على عكس المدن التي تضمّ فضاءات شبابية متنوعة تعتني بالطفولة تعاني أغلب القرى والارياف نقصا وتهميشا كبيرين على مستوى الاحاطة بالأطفال وخاصة خلال العطل المدرسية الصيفية وقد تؤرق هذه الوضعية الأولياء. في كل عطلة يكون الاولياء مجبرين على ترك ابنائهم بمفردهم بالمنزل نظرا لتواصل عمل الابوين وغلق دور الحضانة ورياض الأطفال. وافادنا عبد المجيد وهو اب لثلاثة أطفال تتراوح سنهم بين العاشرة والخامسة من العمر انه يشعر بالرعب كلما قربت العطلة المدرسية وخاصة منها الصيفية نظرا لان زوجته تعمل ايضا خارج المنزل مما يجعل أطفاله الثلاثة يتصرّفون بحرية مطلقة داخل المنزل اذ لا ينقضي يوم دون ان يتشاجروا فيما بينهم أو ان يكسروا بعض التحف والاواني أو أن تحصل بعض الحوادث المنزلية.
وقد حدثنا أنه في عطلة الربيع الاخيرة كان أحد أبنائه يلعب مع اخويه لعبة الغميضة بقاعة الجلوس وعندما لم يجد مكانا يختبئ فيه خامرته فكرة الاختباء وراء المكتبة التي تحتوي على تحف غالية الثمن وجهاز التلفاز ولكن بمجرد ان حشر نفسه وراء تلك المكتبة حتى انهارت بما فيها. ومن ألطاف الله ان الطفل لم يصبه اي مكروه سوى بعض الجزع بينما عدت انا وزوجتي مساء لنقف على ذلك المشهد المزري والذي كلفنا كل ما نملكه من التحف وجهاز التلفاز. أما هندة وهي عاملة بأحد المصانع بالجهة وأمّ لأربعة أطفال تتراوح أعمارهم بين التاسعة والثلاث سنوات فانها تضطرّ ايضا لتركهم بمفردهم بالمنزل بعد ان تعدّ لهم بعض الاكل وتوصيهم بملازمة المنزل وعدم المساس واتلاف اثاثه وتتوعدهم بالويل والثبور ان لم يعملوا بنصيحتها. ولكنها تعلم يقينا ان نصائحها وتهديدها يتلاشى مع الرياح بمجرّد ان تخطو خطوات قليلة خارج المنزل. لكن ما باليد حيلة تقول هندة انها بمجرّد مغادرتها فان أطفالها يتسللون الواحد تلو الاخر في اتجاه ملعب الحيّ اين يقضون كامل اليوم مع غيرهم من الاطفال الى حين عودتها من العمل, وقد أكدت ان أبناءها كثيرا ما يتشاجرون مع ابناء الحيّ ويحتكون ببعض المنحرفين وينقطعون كليا عن النشاطات التعليمية. لكن بما ان هذه المناطق الريفية تفتقر لدور الشباب والنوادي والجمعيات الثقافية التي بدورها تنظم الرحلات الترفيهية والالعاب التربوية التي تنمّي العقل والفكر وبالتالي تجعل من ايام العطل خاصة منها الصيفية مزيجا من الترفيه واللعب والراحة والمطالعة فانها بالتالي ستترك المجال واسعا امام احتضان هؤلاء البراعم من قبل الشارع وما يخفيه من مآس وحوادث وانحرافات.