كيف استشهد الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ؟ سؤال ينفتح على كثير من الفرضيات والإمكانيات من سمّ مدسوس في الأكل إلى سم مبثوث في اللباس ؟ تساؤلات عديدة إلا أن الطرح الأكثر وجاهة ورجاحة يشير إلى انحلال سم «البولونيوم 210 « في مشروب قدم للشهيد عرفات . الأستاذ الجامعي في الطب الإشعاعي جون ريني جوردان اشار في حوار لموقع «ليباراسيون» الفرنسي إلى أن «البولونيوم 210» هو جزء من مادة اليورانيوم وهو أيضا موجود في الجسم الإنساني بنسب ضئيلة للغاية بعبارة أخرى هو شيء طبيعي إلا أن تحويله من الطبيعي إلى الصناعي يقتضي وجود مختبرات وأجهزة علمية ضخمة غير موجودة إلا في الدول الحديثة والمتقدمة.
ويضيف جوردان أن هذا التحويل يستثمر ويوظف في غايات علمية وتقنية وإنسانية غير مضرة إلا أنه قد يستعمل لمآرب سيئة ومقيتة من بينها الاغتيال والتصفية . هنا تعود بنا الذاكرة إلى سنة 2006 حيث استخدم ذات السم لتصفية المعارض السابق – فلاديمير ليتفينيكو- للرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2006 والذي كان عميلا سابقا في جهاز ال«كا جي بي» قبل الانخراط في العمل السياسي المعارض.
وهنا أيضا يتوقف الأستاذ الجامعي للتشديد على أنه في حالة ما رجحنا فرضية تسميم عرفات بهذه المادة فإن الأمر لا يخرج عن إمكانيتين , الأولى تكمن في استنشاقه عبر الهواء بعد نثره في فضاء جوي ضيق ومحدود والثانية تتجسد في تحليله داخل مشروب تناوله ياسر عرفات وسرى في جسده.
ولئن رجّح الفرضية الثانية فإنّه اعتبر أن تحديد آثار السم واكتشافه في جسمه – بعد هذه المدة الطويلة من وفاته – هو امر صعب جدا خاصة ان الآثار تختفي في غضون 1384 يوما ما يقرب عن 4 أعوام في حين أن الفترة التي تفصلنا عن لحظة وفاته تزيد على 2800 يوم.
وأوضح الدكتور جوردان أن الأمل يبقى في «العظام» باعتبار أن السم يستوطن الجسم والعظم معا ويتغلغل في الأخير لذا فإنه من الضروري للباحثين السويسريين الذين سيتوجهون إلى رام الله استخراج شيء من عظامه – رحمه الله – لوضعها تحت أجهزة الاختبار والتحليل ...
البولونيوم : «القاتل .... غير الرحيم»
يمكن أن يستخدم البولونيوم (عيار 210) كسمّ قاتل في الحالات التالية: اذا تمّ استنشاقه، أو بلعه أو امتصاصه.
وفي هذه الحالات تدمّر الاشعاعات التي تنبعث منه جميع الاعضاء العضوية، بدءا بالكبد والطحال وتؤدي الى الموت البطيء. لكن هذا لا يعني تلقائياً ان وجود آثار بولونيوم، بكميات محدودة جداً، على الملابس أو على سطح بعض الادوات المستخدمة يؤدي حتماً الى تسمّم قاتل، اذ ان عدم امتصاصه أو بلعه أو استنشاقه لا يؤثر على صحة الجسد.
كانت مادة البولونيوم تنتج في الاتحاد السوفياتي سابقا، حيث استخدمت بعض مكوناتها في العديد من الصناعات الحيوية. وكان الباحثان الفرنسيان بيار وماري كوري قد اكتشفا مادة البولونيوم عام 1898 واطلقا عليها اسم بولونيوم نسبة الى بولندا (أو بولونيا) وهي بلد منشئهما.