لو استقرأنا الآيات التي وردت في فضل القرآن على الأمة الإسلامية، لأعيانا الاستقراء والبحث والإحصاء! وقد نوه الله تعالى بشهر رمضان لأنه أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان. ففيه هدانا رب العزة، إذ فرق بين الحق والباطل، وفصل بين الفضائل والرذائل، وامتاز على غيره من الكتب المنزلة أن الله بذاته العلية هو المتكلم بالكلمة القرآنية، فكانت تلاوته عبادة وكانت قراءته جملة من الآداب. قال تعالى في حديث قدسي «من شغلته قراءة القرآن عن دعائي ومسألتي أعطيته أفضل ثواب الشاكرين». (رواه البخاري ومسلم). فالقرآن أفضل ما يتقرب به العبد إلى ربه. إذا هو خشع في تلاوته و تدبر معانيه، و عمل بهديه و أتخذه إماما و دستورا له في الحياة. و قد كان سلوك النبي صلى الله عليه و سلم ترجمة حية للقرآن و تفسيرا له، و كذلك كان أصحابه. فإنهم لم يتخذوه دراسة، و لكنهم اتخذوه هداية عملية، حتى أن بعضهم ما كان يجاوز في الحفظ السورة إلى غيرها إلا إذا حقق ما فيها من أوامر، و انتهى عما فيها من نواه !!
وقد نبغ في فهمه و تفسيره أعلام منهم، كونوا مدارس مثل عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وأبو بن كعب رضي الله عنهم. يروى عن الشعبي أن عمر بن الخطاب لقي ركبا في سفر فيهم ابن مسعود، فسألهم «من أين القوم؟ قالوا: «أقبلنا من الفج العميق، نريد البيت العتيق! » فقال عمر« إن فيهم لعالما!! ». ثم سألهم: «أي القرآن أعظم ؟» فأجابه ابن مسعود « الله لا إلاه إلا الله الحي القيوم، لا تأخذه سنة و لا نوم... (آيةالكرسي» : 255 البقرة) قال: «فأي القرآن أحكم؟» فأجاب «إن الله يأمر بالعدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى و ينهى عن الفحشاء والمنكر يعظكم لعلكم تذكرون » (سورة النحل: 90) فسأله:« أي القرآن أجمع ؟» «فقال: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره» (الزلزلة: 7و8) فسأله: «أي القرآن أحزن؟» فأجاب: «ليس بأمانيكم و لا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا».النساء:128 قال«فأي القرآن أرحم؟» فأجاب: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا، إنه هو الغفور الرحيم}.(الزمر:53) فقال: «أفيكم ابن مسعود؟» قالوا: «نعم!» (كتاب الإتقان في علوم القرآن) (1/50) (يتبع)