«100 بالمائة حلال» لم يكن المظهر الوحيد لإعادة تسويق مسرحية «مايد إن تونيزيا» للطفي العبدلي بل تجاوزه لتغيير نصّ المسرحية بمعدل مرة في كل عرض وإن تقوم هذه النوعية المسرحية على الارتجال فإنها تفترض نسبة محددة لا يجب أن تتعدّى المساحة التي يسمح بها جوهر النصّ الأصلي وهوما لم يلتزم به العبدلي في عرضه مؤخرا بمسرح الهواء الطلق بسوسة بعد أن تابعنا جل عروضه بهذه المدينة وكذلك بالعاصمة. العرض كان مبرمجا يوم السبت الماضي ولكن بسبب ضعف الإقبال الجماهيري تأخر بأسبوع ولكن لم يغير هذا التأخير الكثير من عدد الجماهير الحاضرة والتي قد تجعل العبدلي يفكر في إنتاج جديد عوض أشكال الاجترار التي وقع فيها والتي لا تعكس تغييرا بقدر ما هي إسقاطات لوضعيات وإن حرص أن تكون وليدة بعض أحداث الساعة فإنه حصرها فيما هوسياسوي حزبي وبالأخص انتقاد مباشر للحكومة ولحزب النهضة وأيضا لما يعرف بالسلفيين ،فمنذ بداية المسرحية توجه للجمهور قائلا «الحمد لله أن النهضة لم تملأ كراسي المسرح أيضا....أشترك مع النهضة في نقطة وهي التمثيل، أنا أمثل وكذلك النهضة...» مضيفا «مررنا من عهد الحلاقة إلى عهد الخلافة.
وإن كان الحديث في السياسة مباحا متى التزم الفنان بضوابط النقد وشروطه فإن ما عبر عنه العبدلي من خلال وصفه لرئيس الجمهورية الدكتور المنصف المرزوقي ورئيس الحكومة السيد حمادي الجبالي كان بعيدا كل البعد لا عن قواعد العرض الفني فحسب بل حتى عن القواعد السلوكية الإنسانية حيث جسد رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية في وضعية بعيدة كل البعد عن أدنى شروط الكوميديا أوحتى الإضحاك كان من المفروض أن يترفع العبدلي عنها مثلما كنا نخاله أن يجدّد بالفعل مسرحيته ويوظّف إيجابيا مختلف الانتقادات التي وجهت لمسرحيته والتي بقطع النظر عن فحوى نصها فإنها عكست حرفية مسرحية لدى العبدلي وحضورا ركحيا مكناه من قاعدة جماهيرية كان من المفروض أن يستثمرها ابداعيا بعيد عن التجاذبات السياسية الجوفاء وعن الوضعيات الجنسية المبتذلة التي لا مبرر فني لتواجدها وأن يعمل على ترسيخ مكانته الفنية بالبحث عن نص مسرحي آخر يؤكد فيه موهبته ويترفع فيه عما يشوّه هذه الموهبة لأنه من السهل الوصول إلى القمة ولكن البقاء فيها يتطلب أشياء أسمى لا زال العبدلي يعتبرها تنازلات منه لا يميز فيها بين القمّة والبرج العاجي.