ما زال قرار تسليم رئيس الوزراء الأسبق البغدادي المحمودي يثير ردود أفعال مختلفة على الصعيدين الوطني والدولي باعتبار الظروف القانونية والواقعية التي احاطت به والتي انتهت ببروز خلاف واضح صلب «الترويكا» بين رئاسة الحكومة ورئيس الجمهورية. لمعرفة المزيد حول خفايا وتداعيات هذا القرار ، التقت «الشروق» في حوار خاطف السيد توفيق وناس ، الموظف الأسبق بالأمم المتحدة والحقوقي والمحامي ، تحدث فيه عن الخروقات القانونية المترتبة عن قرار التسليم ، و الذي اعتبره في نهاية المطاف خطأ سياسيا فادحا غلّب منطق القوة والقهر على منطق القانون وكان بإمكانها رفض التسليم منذ البداية اعتمادا على القانون الدولي والقانون الداخلي..
لو تذكرنا بإيجاز بمختلف المراحل التي مر بها ملف المحمودي قبل تنفيذ قرار التسليم ؟
بعد دخول البغدادي المحمودي إلى التراب التونسي إبان الثورة الليبية (أوت 2011)، ألقي عليه القبض من السلطات التونسية ووجهت له تهمة اجتياز الحدود خلسة وبرأته المحكمة الابتدائية بتوزر من ذلك لكنه بقي بالسجن .وبعد ذلك طلبت ليبيا بصفة رسمية تسليم البغدادي المحمودي معتبرة أنه متهم باختلاس اموال وحيازة اسلحة بصفة غير قانونية والتحريض على الاغتصاب خلال النزاع الليبي. وقد أصدرت محكمة الاستئناف بتونس تبعا لذلك قرارين في 8 و25 نوفمبر 2011 يقضيان بتسليم المحمودي إلى السلطات الليبية، لكنه طلب اللجوء السياسي وتقدم بمطلب في الغرض إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.
وقد أجابت المفوضية في قرار ابتدائي (قابل للاستئناف) أن ما اعتمدته محكمة الاستئناف التونسية لتعليل قرار التسليم غير مُقنع، لكن مع ذلك اعتبرت أن تونس يمكنها تسليم المحمودي إذا ما توصّلت المحكمة الجنائية الدولية إلى اثبات إدانة المحمودي في جريمة ما (جريمة ضد الانسانية مثلا او جريمة حرب ..).
و هل أدانت المحكمة الجنائية الدولية المحمودي ؟
إلى حد الآن لم تثبت لدى المحكمة الجنائية الدولية أية إدانة ضد المحمودي باعتبارها لم تصدر أي حكم ضده في جريمة ما (كما فعلت ذلك مع سيف الاسلام القذافي مثلا) وباعتبار ان وكيلها (وكيل المحكمة) لم يصدر أي قرار إدانة وإحالة ضده لأنه لم يلاحظ ارتكاب أي جرم في حقه. وهو ما يعني أن قرار التسليم يخرق من جهة قرار المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (التي قالت ان مستندات محكمة الاستئناف غير مقنعة) وخالف من جهة أخرى موقف المحكمة الجنائية الدولية (التي لم تدن المحمودي في أية جريمة).
رغم ان مفوضية شؤون اللاجئين اعتبرت في قرارها أن تعليل قرار محكمة الاستئناف بتونس تسليم المحمودي ضعيف، إلا أنها فتحت من جهة اخرى بابا لإمكانية التسليم ( اعتمادا على ما ستقوله المحكمة الجنائية الدولية ).
ألم يكن بإمكان المحمودي استئناف قرار المفوضية؟
بالفعل ، تقوم هيئة الدفاع عن البغدادي المحمودي الآن بإعداد ملف الاستئناف لتقديمه للمفوضية باعتبار أن آجال استئناف قرارها ما زالت مفتوحة إلى يوم 30 جوان. لكن للأسف عملية التسليم تمت دون انتظار استكمال هذه الاجراءات (الاستئناف) ودون انتظار القرار النهائي للمفوضية السامية. وفي ذلك خرق واضح للقانون ولأخلاقيات التقاضي. وهذه الخروقات للقانون الدولي تنضاف إلى خرق القانون الداخلي المتمثل في عدم امضاء رئيس الجمهورية على قرار التسليم وفي اتخاذ القرار بصفة أحادية من قبل رئيس الحكومة.
هل يمكن القول ان مفوضية شؤون اللاجئين قصرت في حق المحمودي؟
أرى أنه كان من واجب المفوضية عمل كل ما في وسعها حتى لا تسلم تونس البغدادي المحمودي ..كان من واجبها وخاصة من واجب مكتب المفوضية بتونس التنسيق مع الحكومة التونسية وتنبيهها إلى تواصل قيام آجال استئناف قرارها (قرار المفوضية) إلى 30 جوان. لكن ذلك لم يحصل وهو ما يجعل الشكوك تحوم حولها كطرف «متواطئ» في عملية التسليم مع الحكومة . كما ان هناك شكوكا حول امكانية تعرض المفوضية لضغوطات قوى أجنبية تعتبر أن التسليم يخدم مصالحها وتريد أن «ينتهي» البغدادي المحمودي بسرعة فقد تكون بحوزته معلومات ومعطيات تهدد استقرارها إذا ما كشف عنها في يوم ما.
في رأيكم أي انعكاس لقرار التسليم على صورة حقوق الانسان في تونس ؟
لا شك أن هذا القرار الحكومي أعطى صورة سيئة عن مدى احترام حقوق الانسان في تونس باعتباره خرق بشكل واضح وصريح مبادئ القانون الدولي لحقوق الانسان ولشؤون اللاجئين إضافة إلى خرق القانون الداخلي.
هل هناك خطر فعلي على حياة المحمودي من تسليمه للسلطات الليبية؟
بشهادة مختلف الملاحظين المحليين والدوليين مثل منظمة العفو الدولية و منظمة «هيومن رايتس ووتش»، فان الوضعية الحالية في ليبيا لا تسمح بإجراء محاكمة عادلة رغم ان تونس تلقت وعدا من ليبيا بأنها ستضمن كل أسباب المحاكمة العادلة للمحمودي.
صحيح أن قرار التسليم سيخدم بلا شك المصالح المشتركة للبلدين على الصعيد الاقتصادي والسياسي خاصة مصلحة الجانب التونسي، إلا أنه يهدد بتدهور الوضع الامني على الحدود التونسية الليبية، ذلك أن البغدادي المحمودي هو شيخ قبائل النوائل المنتمين للقرية الحدودية «العسّة» والتي تضم خليطا من تونسيين وليبيين (تبعد 17 كم عن الحدود من الجانب الليبي)، ومن هذه الناحية فإن قرار التسليم يُعد خطأ سياسيا فادحا باعتباره جاء في وقت غير مناسب ما زال فيه الطرفين الليبي والتونسي يبحثان عن توفير أقصى ما يمكن من ظروف الاستقرار على الحدود.