نظم المعهد العربي لحقوق الانسان بالتعاون مع اذاعة قفصة دورة تدريبية للإعلاميين حول الصحافة الاستقصائية ودورها في رصد انتهاكات حقوق الانسان امتدت على مدى ثلاثة ايام بمشاركة ممثلين عن عديد المؤسسات الاعلامية المكتوبة والمسموعة والمرئية العمومية منها والخاصة. الدورة تم افتتاحها بمقر اذاعة قفصة وتواصلت اشغالها بأحد نزل الجهة وقدمت خلالها عديد المداخلات كانت اولاها من قبل الاستاذة والحقوقية سارة خضر من قابس التي تناولت مبادئ ومفاهيم حقوق الانسان انطلاقا من الابعاد الكونية لهذه المنظومة ونصوصها المرجعية العالمية والعهود الدولية ذات العلاقة التي اتجهت في صيرورة تطورها نحو التخصص وملامسة عديد الفئات والشرائح الهشة وقد اكدت السيدة سارة خضر في هذا الصدد ان النصوص لا تكفي بل لابد من نشر ثقافة حقوق الانسان واضطلاع مكونات المجتمع المدني بدور فاعل وضاغط في هذا الاتجاه بالذات.
معايير وآليات دولية لحرية الرأي الاستاذ هشام السنوسي عضو الهيئة الوطنية المستقلة لإصلاح الاعلام و الاتصال اهتم في مداخلته بالمعايير و الاليات الخاصة بحرية الراي والتعبير وكيفية حماية الصحفيين منطلقا من ان حقوق الانسان محصلة انسانية لم تعدها السلطة السياسية بل جاءت لمجابهة تغول هذه السلطة ذاتها مؤكدا على اهمية السلطة المضادة في خلق وضع جديد يتميز بحرية التعبير خاصة وان مفهوم السلطة قائم بالأساس على الهيمنة ملاحظا ان التقييدات ذات العلاقة بحرية الراي والتعبير يجب ان تكون مرتبطة بالمصلحة العامة المشروعة بعيدا عن المصالح السياسية و اشار الاستاذ السنوسي الى الدور الحيوي للإعلام في ابراز مدى تطبيق حرية التعبير معتبرا ان وسائل الاعلام هي التي تجعل حرية التعبير واقعا معيشا وان الهيئات المستقلة لهذا القطاع هي الضامنة لحريته ولرفع يد السلطة السياسية عنه التي لا تمثل سوى طرفا في المعادلة. ومن جهة اخرى اهتم الاستاذ هشام السنوسي بموضوع الحق في النفاذ الى المعلومة منطلقا من المرسوم عدد 41 لسنة 2011مؤكدا على جملة من المبادئ الاساسية ذات العلاقة في مقدمتها مبدأ الكشف المطلق على المعلومات ووجوب النشر . اعادة النظر في علاقة الصحفي بالمؤسسة الاعلامية و في تصريح ل»الشروق «حول الموضوع المتناول في هذه الدورة أشار الأستاذ هشام السنوسي الى ان الاهمية الاساسية للصحافة الاستقصائية مرتبطة بالوظيفة الجديدة للإعلام اذا سلمنا باننا في سياق ارساء جمهورية ثانية تستند إلى معايير النظام الجمهوري في الدول الديمقراطية مؤكدا على ما للصحفي التونسي من قدرات لاستيعاب مختلف الاجناس الصحفية وما له من ارادة في التكوين و الرسكلة وتجاوز سنوات من البطالة المقنعة مشيرا الى ان ذلك وحده لا يكفي بل لا بد من إعادة النظر في علاقة الصحفي بالمؤسسة الاعلامية التي ينتمي اليها فالإرادة الفردية في العمل الإعلامي حسب محدثنا لا تكفي لوحدها وانه من الضروري استكمال عملية الاصلاح على مستوى المؤسسات الاعلامية العمومية منها والخاصة الاستقصاء والانتقال الديمقراطي المدرب والأستاذ بمعهد الصحافة وعلوم الاخبار هاني مبارك تناول في مداخلة له في هذه الدورة مفهوم الصحافة الاستقصائية ودورها في الانتقال الديمقراطي ورصد انتهاكات حقوق الإنسان كما ركز على ابراز الفرق بين الصحافة التقليدية والصحافة الاستقصائية في هذا المجال مشيرا الى ان الصحافة الاستقصائية تنظر الى الواقع بطريقة مختلفة وتضع المصدر موضع الشك وهي ذات مصادر وثائقية رسمية و اخرى بشرية رئيسية وثانوية واضاف الاستاذ هاني ان الصحافة الاستقصائية ضرورية في المراحل الانتقالية وانه من المهم توفر منظومة قانونية تساعد الاعلامي على العمل في هذا السياق وبين ان هذه الصحافة نوع من التصنيع الإعلامي وبالتوازي مع الجانب النظري من هذه المداخلة الذي ركز على تقنيات الاستقصاء اطر المدرب هاني مبارك أعمالا ميدانية للمتدربين في العمل الإعلامي الاستقصائي في بعديه الإذاعي والمكتوب. وعن رأيه في تناول الصحافة الاستقصائية كمحور اهتمام في هذه الدورة التدريبية أفادنا الأستاذ هاني أن هذا الصنف من الصحافة مكون أساسي من مكونات الصحافة الرقابية التي تجعل من الاستقصاء وسيلة لمراقبة الشأن العام بما في ذلك عمل الحكومة والأحزاب والمؤسسات وأضاف أن الإعلام الاستقصائي رديف حقيقي للعمل الديمقراطي وانه لا يمكن الحديث عن الديمقراطية في ظل غياب العمل الرقابي الذي يمثل الاستقصاء جوهره. من أجل فعالية أكبر للعمل الصحفي و في حديث للشروق أفادت السيدة جليلة بوكادي مسؤولة التدريب والتربية على حقوق الانسان بالمعهد العربي لحقوق الإنسان ان المعهد نفذ دورات للإعلاميين العرب في تونس وفي المستوى الاقليمي العربي شملت عديد البلدان كالمغرب ومصر و الاردن ولبنان وذلك بالتعاون مع عديد الفاعلين والمنظمات ذات العلاقة واضافت محدثتنا ان الدورات التدريبية شملت عديد القطاعات كالمدرسين والقضاة والمحامين وتأكيدا على اهمية دور القطاع الاعلامي اشارت السيدة نجاة الى ان الاعلاميين يضطلعون بمهمة كبرى في نشر ثقافة حقوق الانسان وعليه تأتي مثل هذه الدورات لتنمية قدراتهم النظرية في مجال حقوق الانسان ودعم مهاراتهم العملية في معالجة القضايا المتعلقة بحقوق الانسان .من جانب اخر ابرزت السيدة جليلة ان المعهد العربي لحقوق الانسان نفذ سابقا دورات بما كان مسموحا اما بعد 14 جانفي فقد تكثفت الدورات وشملت الجهات الداخلية فبعد العاصمة تجددت مواعيد الدورات التدريبية الوطنية في تطاوين والكاف وصفاقس وصولا الى قفصة التي تمحورت دورتها التدريبية حول الصحافة الاستقصائية كألية جديدة تعطي فعالية اكبر للعمل الصحفي وتثري المنتوج والتجربة لدى الاعلامي وتجعله يتجاوز التغطية الصحفية التقليدية ذات الابعاد الوصفية الى التعمق في القضايا المتناولة. مشاركون يقيّمون عدد من الإعلاميين المشاركين في هذه الدورة التدريبية تحدثوا ل»الشروق» عن تقييمهم لفعالياتها فأشار محمد كشت الصحافي بإذاعة (اوازيس اف ام) بقابس إلى ان هذه الدورة كانت هامة باعتبار أن الصحافة الاستقصائية تعبيرة جديدة من تعبيرات الإعلام في تونس وهي ذات دور حاسم في فترة الانتقال الديمقراطي من جهة كونها رافدا أساسيا من روافد الولوج إلى الحقائق المتعلقة بحقبة الفساد والاستبداد وتساءل محمد كشت عن مدى توفر تونس ما بعد الثورة على الإمكانات البشرية والمادية لإنجاح هذا الصنف من الصحافة وعما يضمن عدم الانجرار إلى صحافة المسالخ وهتك الأعراض. إضافات مهمة. .لكن سنية الوافي الصحفية بالقناة الوطنية الأولى ثمنت محتوى هذه الدورة التدريبية التي مكنت الصحفيين من التكوين في نمط جديد لم نعتد عليه في الصحافة التونسية مضيفة أن الدورة وفرت فرصة للتعرف على آليات وتقنيات الصحافة الاستقصائية ودعمت الجانب المعرفي النظري المتعلق بمجال حقوق الإنسان أما النقطة السلبية حسب رأيها فتمثلت في ضيق الوقت الذي قلص من مساحة القسم النظري وجعل الاهتمامات تنصب على الأعمال الميدانية والتطبيقية. أما رمزي افضال الصحفي بالإذاعة الجهوية بقفصة فاعتبر من ناحيته أن هذه الدورة كرست اللامركزية في مجال تنظيم الدورات التدريبية وهو ما استفاد منه الإعلاميون من أبناء الجهات الداخلية مشيرا إلى أهمية موضوع الصحافة الاستقصائية التي اعتبرها من أصعب الأشكال الصحفية ملاحظا أن الجمع بين النظري و التطبيقي في هذه الدورة كان جيدا مقترحا أن تتواصل مثل هذه الدورات على أن تمتد على فترة زمنية أطول لتحقيق الاستفادة القصوى و النجاعة المطلوبة.