آتى الله تعالى سيدنا سليمان الحكمة على حداثة سنه، ويشهد لذلك ما أوردنا من بعض القصص التي حكم فيها بحكم أقرّه القرآن الكريم عليه: {ففهمناها سليمان} وبما حصل له في قصة الذئب الذي عدا على ولد احدى المرأتين كما مرّ سابقا. رابعا: سخّر الله تعالى له (الريح) فكانت تنقله الى أي أطراف الدنيا شاء، وتقطع به المسافات الشاسعة البعيدة في ساعات معدودات كما قال تعالى: {ولسليمان الريح غدوّها ورواحها شهر..} والمعنى أنها تقطع به من الصباح الى الظهر مسيرة شهر، ومن الظهر الى المساء مسيرة شهر، فتقطع به في النهار الواحد مسيرة شهرين، قال الحسن البصري: (كان يغدو من دمشق فينزل باصطخر فيتغدى بها، ويذهب رائحا منها فيبيت بكابل وبين دمشق واصطخر مسيرة شهر وبين اصطخر وكابل مسيرة شهر). وذكر ابن كثير أنه كان له بساط تحمله الريح فيه الدور المبنية والخيام والأمتعة والخيول والجمال والرجال وغير ذلك من الحيوانات والطيور فإذا أراد سفرا حملته الريح). أقول: ليس هذا بغريب ولا عجيب على قدرة الله تعالى، فالانسان الذي يقطع الآن بالطائرة النفاثة أقاصي المعمورة وينتقل من بلد الى آخر في سويعات معدودات قد سخّره الله تعالى لنبيه الكريم (سليمان) بواسطة الريح، وهذا التسخير من المعجزات التي اختص بها سليمان عليه السلام.
وقد أنكر الشيخ النجار في كتابه «قصص الأنبياء» موضوع البساط ولا محل لهذا الإنكار لأن قدرة الله تصنع العجائب، ونحن نؤمن بما أثبته القرآن من أن الريح تقطع به المسافات البعيدة، ولكن كيف كانت الريح تحمله هل تحمل به القصر؟ أم تحمل به الخيل؟ أم تحمل البساط؟ نترك علم ذلك الى الله تعالى ونكتفي بما حدّث عنه القرآن. قال تعالى: {ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره الى الأرض التي باركنا فيها، وكنّا بكل شيء عالمين}.
ونحن مع الشيخ نقرّ بالمعجزات والعجائب، ولكن لا نبذّر ولا نسرف ولعل الذي دعاه الى انكار ذلك تلك الصورة الغريبة العجيبة التي ذكرها بعض أهل القصص او المبالغة التي اعتمد عليها بعض أهل التفسير، في ذكر أوصاف البساط.
خامسا: سخّر الله تعالى له الجنّ ومردة الشياطين يغوصان له في البحار لاستخراج الجواهر واللآلئ ويعملون له الأعمال التي يعجز عنها البشر، كبناء الصروح الضخمة والقصور العالية، والقدور الراسيات والجفان التي تشبه الأحواض. يتبع