اهتمام المختصين في علم الاجتماع بالظاهرة لا يتجاوز منابر الجامعات لماذا لا يتمّ تنفيذ المقترحات الواردة في دراسة مرصد الشباب للحدّ من العنف في الوسط المدرسي؟ تونس - الصباح: أصبح استعمال الكلام النابي في كثير من الأوساط الشعبية بتونس مثل استعمال الملح في الطعام.. إذ لا يمكن أن يقصد المرء سوقا أو محطة نقل عمومي أو يتجول بأحد شوارع الأحياء الشعبية إلا ويمطر بشتى النعوت البذيئة وتسمع أذناه دون رغبة منه الكثير من الألفاظ السوقية التي إن دلّت على شيء فهي تدل على أن حشدا كبيرا من التونسيين لا يحترمون بعضهم البعض لأنهم لا يتورّعون عن استعمال كلام يندى له الجبين ويحرج الغير.. حتى أن أفراد الأسرة الواحدة أصبحوا يتجنبون المشي معا في الشارع خوفا من سماع كلام يخدش الحياء.. لكن الظاهرة على خطورتها يقابلها للأسف الشديد صمت كبير.. وحتى إن كان المشرع التونسي قد جرّم التجاهر بما ينافي الأخلاق ويخدش الحياء فإنه على مستوى التطبيق نلاحظ أن القانون لا يطبق.. كما أنه وباستثناء ثلة من المختصين في علم الاجتماع الذين تناولوا ظاهرة العنف اللفظي بالدرس في جامعاتهم أو في منابر فكرية محدودة الصيت.. فإننا لا نجد من يتحدث عنها أو يحاول وضع حد لها واجتثاث جذورها حتى لا تستفحل أكثر في المجتمع التونسي.. بل لعل ما يبعث على الانشغال أن ظاهرة العنف اللفظي لم تعد تقتصر على الكهول فقط بل أصبحنا نشاهدها لدى أطفال لم يتخطوا عتبة العقد الأول من العمر.. ونشاهدها أيضا لدى الشباب فتيان وفتيات.. وكأنها موضة العصر.. وكأن من لا يتقن حشو كلامه بالألفاظ النابية أصبح خارجا عن السرب.. انتشار خطاب السفاهة نجد من بين المختصين القلائل في علم الاجتماع الذين حذروا من انتشار ظاهرة العنف اللفظي الدكتور محمود الذوادي الذي بين في إحدى دراساته أن واقع المجتمع التونسي يتّصف بظاهرة تنوع وتعدد السلوكيات العنيفة والعدوانية بين التونسيين.. ومعروف عن التونسي على حد قوله اللجوء بسرعة ولأتفه الأسباب إلى العنف اللفظي والجسدي إزاء التونسي الآخر وهو يرى أن خطاب السب والشتم والسفاهة عند التونسي الذكر مشهود له ببذاءته وكثرة تداوله.. ويعكس خطاب السفاهة لدى الجنس الذكوري ملامح العنف والتعنت وعدم احترام المقدسات من تقاليد الدين والجنس.. أما التونسية الأنثى فتساهم هي الأخرى في ظاهرة التراشق بكلمات السب والشتم وكثيرا ما يغلب على كلامها استعمال الدعاء أي استعمال عبارات وكلمات فيها تضرّع لله لكي يعاقب الطرف المغضوب عليه.. وبالإضافة إلى اهتمام بعض المختصين في علم الاجتماع بظاهرة العنف اللفظي فإن هناك من المهتمين بالشأن التربوي والبيداغوجي من انشغلوا بهذا الأمر.. وقد أجرت وزارة التربية والتكوين دراسة حول السلوكيات المنافية لقواعد الحياة المدرسية لكن للأسف لم يقع الكشف عن نتائجها إلى الآن.. وأصبح العنف في المدرسة موضوعا يشغل المنظومة التربوية ككل خاصة مع بروز ظاهرة تعنيف الأساتذة والمربين بعد ظهور نتائج امتحانات نهاية السنة الدراسية إذ يتعمد الكثير من التلاميذ الاعتداء على المربين اعتقادا منهم أنهم هم الذين تسببوا لهم في الإخفاق أو الطرد من المدرسة أو المعهد وفي حرمانهم من مواصلة تعليمهم.. ويكون هذا العنف لفظيا أكثر منه جسديا ولكنه على محدوديته فإنه يبعث على الحيرة ويدعو للتفكير بجدية في إيجاد حلول جذرية لهذه المعضلة. كأن يتم تنفيذ توصية هامة من توصيات الدراسة التي أنجزها المرصد الوطني للشباب حول العنف اللفظي والمتمثلة في الدعوة إلى تطوير مضمون برامج التربية المدنية والتربية الدينية لتشمل نصوصا ودروسا حول مخاطر العنف اللفظي و أخرى حول التربية الجنسية والثقافة الجنسية.. وتكوين أطر تنظيمية للقيام بعملية التحسيس و التأطير في موضوع مقاومة ظاهرة العنف اللفظي (لجان، جمعيات ونوادي) وإعادة النظر في أوقات فراغ التلاميذ في المعاهد والمدارس الإعدادية ( الحكومية والخاصة). والاستفادة من تجربة «المراجعة في الساعات المتوسطة للدروس» والتنسيق مع الأمن في مراقبة مداخل المؤسسات التربويّة والأماكن المؤدية لها وردّ الاعتبار لدور المربي وتمكينه من القيام بدور أوسع في تربية الناشئة وحماية الأخلاق الحميدة حتى خارج المؤسسة التي يعمل بها ومزيد تشريك الأولياء في متابعة ومراقبة أبنائهم وتقاسم المسؤولية التربوية بين المؤسسة التربوية والأسرة. ولا شك أن تنفيذ هذه التوصيات سيكون له تأثير ملموس مستقبلا على الحد من انتشار ظاهرة العنف اللفظي.