كانت دعوة سيّدنا شعيب عليه السلام للإصلاح تتمثل في نداءاته المتكررة لقومه بالوفاء في الكيل والميزان، وعدم بخس الناس أشياءهم، محذرا إياهم من عذاب اللّه، قال شعيب عليه السلام {ولا تنقصوا المكيال والميزان ولا تبخسوا النّاس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها} (الأعراف: الآية 85)، وقال {ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا النّاس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين} (هود: الآية 85)، فقد أمرهم بالعدل ووفاد الكيل والميزان بالقسط، ونهاهم عن الظلم، وتوعّدهم بعذاب اللّه إن خالفوا ذلك، ثم قال لهم {ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين (85) ولا تقعدوا بكل صراط توعدون} (الأعراف: 85 86)، كانوا يقطعون الطريق على الناس ويتوعّدونهم في كل وقت، فيأخذون أموالهم وثيابهم، كانوا قوما طغاة بغاة. ثم ذكّرهم شعيب عليه السلام بنعمة ربّهم عليهم بأن جعلهم كثرة من بعد قلّة، وأعزّهم من بعد ذلّة، وأخذ شعيب عليه السلام يحذّرهم أن تكون عاقبتهم مثل عاقبة الذين من قبلهم، قال {واذكروا إذ كنتم قليلا فكثّركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين} (الأعراف: الآية 86).
يقول شعيب عليه السلام إن المال الذي يأتيكم من خسران الموازين والمكاييل، ومن بخس النّاس أشياءهم، وقطع الطريق على الآمنين، وسلب أموالهم بالباطل، إنما هي أموال خبيثة سلبتموها غصبا من الآخرين، ولا يستوي عند اللّه المال الخبيث والطيب، ولو أعجبكم كثرة الخبيث، هكذا كان شعيب عليه السلام يدعو قومه بالحجة والمنطق، عملا بقوله تعالى {قل لا يستوي الخبيث والطّيّب ولو أعجبك كثرة الخبيث} (المائدة: الآية 100)، فإن الحلال مبارك فيه ولو قلّ، والحرام ممحوق وإن كثر، وقد حثّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على الصدق في البيع والشراء، لأن الصدق في البيع، وعدم بخس الناس أشياءهم، وعدم تطفيف الكيل والميزان تجلب البركة، وعكس ذلك يقلّلها، فعن حكيم بن حزام رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا أو قال حتّى يتفرّقا فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بعيهما» (صحيح البخاري: 1937)، وهي تعني أن الربح الحلال مبارك فيه وإن قلّ، والحرام لا يجدي وإن كثر، فما يبقى للنّاس من رزق حلال خير لهم من بخس حقوق النّاس، وتطفيف الكيل والميزان، لقوله تعالى {بقيّتُ اللّه خير لكم إن كنتم مؤمنين} (هود: الآية 86).