عاجل: بالأسماء: انتخاب اللجان المستقلة بجامعة كرة القدم    توزر: مهنيون يتطلعون إلى تحسين المنتج السياحي وتسويقه والعناية بنظافة المدن وتنظيمها استعدادا للموسم السياحي الشتوي    عاجل/ 16 دولة توجّه نداء من أجل سلامة "أسطول الصمود"    مستقبل قابس يعزز صفوفه بالظهير الايسر ياسين الميزوني    عاجل/ القبض على "مروّع الأطفال" في خزندار    مدير عام الوكالة التونسية للتكوين المهني: فتح اختصاصات جديدة رفّع مواطن التكوين ب10 بالمائة مقارنة بالسنة التكوينية الماضية    توقيع اتفاقية شراكة بين منظمة اليونسكو و مؤسسة الصادق بالسرور لدعم الثقافة في تونس بميزانية تقدر ب 1.5 مليون دولا أمريكي    كيف سيكون الطقس هذه الليلة؟    عودة طوعية ل150 مهاجرا غينيا من تونس: التفاصيل    كرة اليد: صبحي صيود مدربا جديدا لنسر طبلبة    عاجل/ بالأرقام: تراجع ملحوظ في حالات الزواج والولادات بتونس    عاجل/ البعثة التونسية الدائمة بجنيف تُدين الاعتداء الاسرائيلي على قطر    وائل نوار: "الرد على المشككين في خروج أسطول الصمود لم يستغرق سوى 5 دقائق"    وفاة العرّاف "سحتوت" بمبيد حشري: النيابة العمومية تتدخّل.. #خبر_عاجل    بطولة العالم للكرة الطائرة أكابر: فوز الفيليبين على مصر 3-1    فيلمان تونسيان ضمن مسابقات مهرجان الجونة السينمائي    وفاة روبرت ريدفورد: رحيل أيقونة السينما الأميركية عن 89 عامًا    مشاركة تونسية لافتة في الدورة 13 من المهرجان الثقافي الدولي للمالوف بقسنطينة    عاجل/ تجدّد الغارات الإسرائيلية على اليمن    الكمبيالات تفوّت الشيكات: استعمالها يرتفع ب155٪...هاو علاش    عاجل/ الصيدليات الخاصة توقف العمل بهذه الصيغة    قرى "آس أو آس" تجمع تبرعات بقيمة 3 ملايين دينار.. #خبر_عاجل    دورة سانت تروبي للتحدي للتنس: معز الشرقي يتاهل الى الدور الثاني    القيروان : وفاة شيخ يعاني من إعاقة بصرية تناول مبيدا حشريا على وجه الخطأ    غار الدماء: امرأة تُضرم النار في جسدها داخل معهد    لأوّل مرة: هند صبري تتحدّث عن والدتها    مقتل 31 مسلحا من حركة طالبان الباكستانية    عاجل - يهم التوانسة : التمديد في الصولد الصيفي    امضاء مذكرة تفاهم بين الجامعة التونسية لوكالات الأسفار والسياحة واللجنة الوطنية للعمرة والزيارة بالمملكة العربية السعودية    يوم وطني الخميس 18 سبتمبر الجاري لتقييم موسم الحبوب 2025/2024    وزارة المرأة تنتدب    شنوّا تعمل البنوك بفلوسك؟    لمحبي الرياضة : تعرف على الموعد والقنوات الناقلة لمباراة ريال مدريد ومارسيليا    عاجل: دوري الأبطال يتغيّر.. شنوة التغيير الجديد؟    ألمانيا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي يدينون الاجتياح البري لغزة    الرئيس الفنزويلي يتهم واشنطن بالإعداد لعدوان عسكري على البلاد    راغب علامة عن زوجته: لم تحسن اختياري    هشاشة الأظافر: مشكلة جمالية أم مؤشر صحي خطير؟    خطر كبير على ذاكرة صغارنا: الوجبات السريعة تدمّر المخ وتسبّب ضعف الذاكرة!    ال'' Vape'' في الكرهبة: خطر كبير على السواق والركاب...علاش؟    بنزرت: توجيه واعادة ضخ 35.2 طنا من الخضر والغلال والبقول بسوق الجملة بجرزونة    من 15 إلى 19 أكتوبر: تنظيم النسخة السادسة من الصالون الدولي للسلامة الإلكترونية    حجز 4،7 أطنان من الفرينة المدعمة لدى إحدى المخابز المصنفة بهذه الجهة..    علاش تمّ إيقاف العمل بإجراء تمديد عقود الCIVP؟    برنامج المباريات والنقل التلفزي للجولة السادسة.. كل التفاصيل هنا    سحتوت ''العراف'' ...يتوفى بمبيد الحشرات في بوحجلة...شنوا حكايتوا ؟    نيران تلتهم الهشيم بزغوان.. 1000 متر مربع من الغابة تضرروا...شصار؟    ترامب يطلب تعويضا خياليا عن "كذب" بحقه    الكوتش وليد زليلة يكتب...حتى تكون العودة المدرسية رحلة آمنة لا صدمة صامتة؟    همسات من قوافي الوطن...إصدار جديد للمربي توفيق الجباري    انطلاق المخطط الوطني للتكوين حول الجلطة الدماغية    الرابطة الأولى: البرنامج الجديد لمواجهات الجولة السادسة ذهابا    "غراء عظمي".. ابتكار جديد لعلاج الكسور في 3 دقائق..    كلمات تحمي ولادك في طريق المدرسة.. دعاء بسيط وأثره كبير    أولا وأخيرا ..أول عرس في حياتي    أبراج باش يضرب معاها الحظ بعد نص سبتمبر 2025... إنت منهم؟    خطبة الجمعة .. مكانة العلم في الإسلام    مع الشروق : الحقد السياسيّ الأعمى ووطنية الدّراويش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أطفال وموظفون في المزابل "غارقون".. والمصب مقر إقامة دائم للمهمشين
"الأسبوعي" تغوص في عالم "البرباشة"

- مع انطلاقنا نحو برج شاكير تراقصت الأسئلة بأذهاننا وتداخلت الاستفهامات باعتبارأن وجهتنا المقصودة ليس إلا مصب الفضلات الذي يمثل ملاذا لمئات المهمشين الذين أوصدت أمامهم كل الأبواب ليجدوا "التبربيش" منفذهم واملهم الوحيد لكسب قوت أسرهم ..
كان كل همنا الوقوف على وضعيات هؤلاء المنسيين الذين لم تلتفت اليهم الحكومة التي اثقلتها الملفات ، ولا الاطراف المسؤولة ولا الاحزاب التي كان ولا يزال هاجسها الوحيد الكراسي ، ولا الأثرياء ورجال الأعمال الذين ينعمون بالمليارات ويعيشون في "برجهم" الذهبي..فئة خارج الحسابات وبعيدة عن الاهتمامات تواجه المجهول وتقتات من الفضلات دون الحديث عن مرارة المعاناة.
أما أبرزغنائمهم فهي البلاستيك والكرذون والاينوكس والحديد وقطع الغيارالى جانب الملابس والاغطية وبعض المواد الغذائية.
لم يكن الدخول الى المصب سهلا حيث تطلب الأمربعض الإجراءات الروتينية لتسمح لنا الشركة المستغلة في نهاية المطاف بأداء عملنا بعد استشارتها لوزارة البيئة وكأن المكان المقصود «مصنع» للمواد الكيمياوية وليس مجرد مصب للفضلات . ورغم تحفظها في البداية فإنها سرعان ما وفرت لنا بعض أعوان الحماية تفاديا لكل مفاجآت غيرسارة وبعض المسؤولين لتسهيل مهمتنا الصحفية. ولابد ان نشيد هنا بالعمل الكبيرالذي يقوم به أعوان الأمن في هذا المصب الذي لا تهدا الحركة به ليلا ونهارا .
وعلى بعد مئات الامتاريصلك صوت هديرالشاحنات التي لا تهدأ حركتها ليلا و نهارا قادمة محملة بالفضلات من أماكن يصعب حصرها , من بلديات , مستشفيات, مصانع وشركات لتفرغ حمولتها في أعلى التلة. واذا ألقيت نظرة من بعيد على المصب يخطفك مشهد مئات المهمشين الذين «يغرقون» في جبال الفضلات ويتكدسون بالعشرات خلف كل شاحنة جديدة علهم يعثرون على ضالتهم .
حكايات تدمي القلوب
منذ وصولنا الى المصب تجمع حولنا عشرات «البرباشة» ..حالات فوق كل الكلام والتعابير ..تعجز الأقلام عن الوصف ..وجوه شاحبة عنوانا لسنوات من الحرمان والقهر..تجاعيد تعكس تعاسة مقيتة ..ونظرات تختزل نزيفا داخليا من المأساة..فتحوا قلوبهم .. تسابقوا على التعبيرعن معاناتهم اليومية وسط اكوام الفضلات في سبيل تأمين قوت عيالهم بل ان بعضهم أقسم انه يعيش من «الزبلة» حيث يجمع الخضروالغلال وكل الضروريات والمستلزمات وحتى اللحم احيانا ..هكذا فضفضوا وسردوا حكايات تدمي القلوب مؤكدين انهم توجهوا الى مختلف الأطراف المسؤولة ولم يجدوا أي اذان صاغية أو تفاعل مع وضعياتهم المتردية .فقد ذكروليد الرحايمي ان مرضه لم يمنعه من التوجه يوميا الى المصب بعد ان أعيته السبل في الحصول على عمل بإحدى المؤسسات ليجد نفسه مضطرا لكسب قوت أسرته التي يعاني 3 منها من أمراض مزمنة؛ ورغم ان الطبيب أشارعليه بعدم لمس الحديد فانه غامربصحته في سبيل توفير بعض المستلزمات لعائلته بل انه كشف لنا بعض الحبوب التي كست جانبا كبيرا من جسده.
«الخبزة مرة..ونموت في اليوم ألف مرة»
في الوقت الذي يشعرفيه كل وافد جديد على المصب بحالة اختناق بسبب الروائح الكريهة التي تنبعث من كل شبرمن مساحته تعود «البرباشة» على هذه الاوضاع المأساوية وتأقلموا معها رغم انها لا تطاق لأنه في النهاية ليس امامهم أي خيار سوى تحمل المتاعب باعتبارأن «الخبزة مرة ....مرارة الحنظل» على حد تعبيرهم .ورغم اوضاعهم المأساوية فانهم راضون بقدرهم بل انك تراهم يضحكون لتجاوزالامهم وتمزقهم الداخلي. فقد شدد جلال الفرشيشي على ان الوضع الاستثنائي الذي مرت به تونس وتدهورالاقتصاد وغلق عديد المؤسسات بعد الثورة جعل أعداد «البرباشة» يقفزمن 100 الى أكثر من 5 الاف .مضيفا: «اغلب الذين فروا من السجون اتخذوا من هذا المصب مقرإقامة لهم وهو ما تسبب في عديد المشاكل والحمد لله اننا تمكنا من حراسة المصب وتجهيزاته طوال أيام الثورة حيث لم تتوقف الحركة حتى أثناء حضرالجولان «.ويوافقه زميله في هذا الكلام مضيفا ان «البرباش « لم يعد بإمكانه كسب أكثر من عشر دنانير في أقصى الحالات بل ان البعض لا يجمع في اليوم 5 دنانيرفي سبيل حصوله على قوت عائلته . وهوامر تذمر منه كذلك محمد العمدوني الذي اشار الى انه كان يعمل بمحل جزارلكن الصعوبات دفعت بصاحب المحل الى الاستغناء عن أغلب مساعديه وهو مضطر الى «التبربيش « للحصول على ثمن الحليب والخبزوالحفاظات لأبنائه .
موظفون «يبربشون»
رغم الروائح الكريهة والظروف القاسية في العمل والبحث عن الغنائم بين اكوام «الزبلة» فقد اصبح المصب وجهة لعديد الموظفين المترسمين بمؤسساتهم للحصول على مورد إضافي يساعدهم على تحسين وضعياتهم وهو معطى غريب كان الى حد الأمس القريب يبدو صعب التصديق . لكن اغلب الذين التقيناهم تذمروا من هذا الجانب واعتبروا ان هؤلاء الدخلاء ضيقوا عليهم الخناق وساهموا في تردي وضعياتهم اكثر لأن «البرباش» كان في السنوات الماضية يجمع مبالغ يومية قد تصل الى 70 دينارا لكن تراجعت المردودية لكثرة أعداد «البرباشة»باعتبار أن المصب أصبح مقصد من هب ودب وفقا لتأكيد سمير محمدي وزميله عزالدين بوثوري.
حوادث قاتلة وعشرات المقعدين
قد لا يتصورالكثيرون ان «التبربيش» في هذا المصب قد ادى الى عديد الحوادث القاتلة منها 5 حالات وفاة الى جانب عشرات المقعدين ومئات الجرحى الذين لا زالوا يعانون؛ فمنهم من فقد ساقه ومنهم من قطع أحد أصابعه .وتتمثل صورة أغلب الحوادث في التدافع على حمولة الشاحنات مما ينجرعنه في عديد المناسبات عمليات دهس أو حوادث متفاوتة الخطورة وهو ما اكده طارق بوثوري بقوله: «منا من فقد بعض اطراف من جسده ولا تسالوا عن الأمراض لأن اغلبنا في هذا المصب يعاني من أمراض عديدة من جراء الروائح الكريهة و»غرقنا» المستمر في بعض الفضلات المتعفنة التي تصيب بالجراثيم . ورغم هذه الوضعية فاننا نعاني من غياب التغطية الاجتماعية وهو ما عمق مأساتنا اكثر لذلك نطالب بالإسراع في النظرفي وضعيتنا .» ومن جهته عبرمنذر بوثوري عن تذمره من هذه الوضعية السيئة والمتردية مضيفا ان هؤلاء يعودون في المساء على متن شاحنات «ايزيزي» بأعداد كبيرة وهو ما يعرضهم باستمرارإلى أخطار ومفاجآت سيئة .
أكواخ وسط «المزابل»
في أسفل التلة وعلى أطراف المصب تظهرمن بعيد بعض الأكواخ في شكل حزام بل ان بعضها في وسط «المزابل» مما يدفعك الى طرح اكثر من سؤال محير. وقبل وصولنا اليها خرج منها بعض الأفراد واسرعوا نحونا ليفضفضوا ويعبروا عن معاناتهم ويؤكدوا انهم يقيمون بصفة دائمة في تلك الاكواخ باعتباران بعضهم دفعته ظروفه الاجتماعية القاهرة الى النزوح ليكون هذا المصب قدره المحتوم. انها حقيقة صادمة لان الوافد الجديد لا يقدرعلى تحمل المعاناة لبعض الوقت فمابالك بمن اتخذ من المصب مورد رزق ومقر اقامة . وقد ذكر منير عبد اللاوي انه استقرفي هذه الاكواخ منذ 15 سنة مكرها لانه باختصار لم يعثر على مورد رزق بمسقط رأسه «جلمة» ليطلق تنهيدة طويلة قائلا: «ما يلزك على المر كان اللي امّر منو..اننا نعيش في تعاسة وفي ظروف لا ترضى بها حتى الحيوانات لكن رغم المعاناة و السواد فاننا صابرون على امل ان تلتفت الينا الاطراف المسؤولة يوما لنرتاح من هذا الجحيم الذي لا يطاق».
طفولة.. «انهكتها» أكداس القمامة
وليد كان يمسك بإحكام كيس «القمامة» الذي تتراكم فيه قواريرالبلاستك الفارغة «غنيمته» اليومية التي تدرّ عليه حفنة من الدنانيرالتي «هجر» قسرا من أجلها طفولته التي «انهكها» ضنك العيش «ليحشره» مضطرّا تحت أكوام المزابل مسترزقا من فضلات الآخرين..
سألناه عن سنه ومستواه الدراسي وعن سبب «امتهانه» في سن مبكرة لمهنة «خطرة» وشحيحة الموارد المالية كمهنة «البرباش» حيث يعتبرمن أصغر «البرباشة» سنّا..أجابنا والألم يعتصرملامحه الموشحة كسنوات عمره الغضّ بسواد النفايات والفواضل المنزلية أنه يبلغ من العمراثنتي عشرة سنة ورغم صغرسنه فهو مسؤول عن عائلة مكونة من خمسة أنفارعجزوا عن تأمين متطلبات الحياة اليومية والبسيطة بوجود أب أقعده المرض وعائلة تعاني التهميش والفاقة والحرمان ممّا دفعه للانقطاع عن الدراسة في سنّ مبكرة و»الالتحاق» بمصبّ الفضلات ببرج شاكيرلتأمين حاجيات عائلته اليومية..
وذكر بعض ممن كان حاضرا عند لقائنا بوليد أنه في الأسابيع الأخيرة نجا من الموت بأعجوبة بعد أن كاد «يطمر» تحت حمولة شاحنة فضلات عند إفراغها ولولا يقظة بعض البرباشة الذين كانوا الى جانبه «لدفن» وليد حيا تحت أكوام القمامة..
عندما تولد الحياة من وسط أكوام المزابل
شرف الدين نصري ذوالخمسة عشر «ربيعا» قضّى منها أسابيع وشهورا كثيرة وهو منكب لساعات «يبربش» في أكوام الزبالة لتأمين حاجيات عائلة أصبح مسؤولا بحكم الظروف «القاهرة» عليها تضمّ ستة أنفار: اثنان منهم من حاملي الإعاقة العضوية...
وحسب ما ذكر لنا شرف الدين فإن المنافسة الشرسة بين البرباشة وبالنظر لتكاثر عددهم بعد الثورة ساهم الأمر بشدة في شح العائدات المالية لأن «الغنائم» قلّت. ويقول شرف الدين: «دخلي اليومي لا يتجاوز خمسة دنانير وأنا مطالب بأن أعيل بها عائلتي وأوفّر نفقاتنا الخاصة من كراء وماء وكهرباء وحاجياتنا اليومية التي تتأتّى مواردها في مجملها مما أجده في المصبّ.. نحن نحصّل قوتنا اليومي من المصّب لكني لست مقتنعا بهذا العمل غيرأن كل الأبواب مسدودة وليس هناك أي بارقة أمل لتحسّن وضعي الاجتماعي خاصّة أني اضطررت للانقطاع عن الدراسة مبكّرا..»
المجتمع «لا يرحم».. »برباش»
حامل لديبلوم
رغم أن مهنة البرشاشة تقي الكثيرمن العائلات من ضنك العيش والفاقة ورغم أن ممتهنيها خيّروا كسب قوتهم بكدّ يمينهم و»بالحلال» دون السقوط في بؤر الانحراف والتواكل فإن جلّ من تحدّثنا معهم من الشباب خاصّة أعربوا عن عدم رضاهم عن مهنتهم وبينوا خشيتهم من نظرة المجتمع التي لا ترحم و»تحاسبهم» اجتماعيا دون البحث عن الظروف التي دفعتهم لامتهان المهنة التي تؤمّن القوت ولا تحظى بالقبول الاجتماعي ..
إن إحساس هؤلاء الأطفال بالدونية والاحتقارلمسناه جليا من خلال ما صرّحوا لنا به ؛ فأحمد البالغ من العمر 18 سنة والمتحصّل على ديبلوم في الحلاقة صرّح لنا أنه يخجل من القول أنه برباش في مصب قمامة ورغم أن ظروفه هي التي دفعته مضطرا لامتهان هذه المهنة حتى لا يعيش الكفاف وعائلته فانه يتمنىّ أن يشتغل حسب مؤهلاته المهنية حتى يعيل عائلته المتكونة من 8 أنفار. وقد أبدى حسرة شديدة لأنه يضطرأحيانا إلى الكذب على أترابه ومعارفه حول مهنته..
ضاع العمر..بين أكداس النفايات
من مصبّ «اليهودية» الى مصبّ برج شاكير، سنوات طويلة أمضتها ربح البثوري التي ناهزت أربعة عقود وهي تكدّ وتجاهد بين المزابل لتأمين قوت عائلتها المتركبة من 6 أفراد كلهم في حاجة للرعاية والعناية ..الفاقة دفعت بربح الى هذه المهنة التي لا ترحم والتي انهكتها وأضرّت بصحتها وازداد الأمرسوءا بعد الثورة حيث كثر الدخلاء وكثر الاستغلال من الذين يستثمرون في قطاع النفايات و يشترون من البرباش ما تجود به المزابل بأبخس الأثمان رغم أنه يدرّ عليهم أموالا طائلة..
تومية بن أحمد كذلك تبلغ من العمر61 سنة أمضت عمرها وهي تزاول هذه المهنة منذ سنة 1979 وتعترف أن الحياة أصبحت صعبة ناهيك أن موارد المزابل شحت بوجود الدخلاء ؛ ويشاطرها الرأي رفيق بوغانمي الذي يزاول هذه المهنة منذ 20 سنة . ورغم أنه متزوّج وسيصبح رب عائلة قريبا فإنه لا يتمتّع بأي تأمين اجتماعي وهويناشد الحكومة المقبلة للنظرفي أوضاعهم وإيجاد حلول اجتماعية للبرباشة تقيهم غوائل الزمن ..وهذا هو نفس مطلب التيجاني بالعربي الذي يعتبر التغطية الاجتماعية مطلبا ملحا فهو كما يقول يشتغل برباشا منذ كانت سنه 12 سنة وهويبلغ اليوم 39 سنة من دون حماية اجتماعية؛ فالبرباشة فئة مهمشة ومقصية..

مختص في التغذية :
الأمراض السرطانية تهددهم
لاشك ان الروائح الكريهة والمواد المتعفنة والمتحللة تهدد «البرباشة» بامراض خطيرة لا يمكن حصرها (من الامراض الجلدية الى الحساسية والفدة والامراض السرطانية ).وهي معطيات اكدها لنا المختص في التغذية السيد الطاهرالغربي الذي كشف لنا ان تناول بعض المواد من المزابل يفضي بالضرورة الى امراض خطيرة لانه حتى وان كانت هذه المواد صالحة للاستهلاك وليست منتهية الصلوحية فانها تتلوث وتتكاثربها الجراثيم من خلال ملامستها لمواد اخرى متعفنة ومتحللة . وهذا الخليط من الملوثات يساهم اكثر في امكانية الاصابة بالسرطان لتنوع الفضلات والمواد السامة والمتعفنة . والاخطرأنه من الصعب توفير الوقاية للعاملين بهذا المصب لان تواجدهم طوال الوقت بمكان يحتوي هواء ملوثا يمكنه التاثير على الجهاز التنفسي . واضاف :»المصب يمثل أعلى درجات التلوث وهذا امرطبيعي بحكم المواد المتنوعة التي تنقل اليه يوميا وما يمكن ان تسببه من مخاطروامراض لذلك تدرس وزارة البيئة المكان من مختلف جوانبه . والى جانب امكانية التسمم فعديد الامراض الخطيرة الأخرى تهدد هذه الفئة المهمشة التي لا يمكن وقايتها الا بالحلول الاجتماعية لأن لاشيء يدفع بعض الناس الى البحث عن الأكل في المزابل لسد رمقهم . صحيح ان الغذاء أساسي لكن في مثل هذه الحالات يكون نقمة على الصحة لذلك يتحتم على الأطراف المسؤولة العناية بهذه الفئة وانقاذها من الخطر المحدق بها في كل لحظة.

مختص نفسي:
الإحساس بالدونية يساهم في خلق التطرف
كان مشهد الأطفال الصغارالمنكبين على نبش أكوام القمامة مشهدا يدمي القلوب لسيما أن القانون التونسي يمنع تشغيل القصركما لايجيزالانقطاع المبكرعن الدراسة..إلا أن ما عايناه في زيارتنا لمصب برج شاكيرالذي يعجّ بأطفال في سنّ حرجة و يمارسون هذه المهنة الخطرة ويعانون من النظرة الدونية للمجتمع دفعت»الأسبوعي»إلى الاتصال بالدكتور صلاح الدين بن فضل المختص في علم نفس الطفل للوقوف على مدى تأثيرهذه المهنة نفسيا واجتماعيا على مستقبل الأطفال البرباشة فأكّد في مستهل حديثه معنا بالقول: إن»تشغيل الأطفال عموما ممنوع بحكم القانون وهو يؤثرعلى تكوينهم الفكري والشخصي والذهني ..فأن يحرم الطفل من أجمل سنوات طفولته ويزجّ به في سوق الشغل فذلك بالضرورة له تأثير سلبي على حياته المستقبلية ؛ والحرمان والإقصاء والتهميش يولّد كله تراكمات ويخلق شخصيات غيرسوية خاصّة عند امتهان مهنة كهذه التي تشجب اجتماعيا ويحقّرمن شأنها وهو ما يدفع بهؤلاء الأطفال إلى الشعور بالدونية ؛ وبما أن المجتمع يحكم عليهم ظاهريا فإنه يلفظهم وهذه ممارسات تدفع إلى خلق شخصيات عدوانية وحتى متطرّفة ..
إن الحرمان من طفولة سوية هو أكثر دافعا لخلق شخصية متطرفة في أفكارها وميولاتها وسلوكياتها الاجتماعية وهو ما نعاني من جزء كبير منه اليوم..وأنا أقول إنه على الدولة اليوم أن تتحمّل مسؤوليتها في توجيه عنايتها الكاملة لهذه الفئات كما يجب على سلط الإشراف والمتدخلين في المسألة ترك ولو قليلا مكاتبهم الوثيرة والذهاب الى هذه الفئات المسحوقة حيثما وجدت وتقديم يد المساعدة الاقتصادية لها كما أن المجتمع المدني مطالب ضرورة بالإحاطة بهذه الفئات حتى لا نجد أنفسنا من بعد في مواجهة مشكلة مجتمعية أكبر..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.