جبانة الشر اسم على مسمى... هي قطعة ارض تابعة لاملاك الدولة تقع على بعد 3 كيلومترات من مدينة بني خلاد، وتم تخصيصها منذ سنوات عديدة لتكون مصبا للفضلات... وهي الآن مورد رزق لبعض الذين انسدت امامهم سبل العمل... هم البرباشة الذين التقيناهم وقد تسلحوا بوسائل النبش واملهم ان يجدوا الكنوز التي يبحثون عنها.. «حمدي» طفل لا يتجاوز عمره 12 سنة، على قسمات وجهه براءة الطفولة، لكن ظروف الحياة الصعبة اجبرته على ترك الدراسة منذ السنة الاولى ابتدائي ليساعد عائلته على كسب ما يسد الرمق ويدفع غائلة الجوع، بيده «برباش» ينبش به جبال الفضلات التي تلقي بها جرارات وشاحنات البلديات..قال لي بنبرة حزينة: «انه الفقر الذي جعلنا نغادر منطقتنا بحثا عن «الكسرة»، ولم نجد من سبيل سوى البحث عن القوارير البلاستيكية نجمعها اياما لنبيعها ونظفر ببعض الدنانير التي تساعدنا على ان نبقى على قيد الحياة...». اما مرافقه «هاني» فهو تلميذ بالمدرسة الاعدادية بزاوية الجديدي يلبس ثيابا رثة ملوثة بسواد الفضلات المحترقة... حدثنا بمرارة عن المعاناة اليومية في مصب الفضلات فقال: «بعد ان اكملت الامتحانات التحقت بمدرسة الحياة والعمل بحثا عن الرزق وسط اكوام القمامة نجمع القوارير والعلب الكرتونية على امتداد ايام ثم نتسوغ شاحنة لنحملها الى معمل الورق ببلي من معتمدية قرنبالية... نعمل 7 ايام لنحصل على مكسب صاف لا يتجاوز في افضل الحالات 30 او 40 دينارا بعد طرح معاليم النقل». وفي المصب التقينا قمرة وعزيزة وهما سيدتان ناهزتا الستين من العمر جلستا للاستراحة وسط المصب بعد ساعات من العمل لم تجمعا خلالها سوى كيسين من القوارير...قمرة تعيل 5 بنات ومثلها عزيزة، ولئن رفضت الثانية الحديث الينا وحملت كيسها مغادرة، فإن قمرة اطلقت تنهيدة عميقة وقالت: «نحن بعض العائلات التي تسكن اكواخا بجانب المصب منذ سنوات رفض المسؤولون مطالبنا التي قدمناها للحصول على مقاسم اجتماعية ولم نجد عملا لذلك نضطر للنبش في الفضلات نجمع ما نجده من القوارير والعلب الكرتونية ونبيعها لنحصل على ما يمكن ان يساعدنا على العيش».تلك هي يوميات البرباشة في جبانة الشر، بحث عن فتات للعيش وامل في مستقبل افضل يحفظ لهم الكرامة والحياة.