جمعت الندوة التي نظمتها شبكة تونس للحقوق والحريات والكرامة أول أمس عددا كبيرا من ألوان الطيف السياسي التونسي في محاولة للإجابة عن سؤال أصبح في الآونة الأخيرة أكثر الحاحا وهو أي أفق سياسي للانتقال الديمقراطي في تونس. اعتبر الأستاذ عبد الجليل الظاهري رئيس الشبكة في افتتاح الندوة التي ينظمها بالاشتراك مع المنتدى الافريقي للديمقراطية والتنمية البشرية إنه للإجابة عن هذا التساؤل تمت دعوة أغلب الأطياف السياسية في محاولة لدفع الحوار بينهم وتقريب التصورات للخروج بالبلاد من الأزمة الراهنة وانجاح مسار الانتقال الديمقراطي.
وقد حضر الندوة كل من الأستاذ محمد ابراهمي رئيس حركة الشعب والأستاذ شكري بلعيد المنسق العام لحركة الوطنيين الديمقراطيين وياسين ابراهيم المدير التنفيذي للحزب الجمهوري والاستاذ عبد الرزاق الهمامي رئيس حزب العمل الوطني الديمقراطي والأستاذ عبد الرؤوف العيادي رئيس حركة وفاء والأستاذ بوجمعة الرميلي عن حزب نداء تونس والأستاذة آمنة منصور القروي عن حركة الاصلاح والبناء والأستاذ عبد الوهاب الهاني عن حزب المجد والأستاذ رضا بالحاج أمين عام حزب التحرير وعدد من الحقوقيين وفي مقدمتهم الاستاذ العميد عبد الستار بن موسى رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان والدكتور يوسف صديق. وقدم الحاضرون تصوراتهم حول الاجابة عن السؤال الذي طرحته الندوة وكانت كالتالي:
محمد ابراهمي
قال محمد ابراهمي ان «الثورة دخلت في منطقة خطرة فرضت احد خيارين وهما اما ان تستكمل البلاد مسارها الثوري أو تقدم الأمن وقد اخترنا الأمن لكن انتخابات 23 أكتوبر أفرزت مشهدا سياسيا لا يعكس الواقع في شيء ... الفائزون تعاطوا مع المسألة وكأنها غنيمة حرب وانقضوا على مؤسسات الدولة وعلى الاعلام وحاولوا ترويضه وقد فعلوا ذلك الى حد كبير وهؤلاء نراهم يتقدمون اليوم على طريق محفوف بالمخاطر».
وأشار الى ان الوفاق الذي تحتاجه البلاد في المرحلة الراهنة ترفضه أطراف الحكم في البلاد معتبرا ان أكبر دليل على ذلك قضية تسليم البغدادي المحمودي وانه على السياسيين فضح الخطاب المزدوج و»تزييف وعي الناس».
عبد الرؤوف العيادي
ومن جهته اعتبر الأستاذ عبد الرؤوف العيادي ان المطروح اليوم هو بناء المجال السياسي الوطني بعد أكثر من 60 سنة من التصحر السياسي، وأشار الى ان البلاد تمر الآن بفترة الانتقال من مرحلة الايديولوجيا الى مرحلة السياسة.
وأشار الى انه الى غاية الآن هناك معوقات أمام الثورة والقوى السياسية الغير منظمة، مؤكدا ان القوى الوحيدة المنظمة هي القوى الخارجية التي لها مخططاتها وتعرف ما تريد حسب قوله، وأعتبر ان أكبر قوة في الداخل هي حركة النهضة لكنها لم تتطور بعد الى حركة سياسية. كما أوضح العيادي انه الى جانب المهمة الأساسية اليوم هناك مهمة كبرى وهي المحاسبة، معتبرا ان الثورة لم تجهز على نظام بن علي المرتكز على الادارة، «المطلوب اليوم هو ان تتحول الأحزاب السياسية الى مدارس سياسية والى حد الآن الأحزاب لم تقم بدورها وهي أحزاب ادرية وفي مقدمتها حركة النهضة وبذلك لم يقدم أي طرح واضح».
شكري بلعيد
وفي الاتجاه ذاته قال شكري بلعيد انه لم تكن للقوى الاجتماعية صاحبة المسار الثوري قيادة سياسية «لذا فالنظام القديم تعزز موقعه بانتخابات 23 أكتوبر التي أعطتنا قوى تعبر عن التحالف الطبقي القديم على قاعدة نفس المصالح والتصورات فالمنوال الذي تحاول الترويكا تنفيذه هو نفسه المنوال الذي سطرته حكومة الباجي قائد السبسي وهو نفسه المنوال الذي سطرته حكومات بن علي».
واعتبر بلعيد ان الفرضيات الموجودة حاليا هي اما ان يعود الاستبداد «وفي تقديري مشروع النهضة يصب في هذا السياق ... والأفق الثاني هو اغراق البلد في حالة من الفوضى لأن العنف لا يمكن ان يخدم الا القوى المعادية للثورة وهنا تأتي ورقة السلفية من سلفية توفيق الديماسي الى السلفية الجهادية وسلفية النخاسة التي تشتري الشباب من بنقردان وترسلهم الى سوريا وفيها أيضا سلفية القاعدة».
وبالنسبة للخيار الثالث قال انه خيار منع التداول السلمي على السلطة بخلق قطبين يمينيين وهما حركة النهضة ونداء الباجي قائد السبسي «ويكون هناك تداول بينهما للانقلاب على مطالب الشعب وحقه في بناء منوال اجتماعي مستقل وكلا الطرفين يرتزقان من قطر وأمريكا وفرنسا... الأفق الرابع فيه جانبان الأول سد الطريق أمام عودة العنف، ثانيا غلق الباب أمام الصراع على الهوية واعادته الى مواضيعه الحقيقية وهي المسألة الوطنية والديمقراطية والاجتماعية».
ياسين ابراهيم
ومن جانبه قدم ياسين ابراهيم جملة من الشروط التي رأى انه لابد من توفرها لانجاح المرحلة الانتقالية ومنها وضع جدول زمني للانتقال وتفعيل قانون ينظم مسار العدالة الانتقالية وتفعيل الهيئة العليا للانتخابات وتنظيم القضاء والاتفاق على صيغة عقد اجتماعي للفترة الانتقالية ثم التوافق حول الدستور.
بوجمعة الرميلي
وفي الاتجاه ذاته قال بوجمعة الرميلي ان السياسيين لم يعوا بعد معنى الثورة الديمقراطية مشيرا الى ان التحول الديمقراطي يتطلب وقتا أطول وان المطلوب هو تنظيم الحوار.
واعتبر الرميلي ان المهم هو بناء آليات الانتقال الديمقراطي السلس والمنفتح موضحا ان ما أفرزته الانتخابات الأخيرة هو ليس خطأ حركة النهضة وانما خطأ باقي الأطراف السياسية التي لم تتمكن من كسب المواطن التونسي.
آمنة منصور القروي
ومن جانبها قالت آمنة منصور القروي انها تأسف لرؤية الكثيرين ضد الحكومة بعد انتخابات 23 اكتوبر «لكنهم غير قادرين على وضع برنامج». وأشارت الى انه يجب ان يكون هناك توازن بين المعارضة والحكومة وان ذلك يتم عبر تحديد نقاط التوافق بين كل التونسيين.
عبد الرزاق الهمامي
ومن جهته اعتبر الأستاذ عبد الرزاق الهمامي ان الثورة بدأت «وهي مسار متواصل ولا يجب ان نخيف التونسيين من ان المسار الثوري كارثة، يجب ان يؤمن التونسيون بالثورة ويتعلقوا بتحقيق أهدافها».
وأشار الى ان أهم ما تحقق في هذا المسار هو المكسب الديمقراطي رغم عدم تحقق المكاسب الجوهرية من شغل وتنمية «التونسي مطالب بالتمسك بالمكسب الديمقراطي والعمل على تطويره فاليوم لدينا الحق في التنظم ولا يجب ان نعود الى الوراء وأيضا حرية التعبير وحرية الاحتجاج السلمي وكل هذا يجب ان نعمل على عدم عودته فالمكسب الديمقراطي يترك باب النضال من اجل استكمال المطالب مفتوحا».
وتابع «هناك خوف من حالة عدم الاستقرار والأمر ليس بالهين فقد عدنا الى الدم والى فرض حظر التجول وهذا يعني ان امكانية الارتداد واردة وأن الفاعلين واضحون وهم أطراف لهم تفسير متشدد للدين ... وعدنا الى تقسيم المدافعين عن المقدسات والمستهترين بها وهذه صورة مغلوطة وافتعالها وراءه أشياء».
وأضاف الهمامي «في المرحلة الانتقالية لابد من تقديم تنازلات متبادلة ولا يجب ان تستهدف الساحة السياسية فذلك ينذر بالانزلاق الى حرب اهلية وهذا يقلل من امكانية تسخير جهود البلاد للتنمية».
رضا بالحاج
وفي اتجاه آخر اعتبر رضا بالحاج ان الدخول الى العمل السياسي يتطلب المصارحة والمكاشفة مشيرا الى ان هناك ممكنات مستحيلات ومنها «استحالة الرجوع الى الوراء» وهناك المستحيلات الممكنات ومنها «الوحدة التي لا حديث عنها اليوم... وعلى المثقفين ان يخترقوا الحاجز النفسي الغربي الذي يمنعنا من تطبيق أحكام الشريعة بل اليوم هناك مستوطنات فكرية تعيش فينا وتشعرنا بالعجز الى جانب القطيعة الايبستيمولوجية بين الأحزاب وبين المثقفين». وتابع «الرأي العام ينتظر طرح البدائل المفصلة لأن الثورة فتحتنا على كل الممكنات».