لم يكن الأحد يوما هادئا بالنسبة لرئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر فالرجل وجد نفسه في مواجهة حملة تشويه كبيرة طالت شخصه وطالت تاريخه السياسي في صفحات المواقع الاجتماعية وأبرزها موقع فايسبوك. هذه الحملة شنّها أفراد وصفحات تحسب على أنصار مبادرة الوزير الأول السابق الباجي قايد السبسي «نداء تونس» كما شارك فيها عضو المبادرة محسن مرزوق والطاهر بن حسين مدير قناة الحوار وذلك على خلفيّة خبر نُشِر الأحد جاء فيه أنّ «مصطفى بن جعفر يتهم الباجي قايد السبسي بتهديد أمن المجتمع بتصريحاته الخطرة في افتتاح تظاهرة نداء الوطن والتي اعتبر فيها أنّ الحكومة الحاليّة ستفقد شرعيّتها بنهاية مدّة السنة أي بحلول تاريخ 23 أكتوبر القادم وهو ما يجعل الحكومة تعمل تحت الضغط المتواصل».
انتقادات لاذعة
كان الخبر شرارة حملة الانتقادات لبن جعفر فكتب مرزوق «لا أريد الدخول في جدال مع السيد مصطفى بن جعفر الذي يبدو فقد السيطرة على أعصابه ولسانه فالمفروض أن يترفّع رئيس المجلس التاسيسي عن الخلافات بين التونسيين لأنّه من المفروض أن يعبّر عنهم جميعا ويمثّلهم.» وكتب ايضا «أن يقول بن جعفر أنّ قيام مجموعة من التونسيين المسالمين بتأسيس حزب هو تهديد للأمن العام فهذا خروج خطير عن النص. أعتقد أنّ الرجل قد أفقد نفسه أيّة مصداقيّة ودنّس موقعه.
الشيء الوحيد الذي اقوله له وهو يدعي باطلا انّ حركة نداء تونس هي حركة دستوريّة أنّه عيب عليك يا بن جعفر إذا كنت تعرف العيب أن تتهم الطيب البكّوش وبوجمعة الرميلي ومحسن مرزوق والعكرمي الذي كان قياديّا في حزبك التكتّل وغيرهم أنهم دستوريون. انت تعرف ان ذلك غير صحيح ولابدّ ان نذكر الراي العام وسنقول ذلك أنّك كنت دستوريّا طيلة فترة هامة من حياتك وتحملت مسؤوليات في الحزب الدستوري أنا أدعوك لحفظ لسانك كرئيس المجلس الوطني التاسيسي».
بذات النبرة الحادة كتب الطاهر بن حسين «أكثر نهار قمع فيه نظام بن علي مصطفى بن جعفر هو فشلو عجالي كرهبتو» وكتب كيف تعامل بن جعفر بحسب قوله مع مخابرات بن علي من أجل الحصول على تاشيرة لحزب التكتل وغيرها من المعلومات التي نُشِرت ليلة الاحد وتناقلها مستخدمو الموقع الاجتماعي فايسبوك فكانت ليلة التهجّم على بن جعفر دون منازع. ولم تتوقّف حالة التشنّج عند أنصار مبادرة السبسي فحسب إذ كتبت جنان الامام عضو المسار الاجتماعي الديمقراطي، رئيسة قائمة القطب الديمقراطي الحداثي سابقا في دائرة نابل1، أنّ بن جعفر بات يذكّرها في جعفر النميري في السودان فهما بحسب قولها يحملان ذات التسمية وذات الملامح الانتهازية السياسيّة «فبن جعفرنا سليل الديمقراطية الاجتماعية تحالف مع النهضة وتبنى أطروحاتها وهو بصدد بيع كل شيء مقابل كرسي السلطة. أمّا جعفرهم فهو ايضا ينحدر في الاصل من اليسار ولكن وصوليته جعلته يرسي دعائم الحكم الديني في بداية الثمانينات في السودان ليرضي الاسلاميين وليبقى في السلطة وقد أعدم اثر محاكمات صوريّة كل من عارض قوانين الشريعة الاسلامية والمسماة بقوانين سبتمبر 1983 ومن اشهرهم المفكر محمود محمد طه وعدد من تيار الجمهوريين بتهمة اثارة الكراهية ضد الدولة ولكم في تاريخ السودان عبر».
بنّور ينفي
بعض المتابعين لتلك الانتقادات اللاذعة التي وُجِّهت لبن جعفر فسّروا ردّة الفعل القويّة هذه على أنّها انفجار لتراكمات غيض محمول على الرجل. وذهب البعض منهم إلى الحديث عن صراع خفي يحدث بين الباجي قايد السبسي من جهة ومصطفى بن جعفر من جهة اخرى خرج علنا في اطار توتّر في التصريحات.
فهل هناك فعلا صراع خفي بين الرجلين؟ وإن كان كذلك هل هو صراع سياسي وتواصل لخلاف بينهما، كل من موقعه كمعارض سابق بالنسبة لبن جعفروكحاكم سابق بالنسبة لقايد السبسي؟ أم هو صراع شخصي بين ابنيْ العاصمة يرى كل منهما مشروعه الاصلح لاخراج تونس من ورطتها السياسيّة؟
ينفي محمد بنّور الناطق الرسمي باسم التكتّل وجود أيّ توتر في العلاقة بين الرجلين ويصف تلك العلاقة بالعادية. كما يقول «لم ينطق مصطفى بن جعفر باسم الباجي قايد السبسي يوم الاحد حين سُئل عن مبادرة نداء تونس وما راج هو عدم أمانة في نشر المعلومة ونحن نطلب من الصحفيّة التي بثّت الخبر الاعتذار وليعلم الجميع أنّنا لا نقاضي الإعلاميين بل نطالبهم بالاعتذار أمّا عن الباجي قايد السبسي فكنّا نخيّر أن يظلّ الباجي قايد السبسي فوق الأحزاب حتّى لا يدخل في الصراع السياسي على غرار مصطفى الفيلالي وأحمد المستيري ولأنّه فضّل أن يكون طرفا سياسيّا يصبح في جدل سياسي قد لا يتماشى مع شخصه ومع موقعه».
صراع خفي
وبالعودة الى التاريخ السياسي للرجلين نجد الباجي قايد السبسي، خرّيج كلّية الحقوق في باريس عام 1950، ومصطفى بن جعفر، خرّيجة كلّية الطب بفرنسا في السبعينات، ناشطان سياسيان في الحزب الحر الدستوري الجديد. كلاهما غادر الحزب بداية السبعينات ليلتحق عام 1978 بالمجموعة المنسلخة عن الحزب الاشتراكي الدستوري والمؤسسة لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين بزعامة أحمد المستيري. بعدها عاد الباجي قايد السبسي الى صف النظام وشارك في انتخابات بداية الثمانينات وتقلّد مناصب سياسيّة منها وزير داخلية ووزير دفاع ورئيس مجلس النواب قبل أن ينسحب من الحياة السياسية بشكل نهائي في 1994 ويعود إليها مجددا عام 2011 بعد انهيار نظام بن علي لتولّي الوزارة الاولى في المرحلة الانتقالية الاولى. الرجلان عادا للظهور مجددا جنب الى جنب من خلال ما صرّح به حمادي الجبالي مرشّح حزب حركة النهضة، حزب الاغلبية في انتخابات 23 أكتوبر، لتولي رئاسة الحكومة في أخبار الساعة الثامنة بأنّ حركة النهضة لديها أكثر من مترشح لرئاسة الجمهوريّة منهم الباجي قايد السبسي ومصطفى بن جعفر.
الحديث عن التنافس السياسي بين الرجلين عاد خلال الفترة الاخيرة إذ تحدّث مراقبون عن صراع غير معلن بين الطرفين ففي الوقت الذي كان الباجي قايد السبسي يقود جولات مكوكية في الخارج قادته الى قطراستعدادا لاطلاق مبادرته السياسية أعلن بن جعفر خارطة طريق لتحديد مواعيد لالتزامات المجلس التاسيسي في صياغة الدستور الجديد قِيل إنّها كانت مغمّسة في رغبة الرجل في التموقع في الساحة السياسية بكيفية تخوّل له كسب نقاط إيجابيّة لصالحه. ويقول مراقبون إنّ الحدثان يظهر لا رابط بينهما لكنهما يبطنان علاقة بمسألة الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة لأنّ الرجلان معنيان بهذا الاستحقاق.