بعد سنوات من التدريس بالمدارس الريفية بإحدى ولايات الشمال الغربي كان من المفروض أن يتمتع أحد المدرسين بحق التدريس في مدرسة داخل المدينة في إطار الحركة النظامية لذلك الموسم الدراسي.. والمفاجأة أن هذا المدرس قد اختار مدرسة ريفية بإحدى معتمديات ولاية بنزرت.. سألناه لماذا هذا الاختيار ؟ فكان رده أنّ له موعدا كل ليلة مع طفليه يلقنهما دروسا في العلوم واللغة دون أن ينسى غرس ما أمكن غرسه من أخلاق حميدة فيهما لغة وممارسة ولكن صباحا وهو يشق بطفليه سوق المدينة لإيصالهما إلى المدرسة يذهب ما غرسه فيهما من أخلاق حميدة سدى إذ أن ما يقرع طبلتي أذني كل طفل من طفليه من كلام بذيء صادر عن رواد السوق والعاملين به من كل الفئات العمرية وحتى المستويات الثقافية يجعل الطفلين يشكان في أن والدهما يعيش في كوكب غير كوكب الأرض وهو يحدثهما عن الكلمة الطيبة ولغة التواصل الراقية.. والموقف نفسه يجعل الأب في حرج مضاعف ..حرج أنه علّم ابنيه ما لا علاقة له بالواقع وحرج الإجابة عندما يسأله أحد طفليه عن معنى عبارة «...» التي تلفظ بها شيخ وعن القصد من عبارة «...» التي انطلقت مدوية من شفتي شاب. وإن كان هذا المربي الفاضل قد فضل الرحيل عن المدينة متنازلا عن حقه في التدريس بإحدى مدارسها راضيا بمواصلة المشوار مع العيش في الريف حفاظا على أخلاق طفليه فإنه ما من مفر لهم من الاستقرار بالمدينة بمختلف المدن التونسية استحال عليهم أن يتجولوا في الأسواق والأماكن العمومية مرفوقين بأبنائهم أو أمهاتهم أو شقيقاتهم والغريب أن لكل شيء فصل أو موسم إلا الكلام البذيء فهو يلازم الأفواه والآذان ليلا نهارا ودون انقطاع دون اعتبار دخوله إلى منازلنا ونحن نتابع بعض البرامج وخصوصا منها مباريات كرة القدم التونسية .
الرئيس المخلوع فشل في محاربة هذه الظاهرة يوم أصدر قانونا يعاقب بخطية مالية كل من يتعدى لفظا على الأخلاق الحميدة في الأماكن العمومية وسبب فشله أن من جندهم لمحاربة هذه الظاهرة هم أصل البلية كما أن السياسة التربوية التي أقرها المخلوع لمدارسنا ومعاهدنا لا يمكنها أن تنتج سوى تلاميذ ينطقون بالبذيء من الكلام ويأتون السيئ من الأعمال ويكتسبون الأسوأ من العادات.
والمطلوب اليوم ممن خلعوا المخلوع محاربة هذه الظاهرة بأن يتضمن الدستور الجديد للبلاد قوانين تردع المعتدين لفظا على الأخلاق الحميدة وأن تخصص الجمعيات والمنظمات المدنية جزءا كبيرا ضمن برامجها للتوعية قصد محاربة هذه الظاهرة.. وإن كانت الكرامة والشغل أسمى أهداف الثورة فإن أرقى أحلام الثورة.. تونسي لا يتفوه بالكلام البذيء على الأقل في الأماكن العمومية .