منقبات سافرات محجبات... اختلفت مظاهرهن الخارجية... الا ان ما جمعهن هو نفس الغاية مصحوبات بازواجهن واطفالهن... على طول شاطئ ياسمين الحمامات... بعضهن جلسن الى مظلات تابعة لمساحات النزل القريبة واخريات قدمن فقط من اجل «تبحيرة سريعة» لا احد التفت الى الطرف الاخر... تقدمت المنقبة الى المياه رفقة طفليها وزوجها وغير بعيد عنها كان عددا من السائحات وقد استلقين على الرمال يتمتعن باشعة الشمس... موسيقى صاخبة تنبعث من كل مقسّم على الشاطئ سافرات يرقصن على الرمال... والاهم أن لا أحد اهتم بمظهر من يجاوره. فقط كنّ جميعهنّ أمهات وأخوات. «وكل فول لاهي في نوارو».
فكانت صورة مصغرة من تونس التي نريدها ان تكون وليست ما هي اليوم عليه؟
لكن هل ما زلنا نؤمن بأن تونس تتسع للجميع؟ هل مازال بامكاننا التعايش معا في ظل خلافات واتهامات وكل يدّعي ان الوطن خلق له وحده؟ فترجمة كلمة تونسية أضحت مقسمة هذه سافرة أو منقبة أو متحجبة... والاخر إما سلفي أو علماني أو خوانجي وتاهت كلمة تونسي في الزحام.
الازمة رجالية بحتة
«انها ازمة رجالية بحتة وليست نسائية» هكذا اعتبرتها سندس معتبرة ان النساء اقل شراسة في هذه الوضعية من الرجل وانهن لا يعاملن بعضهن بهذه التفرقة مضيفة : «انا منقبة قبل 14 جانفي» وزوجي سلفي حقيقي من سنوات طويلة وجاراتي كلهن سافرات ولكننا عشنا معا كجيران نحترم بعضنا. زوجي يغضّ فعلا بصره ولكنه لم يتدخل يوما في جار له وجاراتي يبادلنني الاحترام... وحين نلتقي كنسوة لا اتذكر يوما ان جارة لي نقدتني بسبب النقاب بعكس ما يحدث اليوم على الساحة ارى ان الرجال هم السبب لقد بلغوا مرحلة من تقسيم الوطن بسبب الانتماء ونسوا انه من المفروض لنا انتماء واحد... اكيد هناك من له مصلحة في جعلنا متفرقين في حروب واهمة رغم ان تونس تتسع لنا جميعا وكل شخص حر في «حياتو».
بيرم الهمامي طالب مرحلة ثالثة: ماجستير بحث في التسويق 27 سنة ناشط بالمجتمع المدني ابدى رايه بالقول: «من البديهي أنّ كلّ مجيب عن سؤال هل أنّ التونسي اليوم مازال يؤمن بكون تونس تتسع للجيمع؟ ستكون اجابته بالاقرار والايجاب ولكن الذي يفرّق بين اجابة وأخرى هي دوافع ذلك ومقوماته ومبرراته.
الكثيرون ينظرون الى الساحة السياسية التونسية الآن على انها ساحة صراعات للاستقطاب ومحاولة عزل طرف عن أخر أو محاولة عزل طرف عن الواقع عموما ودفعه نحو الاندثار.... وهذا خاطئ في تقديري حيث أنّ ما عاشته تونس منذ الاستقلال االمزعوم الى يوم 17 ديسمبر جعل الساحة الفكرية والسياسية تعيش في عقم وفي حالة جمود تام وجاء اليوم الذي فتحت فيه ابواب التعبير عن الراي والذات بكلّ جرأة ودون قيود وكأنّ الشعب التونسي بعد 14 جانفي هو من أصحاب كهف افلاطون في امثولة الكهف مازال يعاني من صعوبة الرؤيا وتعقّل الاشياء.
مثل هذه الاوضاع وفي المراحل الانتقالية من شأنها ان تؤجج التدافع بين الأفكار والخلفيات المتباينة كما من شأنها ان تؤجج نار التصارع بين الفكر ونقيضه وهنا يخيّل للوهلة الأولى أن البلد تعيش حالة حرب فكرية يجب ان ينتصر فيها طرف على الآخر وبالتالي امّا انا او أنا. حيث أنتج الواقع وضعية الم يألفها التونسي ولم يتعود عليها.
ثقافة الإقصاء
يضيف بيرم: «من هنا جاءت ثقافة الاقصاء من قبل أقليات مشوشة وتغرد خارج السرب وبعد انتشار هذه الثقافة بيننا زادت الكراهية بين أبناء الوطن الواحد وأصبح من السهل أن كل واحد يتهم الآخر بكل ما هو عار وسلبي دون دليل أو برهان أو جزء من المنطق والطرح والاتهام العقلاني وبدأت ثقة المواطنين تتزعزع بالسلطات وبثقة المواطنين بعضهم البعض وعلى ذلك زاد التشاؤم وندر التفاؤل وبدأت البلاد تنشل وكأنها فقدت كل ما هو جميل وإيجابي...!
علينا بالعقل ثم العقل ومن ثم العقل ويجب أن نتريث في إطلاق أحكامنا تجاه الآخرين ويجب أن نبتعد عن هاجس التعميم بحق الأفراد والمؤسسات بكل ما هو سلبي ويجب أن ننسف ثقافة التشاؤم ونرى بعين التفاؤل والأمل والتطلع ويجب أن نعالج مشاكلنا برؤية وهدوء وعقلانية دون تشنج وعصبية ونظرة سوداوية مظلمة ويجب ألا نحمل الأمور أكثر مما تحتمل ويجب ألا نعمم السلبية وكذلك الإيجابية ويجب أن نرى السلبي والإيجابي بكل واقعية دون تهويل وتضخيم وعلينا أن نحول كل ما هو سلبي إلى إيجابي بالعمل والإنتاج والإخلاص وليس بالقول فقط والتمني بل بالجهد العقلي والبدني المخلص وعلينا أن نتمسك بكل ما هو إيجابي ونساعد على تثبيته وتقدمه.
طاولة الحوار
كتونسي أحمل همّ هذا البلد أنادي كلّ الاطياف الى طاولة الحوار والى غرس عقلية قبول الآخر والتعامل الصحيح مع الاختلاف، جميعنا في مركب واحد لكل منّا الحق بالعيش حرّا ببلده ولكل منّا واجب نؤديه اليه
نجمة وهلال تجمعنا كتونسيين ومصلحة عليا للبلاد توحد بيننا ورسالتي الى السياسيين والمسؤولين انكم لازلتم انتم في واد والشعب في واد تناحركم من اجل الجاه والكراسي والمصالح الحزبية السياسوية الضيقة يدفع الشعب التونسي ضريبته بعد ان اصبح أمنه مهددا واسقراره غير مضمون... اذا واصلتم هكذا فستكونون مسؤولين امام الله وامام الشعب وامام التاريخ عما سيحدث وعن توسيع الهوة بين افراد الشعب الواحد.
الشعب التونسي عوامل وحدته كثيرة ومتنوعة منها أنه شعب عربي مسلم اذا فهمنا هويته فهما مستنيرا نجدها تدعوه الى التوحد والانفتاح والى التنوع والاختلاف الى الاثراء والابداع الى جمالية صورة المجتمع متعدد الألوان ومنها العامل التاريخي والاجتماعي الذي أصبح جزءا مكوّن للشخصية التونسية.
يختم بيرم كلامه المتحمس: «تاريخيا تونس افريقية التي اعطت اسمها لكل القارة لانها كانت حلقة الوصل بين شرق المتوسط وجنوبه وشمال المتوسط. هذه افريقية حلقة بين مختلف الحضارات. من هنا مرّ الفينيقيون وتلاهم الرومان واردفهم المسلمون وطيلة كل هذه القرون احتفظ ابناء هذه الارض بخصوصية محمودة خلقت فيهم ملكة قبول الاخر والتعايش السلمي معه.
واليوم لا يمكن لهذا الشعب ان يتنازل عن هذه الملكة لصالح اي طرف كان مهما كان انتماؤه. هذا جوابي لمن يحاول اقصاء بعض أطياف المجتمع التونسي اذّ انّ العديدين وللأسف مصابين بعمى الألوان لا يحبذّون جمال قوس قزح ويكتفون باللون الواحد والأوحد الاعلام زاد في رقعة التفرقة
محمد 28 سنة متحصل على الأستاذية في المالية معروف بكنية «ريكوبا» رأى من منظوره ان الاعلام ساهم في توسيع رقعة الفرقة بين التونسيين مما جعل الشعب يتناحر فيما بينه... مضيفا: حين نتساءل هل تونس تتسع للجميع يكون السؤال في مضمونه إجابة بنعم تونس للجميع ونستطيع التعايش معا مهما كانت طريقة تفكيرنا أو تصورنا لتونس المستقبل, فلكل شخص احلامه وطموحه أنا مثلا أريد دولة تطبّق الشريعة الإسلامية وهذا من حقي أن أريد لانني أؤمن بأن الإسلام هو دين عدل ورحمة ومحبة وكرامة وحب وتضمن فيه حق الأقلية.
لقد عشنا سنوات طوال في دولة تفصل الدين عن السياسة ووما نراه اليوم هو نتاجها ... يضيف «ريكوبا»: أنا كشخص لي أصدقاء من كافة التيارات من السلفي الجهادي إلى الشيوعي ( التجمع لا) تختلف إديولوجياتنا لكن تجمعنا الروابط البشرية وأتمنى أن أرى تونس منارة من منارات الإسلام والإقتصاد.
لست سعيدا بهذا التناحر وهذه الفرقة التي بين الشعب التونسي وأني لأحّمل المسؤولية كاملة إلى الإعلام التونسي الذي ساهم في هذه الفرقة والفتنة.
يحدوّن من حريتنا
«انهم يحاولون الحدّ من حريتنا» كان هذا موقف الهادي معتبرا ان ما يحدث حاليا شوّش فكر التونسي وجعله خائفا جدا مضيفا: «تونس تتسع للجميع لكن هل يؤمن الجميع بهذا الامر؟» صراحة ما يحدث احيانا يجعلنا نخاف من ان تحكمنا فئة تفرض علينا بالقوة والعنف وربما رويدا رويدا نظاما ديكتاتوريا بغطاء ديني... لا تخيفني عملية الاختلاف فهي موجودة ولتنجح الثورة علينا ان نتعايش معا وكل انسان حر في حياته الخاصة على ان لا تعتدي على حرية غيرك انا مثلا زوجتي محجبة وارفض رفضا قطعيا ان يتدخل اي انسان في اجبار ابنتي على ارتداء الحجاب مثلا. .أشرب الخمر خارج البيت لكن لا اعتدي على غيري وهذه الخصوصيات تهمني وحدي... فلو بلغنا مرحلة ان كل انسان حرّ وتقف حريته عند انف الاخرين سنصبح فعلا اجمل دولة في العالم.