على غير خواتم الملتقيات الشعرية انتهت فعاليات ملتقى ديوان الشعر والفنون بمدنين بالفن الرابع، حيث عرض الفنان المغربي عبد الحق الزروالي مسرحيته ذات التهويمات الصوفية «كرسي الاعتراف» على جمهور شعر في فضاء استثنائي هو مسرح «القصور» وتحديدا ساحة المتحف الذي لم يضف لها السينوغرافيون للسهرات الشعرية غير النزر القليل من الجهد الجمالي حتى تكون مهيأة لمفاجأة الشعراء قبل المتقبل لما للمكان من شعرية خاصة يمنحها من أصالته وعبق تاريخ يضوع بين أرجائه. لئن كان شرف الاختتام من نصيب المسرح فان فضل التدشين كان للفن التشكيلي ممثلا بمعرض للفنان محمد رشيد راجح الذي يلقبه أصدقاؤه من المثقفين والمبدعين ب «حنظله»، وقد كانت اللوحات المعروضة مقدما لها بنص جميل كتبه الأستاذ الحبيب الهازل كشف فيه وأبان عن بعض خصائص هذه التجربة التشكيلية في قراءة عاشقة تسند المتلقي وهو يجول بين آثار الفنان.
لم يكن الافتتاح بالتشكيل والاختتام بالمسرح من قبيل الاعتباط وإنما يندرج في صميم الرؤية الجمالية المقترحة لمديري ملتقى الشعر والفنون الذين بات من الجلي انه لم يكن همهم إنتاج عكاظية شعرية أو مهرجان شعري بالمنوال الكلاسيكي المعروف بل قل إنهم يخوضون التجريب بتحويل الأمسية الشعرية إلى عرض فني وزحزحة مفرداتها من شاعر ومصدح ومنبر لتصبح حوارية شيقة بين الشعر وسائر الفنون من مسرح وسينما وموسيقى، فسلّمت زمام السهرات الشعرية إلى فنانين مسرحيين من قبيل حسن المؤذن والبغدادي عون ورضا ناجي والحبيب بوكوبة, ليصوغوا مشهدية تكون فيها السيادة دوما للشعر أما سائر الفنون فهي «خدم» له فعرف فضاء «القصر» سينوغرافيات متعددة تجاوب معها الشعراء واستطرفوها وكانوا على درجة من الاحترافية جعلتهم يقبلون في تفاعل منتج المقترحات الإخراجية وتعددت الأصوات في ديوان الشعر والفنون فاستمعنا إلى القصيدة من سوريا ولبنان والعراق والجزائر أما التمثيل التونسي فكان موزعا بين الأصوات الشابة مثل سفيان بن رجب وزياد عبد القادر وشعراء يمثلون الاجيال فقرأ الوهايبي من جيل السبعينات وادم فتحي وأولاد احمد من الثمانينات ومجدي بن عيسى من السبعينات، ولم يخل هذا الملتقى الشعري من فواصل مهمة حيث وقع الاحتفاء بإصدارين جديدين هما «بنفسج الديكتاتورية» للدكتور محمد الجويلي قدم له الأستاذ فتحي الرحماني وكتاب «تاريخ الزمن الراهن» للدكتور فتحي ليسير قدم له الأستاذ محمد الباشا.
أما الندوة العلمية فقد كانت في عمق رؤية الملتقى بموضوع «الشعر في مفترق الجماليات» وعرضت خلالها مداخلتان الأولى للأستاذ الأزهر الصقري بعنوان «الشعر والحفل» أما الثانية فهي لحسن المؤذن ممهورة ب «ما بين الشعر والمسرح» وقد لاقت الندوة حضورا طيبا ونقاشا ثريا بعد أن حمّل المتدخلان مسؤولية ضمور الأماسي الشعرية إلى الشاعر وحده الذي لم يستفد من الجماليات المجاورة وظلت قراءته للشعر نمطية مكرورة.
إجمالا يمكن الجزم دون تريث أن ديوان الشعر والفنون بمدنين ألقى حجرا في مياه الشاعر الراكدة ومارس تحريضا على أن يكف الشعراء عن إدبارهم والنأي بأنفسهم عن سائر الفنون وهكذا تمثل هذه التظاهرة رغم بعض نقائصها مثل التوقيت او تفاوت الحضور الجماهيري او كثافة المادة المقترحة وعدا جميلا بملتقى جاد ومختلف لا يركب السبل المسطورة .