أكّد كلّ من سمير ديلو وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقاليّة وعبد الرزاق الكيلاني الوزير المعتمد لدى رئيس الحكومة المكلّف بالعلاقة مع المجلس الوطني التأسيسي على ضرورة كشف كل الحقائق المتعلقة بالتعذيب وقضايا حقوق الإنسان خلال حقبة النظام السابق. واعتبر سمير ديلو أنّ باب المصالحة مطروح وهو ضرورة حتميّة لمسار الثورة وبناء المستقبل المشترك ولكن لا يُمكن لتلك المصالحة أن تتمّ قبل أن يتمّ الكشف عن كلّ الحقائق وعمن أصدر الأوامر بالتعذيب والقتل وتحميل المسؤولية لكلّ من ارتكب جرما في حقّ المتضررين من نظام الحكم السابق.
كان ذلك بمناسبة إحياء ذكرى استشهاد الطالب عبد الواحد العبيدلي الّذي عُذّب حدّ الموت وتمّ التنكيل بجثته من خلال ضربها بالرصاص وتكسير جمجمة رأسه بواسطة سيارة للأمن في منطقة الأمن بسوسة في محاولة للتعتيم عن التعذيب الشديد الّذي تعرّض له والّذي أدّى بحسب شهادات لزملائه إلى وفاته في أحد أقبية منطقة الأمن بسوسة في شهر جوان سنة 1991 في أعقاب التصدّي الدموي والاستئصالي الّذي مارسته آلة القمع ضدّ احتجاجات الطلبة ضدّ حلّ منظمتهم الاتحاد العام التونسي للطلبة ودفاعهم عن الحريّة ونظام الاستبداد.
واستغرب ديلو من سلوك بعض الحقوقيين والسياسيين عندما يلحون في مطالبتهم بحقوق جرحى وشهداء الثورة ويتهجّمون على حق ضحايا الاستبداد لعقود طويلة مشيرا إلى أنّ الثورة هي ثمرة تضحيات لأجيال عديدة ومتعاقبة من مختلف التيارات والعائلات الفكريّة والسياسيّة ومن مختلف جهات البلاد.
وأضاف ديلو أنّ قضية الشهيد عبد الواحد العبيدلي هي اليوم تحت أنظار القضاء ولا بدّ من الوصول إلى كلّ الملابسات الّتي حفّت بها خاصة وأنّ الشهيد كان معروفا بين زملائه من طلبة دار المعلمين العليا بسوسة بجديّته في الدراسة وتواضعه ورفعة أخلاقه وابتسامته الدائمة.
نبّه ديلو إلى مخاطر الدعوات المجانية والمتسرعة للمطالبة بتحقيق المصالحة وقال إنّ عدم كشف الحقيقة وإجراء المحاسبة وتحميل المسؤولية في التجاوزات لا يُمكّن من فتح صفحة جديدة بل سيفتح الباب أمام المورّطين للعودة والظهور من جديد وربّما إعادة تكرار ما فعلوه في السابق ، وقال في هذا الصدد: «لسنا دعاة انتقام أو تشفّ أو استئصال بل دعاة لكشف الحقيقة للرأي العام وردّ الاعتبار لكلّ من ساهم في مراكمة النضالات الّتي أدّت إلى سقوط الدكتاتوريّة».
من جهته أكّد السيّد عبد الرزاق الكيلاني الوزير المعتمد المكلّف بالعلاقة بالمجلس الوطني التأسيسي أنّ قضية الشهداء ستبقى عالقة وتتطلّب جديّة في التعاطي معها لإعطاء كلّ ذي حقّ حقه وفضح كلّ أساليب القمع والتعذيب حتّى تتجنّب البلاد إمكانية تكرارها أو وقوعها مرّة أخرى.
وعبّر الكيلاني عن التوجّه الثابت للحكومة لطي صفحات الماضي بالقدر اللازم من الشفافيّة والوضوح وبما من شأنه أن يكشف ملفات الفساد والظلم والتعدّي على حقوق وحريات الناس مؤكّدا بأنّ قضية الشهيد عبد الواحد العبيدلي تبقى عنوانا صارخا على شدّة آلة القمع الّتي أزهقت روح شاب في مقتبل العمر كان يتطلّع لإتمام دراسته بمثل التفوّق والامتياز الّذي عرف به في دراسته الثانويّة وبداية عهده بالجامعة ، كما أنّ إحياء ذكرى استشهاده ستذكّر دائما بالأوضاع الّتي تعرفُها العديد من الجهات الداخلية المحرومة على غرار مدينة برقو ( ولاية سليانة) مسقط رأس الشهيد.
وطلب الكيلاني من الحاضرين في دار الثقافة ببرقو الصبر وتفهّم أوضاع البلاد خاصة في ظلّ وجود قوى تريد إفساد مسار الثورة وإعادة الأوضاع السياسيّة إلى ما كانت عليه سابقا ، وهو الأمر الّذي لا يُمكنهُ أن يتمّ وفق ما تحدّث به نظرا لوعي الشعب التونسي بضرورة القطع مع الفساد والظلم وتحقيق المصالحة الوطنيّة الشاملة والتوجّه الجماعي لبناء تونسالجديدة ، تونس حقوق الإنسان والحريات والعدالة والكرامة.
يُذكر أنّ إحياء الذكرى قد قامت بتنظيمه جمعية روابط العيش المشترك الّتي يرأسها المحامي الأستاذ الطاهر يحي ورابطة قدماء دار المعلمين العليا بسوسة وقد حضر عدد وفير من أهالي مدينة برقو وزملاء الشهيد عبد الواحد العبيدلي وأفراد عائلته ، كما ألقى خلالها الشاعر البحري العرفاوي عدّة قصائد تذكّر بالثورة والتضحيات والنضال.