحمد ماناشو ومحمد الفاضل بن عاشور.
غير أن القصة الفنية بمعناها التقني قد بدأت مع علي الدوعاجي لتشهد العديد من التحولات. ونحتاج بمناسبة صدور «ظلال تونسية» أن نعرّف بخصائص القصة القصيرة التونسية واتجاهاتها في فترتي الستينات والتسعينات هي الفترات التاريخية الممثلة في الكتاب: فترة الستينات: هي فترة مقترنة بظهور حركة الطليعة التي حرصت على تطوير بنية القصة الكلاسيكية وانشاء بنى جديدة باعتبار أن الابداع الحقيقي هو الذي يترسّخ في مستوى الكليات لذلك كانت الكتابات القصصية لدى الطليعيين منعكفة على إبداع البنية القصصية باعتباره غرضا في حد ذاته وهو ما جعلهم ينشغلون عن التفاصيل.
وقد أورد الربيعي قصصا لكتاب من هذا الجيل منهم: محمد صالح الجابري، عمر بن سالم، محمود بلعيد، أحمد ممّو، محمد رضا الكافي، نافلة ذهب وعروسية النالوتي. فترة التسعينات: من أهم مميزات هذه الفترة التخلي النهائي عن الكتابة النمطية الكلاسيكية والاختلاف الكلي عن القصة الطليعية من خلال العناية بالتفاصيل بتوظيف تقنيات متنوعة من أهمّها شعرية الخطاب والعجائبي وإثراء السياق الحكائي بمواقف المراوغة والمباغتة.
واختار الربيعي قصصا قصيرة لكتاب هذه الفترة ومنهم: مسعودة أبو بكر، فوزية علوي، رشيدة الشارني، علياءرحيم، ابراهيم الدرغوثي والأزهر الصحراوي وغيرهم. والقصة القصيرة التونسية في كل مراحلها مشهد مكاشفة ونقل لملامح الحياة الشعبية وصورتي الريف والمدينة، وتصوير لفئات المغمورين والمنسيين، ونقل للصراعات الايديولوجية والفكرية ولعواطف الانسان في مختلف حالاتها: الحب والكراهية، الوفاء والغدر، التجذّر واليتم والاعتقال والانعتاق...
يقول عبد الرحمان مجيد الربيعي في تقديم الكتاب:
«إن هذه المختارات هي ثمرة اجتهاد شخصي أتحمّل مسؤوليته الأدبية وحدي... وجاءت في المحصلة النهائية ممثلة لكل الاجيال، وإن كانت بعض الاسماء قد جرى تثبيتها لقيمتها الريادية ولأنها مثلت مرحلة هي أشبه باستكمال مرحلة التأسيس المبكرة فإن هناك أسماء هي أبرز رموز جيل الستينات وأخرى من العقود التي تلت، وصولا الى اسماء شابة لم تنل حظها من الانتشار، لكنني أراهن عليها، يحرّكني ما يشبه اليقين أنها ستشكّل الذخيرة الشابة لقصة القرن القادم في تونس».
«ظلال تونسية» تعرّف بالابداع القصصي التونسي في تشكيلة من أرقى نصوصه وأجملها... يقدّمها أديب عراقي مقيم بتونس... عايش كل الاجيال ورافق تجاربها...
وخبر البلاد في كل جهاتها...
ولكننا نسأل: لماذا استحضر الكتاب أسماء دون غيرها؟ ونصوصا دون أخرى؟... يقول الربيعي: «إن ذائقتي كانت وحدها الحكم وكانت المقياس... وقد يختلف معي آخر عندما يعد انطولوجيا اخرى، فيأخذ اسماء لم أوردها»...