كان الفضاء، بمكوناته المتناسقة، ملهما لعدد من الشعراء...جاؤوا من أركان تونس المتباعدة...من البحر ومن أعماق البلاد ومن الصحراء بالجنوب. الفضاء تضافرت فيه مكونات المعلم التاريخي ومحتويات حديقة لمنزل تونسي يتوضح من نمط معماره أنه يعود الى عهد الاستعمار الفرنسي المباشر. كان ذلك في مدينة رادس الجميلة حيث تقع «دار بوعصيدة» التي آثر أهلها أن يحولوها الى معلم ثقافي يأوي أنشطة ثقافية متميزة كما التي احتضنتها مساء الجمعة المنقضي...
المناسبة كانت إحياء ذكرى المرحوم المنجي بن يعيش حيث نظم نادي الشعر أبو القاسم الشابي بالوردية، أمسية شعرية توافد عليها الشعراء نساء ورجالا، من الحالمين شعرا والناطقين قصائد بين العمودي والحرّ واللهجة الدارجة.
الشاعر سوف عبيد محرك الأمسية والذي يشرف على النادي المذكور قدم الشعراء والشاعرات كل من خلال وصف معين وكنية معينة... تكلم سوف عبيد عن العقد الفريد، ليستلهم منه تشبيها للسهرة الشعرية الرمضانية فقال إن السهرة الشعرية ستكون كما العقد أولها مهم والوسط أهم وآخر العقد أشد أهمية... فكان الافتتاح بقصيدة بلغة عربية جميلة ل «طبيب الشعراء»... و«شاعر الأطباء» كما قدمه الشاعر سوف عبيد، وكان يقصد الدكتور مختار بن إسماعيل...كان الحضور منحصر العدد لكنه كان حضورا نوعيا فقد واكب هذه السهرة الشعرية عدد من الوجوه الثقافية منها السيدة جليلة الفارسي رئيسة نادي مصطفى الفارسي للإبداع والأديب يوسف عبد العاطي وثلة من أهل الثقافة،ممن جاؤوا ليتابعوا نغمات الشعر من تونس ومن قليبية ومن القصرين ومن قفصة ومن أقاصي الجنوب ومن المهدية ومن سوسة...
«حكاية صدفة» هي قصيدة عبرت من خلالها الشاعرة حلم إمرأة تحاكي الكائنات فحاولت وهيبة قوية أن تبلغ رسالة مفادها أن الكائنات من الطيور التي اتجهت لمحاكاتها ليس بها غدر كما الانسان... لكن «عروسية الرقيقي» اتجهت أكثر نحو المسألة الوجودية لتسأل السؤال الأزلي، لا نعلم من أين أتينا...تواصلت السهرة لتؤثثها سهام بن جميع وهدى الدغاري التي تحدثت عن فوضى سياسية بالبلاد...فيما انتقلت ليلى المكي الى طاولة الالقاء ليقول قصيدتها ببوش (1991) وعودة الرّوح : «أنا جيت يا بلباو» وهما عبارة عن تسجيلات لوقائع سياسية قالت إنهما صادرتان عن «جوابة» الوجع، كما تصف نفسها وهي القادمة من فيافي القصرين... أما الشاعرة سهام صفر فقد ألقت قصائدها القصيرة، بلغة فرنسية دقيقة وبسيطة...لكنها عميقة من حيث أنها تبحث في المسألة الوجودية...
الشاعر عبد المجيد يوسف، الذي قدم لتوّه من سوسة، قرأ بعض الأبيات من أشعاره، تاركا المجال الى وقائع قصيدة «الجازية» لسوف عبيد..فكان فيها التلاطم بين أمواج الماضي والحاضر... وبين اللغة العربية الفصحى واللهجة الدارجة فبسط الشاعر من خلال الكلمات القصة الأخرى للجازية الهلالية فكان التجاذب مرة أخرى من «بني سليم إلى بني رياح...فكانت الجازية مثال الحسن الصافي فعندما اجتمعت الصبايا حول الجازية، غربل الحسن الجمال فكان من نصيب الجازية الهلالية...
لم يكن صعبا التفطن إلى أن الجا زية الهلالية لسوف عبيد انما هي تعني تونس...بكل آمالها...وآلامها...بحسنها وجمالها وحكمتها أما ابن المرحوم المسرحي المنجي بن يعيش فقد تحدث عن آثار والده، منوّها بأن الوالد بقي نكرة رغم أنه أحد أقطاب المسرح في تونس وأضاف السيد المنجي بن يعيش قائلا : إن تراث المنجي بن يعيش يستحق التمحيص والخروج الى العلن...