وكأنّ تجربته السياسيّة في تأسيس حزب سياسي (الاتحاد الوطني الحر) لم تُشبع حماسته وتوقه إلى العمل والبروز على الساحة الوطنيّة، فمرّ إلى الرياضة اللعبة الشعبية الأولى في تونس وفي العالم عبر رئاسة أحد أهم الأندية (النادي الإفريقي). لا يريد السيّد سليم الرياحي أن يعطي الانطباع بأنّ تولّيه رئاسة النادي الإفريقي قد شغلهُ عن هموم السياسة ومشاغلها بل هو ما يزال مصرا على الحديث في شجون المستجدات والتطورات الوطنيّة مبديا رأيه في مختلف المبادرات مقدّما قراءته لواقع الحياة السياسيّة ومستقبلها.
كيف تنظرون إلى مختلف المبادرات السياسية التي يتم طرحها هذه المدّة ؟
طبعا الحديث هذه المدّة يركّز على مبادرة السيد الباجي قايد السبسي وقد كنا عبّرنا في السابق عن دفاعنا التام عن حق الجميع في المساهمة في طرح البدائل السياسية العامة التي يرونها صالحة للبلاد في سياق خدمة المصالح العليا للوطن وعرض هذه الأفكار لتكون مع غيرها الاطار الطبيعي لصراع البرامج والبدائل في نسق ديمقراطي تترك فيه الكلمة الأخيرة للاختيار الشعبي ، علينا أن نتّفق أنه لا أحد في تونس يمتلك الحقيقة المطلقة والحكمة الكاملة وصلاحية البرامج والأطروحات تختبرها الديمقراطية عبر صندوق الاقتراع ، مبادرة سي الباجي ستثري بالتأكيد تنوّع البرامج المطروحة على الساحة السياسية ولكن أنا على ثقة تامّة بأن سي الباجي بما يمتلكه من خبرة سياسية طويلة له وعي كامل يختلف مع حماس بعض أنصاره الذين يعتقدون في نشأة استقطاب ثنائي : امّا مشروعهم أو مشروع حركة النهضة ، أتمنّى على سي الباجي أن يحرص على التخلّص من هاجس الاستقطاب الثنائي ويعمل من خلال مبادرته على أن يكون أحد عناصر الدعم لمفهوم الوحدة الوطنية بين كل التونسيين لا أن ينضاف الى الساحة السياسية كورقة لمزيد التقسيم والتشتيت والصراع، البلاد في حاجة الى وئام مدني ووفاق سياسي و أعتقد أن أي مبادرة وطنية تريد أن تكون بنّاءة وايجابية يجب عليها في الظروف الحالية للبلاد أن تكون عنصر تجميع ووفاق لا عنصر تشتيت وتغذية للصراعات والمشكل أن الأرضية المكتوبة الخاصة بمبادرة نداء تونس ايجابية في معناها الوطني التوحيدي ولكن كواليس المبادرة ومنطوق خطاب سي الباجي يوم الإعلان عن النداء يميل لتغليب معطى الصراع بل والاستفزاز المجاني أحيانا للنهضة أكثر من محاولة البحث عن بدائل بعيدا عن منطق القسمة الوهميّة امّا حركة النهضة أو مبادرة نداء تونس»، لا أعتقد أنه من الطبيعي أن يكون البرنامج الوحيد لأي مبادرة سياسية تتقدّم كبديل جدّي الى الساحة السياسية هو فقط أن أكون ضد النهضة.
في جانب آخر وحتى لا نهضم حق بقية المبادرات أعتقد أن مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل والخاصّة بالبحث عن أرضية مشتركة بين مختلف القوى السياسية والمدنية للحوار الوطني جديرة بالتشجيع والتنويه والدعم لكن تبقى حقيقة الواقع أكثر تعقيدا لأن المبادرات النظرية جيّدة ولكن التنازلات الواقعية على الأرض من هذا الطرف أو ذاك هي مجال الاختبار الحقيقي لاستعداد كل طرف من أجل التضحية في سبيل انقاذ البلاد وهذا ما يعكسه تحديدا ملف العلاقة بين اتحاد الشغل والحكومة.
ولكن أين أنتم من هذه المبادرات ... هل تكتفون بموقع المتفرّج ؟
سؤال وجيه، نحن نتابع تطوّرات الوضع السياسي بالبلاد ونحن نحدّد شكل تحرّكنا على ضوء القناعات الأولى التي تأسّس عليها الاتحاد الوطني الحر، نحن الحزب السياسي الوحيد الذي يعلن بوضوح أن أولويّة الأولويات في رؤيته وقناعته وبرنامجه هي الانقاذ الاقتصادي، نحن مع تقديرنا لكل المبادرات السياسية نعتقد جازمين أن تونس في حاجة الى مبادرات في الاقتصاد وشبعت الى حد التخمة بالمبادرات في السياسة، انزلوا الى الشارع واقتربوا من المواطن التونسي ستجدون أن التونسي لم يعد يهمّه كثيرا الكلام في السياسة لقد امتلأت بطن التونسي بالشعارات والتونسي اليوم في حاجة لتحسين مقدرته الشرائية، في حاجة للتشغيل، في حاجة للامكانات المادية من أجل المسكن والصحّة والتعليم والترفيه، لو أن مجهود التفكير المنصب حاليّا على السياسة تم تخصيص نصفه للتفكير في حلول لفائدة اقتصاد البلاد، لفائدة الحياة اليومية للتونسيين التي أصبحت صعبة يوما بعد يوم لكانت تونس بخير ، أنا على قناعة أنه لو تواصل الوضع الحالي من الإسهال الحاد في الكلام والشعارات والتخمة المبالغ فيها للسياسة على حساب الاقتصاد والوضع الاجتماعي للمواطن
ما هو تقييمكم لأحداث العنف الأخيرة التي عرفتها البلاد ؟
طبعا نحن أدنّا ممارسة العنف واستهداف الأملاك العامّة والخاصّة ودعونا الحكومة الى تطبيق القانون بالحزم المطلوب ، نحن نعتقد أن بعض الأطراف أرادت زجّ البلاد في أجواء فتنة لكن والحمد الله هذا السيناريو انتهى الى الفشل بالنظر إلى درجة الوعي والانضباط التي تم التعامل بها مع الأحداث سواء من طرف الأجهزة الأمنية أو من طرف القوى السياسية الرئيسية التي لعبت دورا رئيسيا في تهدئة الأوضاع وعدم مزيد صب الزيت على النار ولكن اسمح لي أن أقول لك إن الخطر لا يكمن في ما عرفته البلاد من أحداث عنف المدة الفارطة الخطر في رأيي والذي لم يجد إلى الآن الاهتمام الكافي من طرف النخب السياسية هو الجديد الوارد في خطاب أيمن الظواهري الذي خصّص كلمة كاملة للوضع في تونس وهي سابقة نادرة في تاريخ تنظيم القاعدة حسب خبراء الإرهاب المختصّين في هذا الملف ، أنا أستغرب من نخبنا السياسية تفرّغها للشتائم والصراعات الجانبية في ما بينها وإهمالها الكلّي لهذه المسألة ، لم أجد أي منبر نقاش استضاف مختصّين في قضايا الإرهاب لتحليل خطاب الظواهري ، أنا أعتقد بجديّة أن الأمن القومي التونسي مهدّد وأن كلمة الظواهري وردت مليئة بالرسائل المشفّرة وأن واجب اليقظة الأمنية والمدنية تجاه كل ما يتهدد بلادنا من مخاطر أصبحت مهمّة وطنية ملحّة بعيدا عن التمادي في مهاترات الصراعات السياسية الفارغة وأطماع الحكم الصبيانية.
ما تقييمكم لأداء الحكومة في ظل الاختلافات الموجودة على هذا المستوى بين أنصار الحكومة وخصومها ؟
أوّلا أنا من الذين يؤمنون بأن هناك فروقا كبيرة بين موقع المسؤول والفاعل وموقع المتفرّج والمتابع، من السهل جدّا إطلاق الأحكام العاطفية حسب موقعك سواء كنت مناصرا أو معارضا، أقول إنه من الظلم التشكيك في النوايا والجهود التي تقوم بها الحكومة الحالية في إدارتها للوضع بالبلاد ببساطة لأنها حكومة تريد البقاء وهي تدرك أن بقاءها رهين نجاحها ولكن النوايا الطيبة والجهد الكبير وحدها لا تكفي، أقولها وأعيد البلاد في حاجة الى وفاق وطني بمعنى تأجيل الخلافات السياسية والإيديولوجية وجعل مهمّة إنقاذ البلاد واستقرار الأوضاع مهمّة وطنية مشتركة دون أن يكون فهم البعض لمسألة الوفاق الوطني أنه اعادة اقتسام لغنيمة السلطة بطرح موضوع حكومة جديدة لأن مفهوم الوفاق الذي نحتاجه اليوم أكبر بكثير من مجرّد وفاق حول قسمة الحكم بل هو وفاق من اجل إنقاذ تونس دون البحث عن المصلحة السياسية الضيّقة.
أخيرا لا يمكن أن ينتهي الحوار دون أن نسألك عن النادي الإفريقي، يقول البعض إنّك اليوم برئاستك للنادي الافريقي أصبحت على رأس أكبر «حزب رياضي» وأنّك قد تستثمر ذلك سياسيّا وانتخابيّا..ما تعليقك؟
لا أبدا أنا على رأس جمعية رياضية عريقة وكبيرة بتاريخها وجمهورها هي النادي الإفريقي وأفرّق جيّدا بين مسؤوليتي الرياضية الجديدة والتزاماتي السياسية ، النادي الإفريقي يلخّص تونس داخله ، جمهوره يضم كل التونسيين بمختلف انتماءاتهم وأفكارهم وجمهور النادي الإفريقي أذكى من أن يستغلّه احد ، جئت إلى النادي الإفريقي كمحب يريد أن يخدم مشروعا رياضيا بالأساس مشروع عودة الإفريقي إلى مكانته الرفيعة ونحن مستعدّون لتوفير كل أسباب النجاح لهذه المهمّة .
هل يبحث سليم الرياحي في الرياضة عما قد يكون افتقده في السياسة ؟
أنا لم أفتقد أي شئ في السياسة ، البعض يريد أن تلاحقنا عقدة نتائجنا المخيبة في انتخابات التأسيسي ، لكني أزداد كل يوم ثقة في مستقبل مشروعنا السياسي الذي لا يتجاوز سنّه التسعة أشهر ورغم ذلك فان البعض انتظر أن نكون من أبرز المنافسين خلال الانتخابات الفارطة وهذا في حدّ ذاته مكسب مهم يجعل من غير المعقول أن يتم تقييم تجربتنا بنفس المقاييس التي يتم بها تقييم تجارب أحزاب أخرى موجودة في تونس منذ أكثر من ثلاثين سنة ، جئنا للنادي الافريقي من أجل مشروع نجاح رياضي والجماهير الرياضية في تونس عموما وجماهير النادي الافريقي خاصّة أذكى من أن تسمح لأي أحد أن يستغل فرقها لغير أغراض النجاح الرياضي
إذن ما يزال لكم طموح سياسي ,ماذا فعلتم في هيكلة الحزب وتطويره خاصة بعد انسحاب بعض الوجوه القيادية منه (خالد شوكات)؟
هيكلة الحزب مستمرّة، نحن لسنا حزبا عقائديا مغلقا أو تنظيما بيروقراطيا متكلّسا ، حزبنا مفتوح دوما أمام كل الكفاءات التي تريد أن تساهم في بناء تونس من منطلق رؤيتنا لأولوية الانقاذ الاقتصادي على حساب بقية الأولويات، أما بالنسبة للدكتور خالد شوكات فاني أعلمك أنه اذا كان قد انسحب من الأمانة العامة للحزب فانه يبقى مناضلا قياديّا في الاتحاد الوطني الحر علاوة على أنه أخ وصديق أكن له كل الاحترام والتقدير للجهد الذي بذله طيلة فترة اضطلاعه بالأمانة العامة
البعض يتخوف على سليم الرياحي من اللهث خلف الشهرة والبروز او الوقوع في مخالب بعض لوبيات المال والأعمال ؟
أشكر كل من يخاف على سليم الرياحي ولا يخاف منه ، لكن أودّ أن أعلمك أنني لست في حاجة لأي لهث وراء شهرة أو بروز علاوة على الخوف عليّ من لوبيات المال والأعمال لأني مع تقديري لسؤالك لا أرى في تونس ما يؤشر على وجود لوبيات مال أو أعمال حتى يكون لها مخالب أو أظافر .